رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جحيم الحياة.. حاولت الهروب من زوجها فقتلها

بوابة الوفد الإلكترونية

 

شرد «جمال» بخياله وتعلقت عيناه بسقف الطائرة أثناء عودته من إحدى الدول العربية التى يعمل بها، ومر شريط حياته أمام عينيه منذ أن أنهى تعليمه وحصوله على دبلوم التجارة وأصبح شاباً تكسو اللحية الخفيفة وجهه وزاده الشارب أعواماً فوق عمره، وهنا كانت البداية فهو فى نظر أسرته الرجل الذى يجب أن يعتمد على نفسه حتى لا يمد يديه إلى والده وأحد أفراد أسرته لطلب مصروف الجيب، كما كان فى السابق وبنهاية تعليمه شعر بأنه الآن انتهت مرحلة طفولته الحقيقية ومرت سنون اللهو بحلوها ومرها وحان الوقت ليشق طريق العمل.

«جمال» الذى يقطن فى إحدى قرى سوهاج الجنوبية كبر وترعرع وسط أسرة متوسطة الحال لم يبخل عليه والده بشىء هو وإخوته من مستلزمات الحياة قدر استطاعته، حتى حصل على دبلوم التجارة وطلب منه البحث عن عمل ليساعده فى نفقات الأسرة وتكملة تعليم إخوته، كما فعل شقيقه الأكبر، وحتى يتمكن من تكوين حياته وتأسيس سكن له والبحث عن عروس وتحمل مسئولية أسرة لأنه يعلم جيداً مدى المعاناة والمشقة التى واجهت ومازالت تواجه والده حتى يتمكن من توفير الحياة الكريمة له ولإخوته ليصل بهم إلى بر الأمان.

ولم يكذب «جمال» خبراً وخرج يبحث عن أى عمل يعود عليه وعلى أهله ببعض المال واشتغل عاملاً مرة فى الأراضى الزراعية ومرة أخرى فى المعمار، وأخذ يتنقل من عمل إلى آخر دون أن يكل أو يمل وكان يساعد أسرته فى بعض النفقات اليومية ويدخر بعض المال من أجل الزواج وتأسيس عائلة خاصة به، وبعد عدة سنوات فاتح والده بأنه على أتم الاستعداد للبحث عن زوجة وفرح به كثيراً على وعد منه بالمساعدة فى نفقات الزواج، وأخذ «جمال» ووالده يفكران فيمن تصلح أن تكون زوجة له، وتقدر ظروفهم وتعيش على قدر استطاعتهم وأشركا معهما أفراد الأسرة حتى تم الاتفاق على «جيهان».

كانت «جيهان» بجانب أنها من أسرة قريبة من ظروفهم وتتمتع بالأخلاق الحسنة تمتاز بالجمال اللافت للنظر، جمال ريفى هادئ يجذب العقول والقلوب لكل من تقع عليها عيناه، ونظراً لأنها خجولة وتحب الانطواء والبعد عن أعين الناس وخاصة أصحاب النظرات الشهوانية وممن يتلاعبون بالفتيات، أنهت تعليمها دون أن يلتفت إليها الكثيرون من شباب قريتها وساعدها في ذلك العادات والتقاليد التى كانت تخيم على القرية وارتباط معظم العائلات بها بالقرية والمصاهرة والبعض ابتعد لظروف أسرتها التى كانت تسد احتياجاتها اليومية بشق الأنفس.

وبعد مشاورات وقع اختيار «جمال» وأهله على «جيهان» لتكون شريكة حياته وتحديد موعد لزيارة أسرتها وطلب يدها، ولأن أهل القرية يعلمون كل شىء عن بعضهم البعض تمت الموافقة وخلال أيام قليلة احتفلوا فيما بينهم فى سهرة جميلة بخطبة جمال وجيهان فى جو ملىء بالبهجة والسرور واتفقوا على موعد الزفاف، وبعد مرور عدة شهور تمكن خلالها جمال بمساعدة والده وإخوته من تأسيس عش الزوجية وتم عقد القران والزفاف.

وانفض السامر وأخذ جمال زوجته داخل إحدى السيارات المعدة للزفاف لتوصيلهما إلى شقتهما.

عاش جمال وجيهان أياماً سعيدة ومرت الشهور والسنون ورزقهما الله بولدين وفتاة، ومع مرور الوقت زادت المصاريف والأعباء ولم يزد يوماً دخل جمال بل ظل ثابتاً، وزادت متطلبات الأسرة عن مقدرته ولم يتمكن من الوفاء بها، وأخذ يبحث عن عمل آخر لزيادة دخله دون جدوى ونصحته زوجته وأهله بالسفر إلى الخارج، وبعد عناء عثر على عقد عمل بإحدى دول الخليج وكانت فرحة زوجته وأسرته عارمة، أخيراً سوف يسافر لينتشلهم من براثن الحاجة والفقر، وجهزت له زوجته حقيبة السفر وودعته.

وبعد عام وشهور قليلة عاد «جمال» من الغربة بخفى حنين يجر أذيال الخيبة بعد فشله فى عمله دون أن يحمل معه أى مبالغ مالية لتدبير احتياجات أسرته وسد رمق صغاره، واضطر للاستدانة لضيق ذات اليد ويوماً بعد الآخر تراكمت عليه الديون وزادت المشاكل بينه وبين زوجته بسبب مطالبتها له بالبحث عن عمل أفضل لسداد الديون، وكذلك للإنفاق على أسرته، وكانت حجته أنها سوف تُفرج فى الغد وكان ردها بأن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة بل عليه السعى وكل يوم نفس الاسطوانة ونفس الرد واللوم والعتاب حتى أعياها الكلام ومزقت أحشاءها صرخات أطفالها ومطالبتهم لها بالأكل والحلوى.

ومع ازدياد الحزن والأعباء تزداد المشكلات التى أصبحت عادة وذهبت لأسرته أكثر من مرة تناشدهم تارة بأن يجدوا حلاً لابنهم للوفاء بأبسط متطلبات أسرته، وسد الديون التى يطالب أصحابها بها، وتارة أخرى تستجديهم وتتوسل إليهم لمساعدتها وأولادها في البحث عن عمل لزوجها وهى تعلم جيداً أنهم تعبوا كثيراً معه من أجل ذلك وأخذت تلح على زوجها بأن يعود للسفر مرة أخرى، وأخبرته بالمضايقات التى

تتعرض لها خلال خروجها إلى السوق لشراء متطلبات الأسرة بالأجل لعدم وجود نقود كافية معها، بالإضافة لتعرضها للمواقف المحرجة من قبل أصحاب الديون الذين يلتقون بها ويطالبونها بدفع ما عليهم.

وعندما لم تجد حلاً معه وأصابها اليأس من اللامبالاة التى يعيشها ومطالبته لها دائماً بأن تدبر حياتها فى حدود إمكانياته المالية غضبت وتركت له منزل الزوجية وهجرته لعل ذلك يحرك فيه ساكناً وتوجهت لمنزل أسرتها تشكو لهم حالها، والعذاب اليومى الذى تعيشه في كنف الذى من المفترض أنه رب أسرة ومسئول عن الإنفاق عليها، وحزنت أسرتها كثيراً لما وصل إليه حال ابنتهم ونظرات صغارها التى تعلقت بوجهها وهم يشاركونها البكاء والنحيب، وضمتهم جدتهم إلى أحضانها وهى تربت عليهم وتهدئ من روعهم وتواسى ابنتها بكلمات تخرج من حنجرتها مخنوقة بأن هذا نصيبها وعليها أن تتحمل من أجل أطفالها.

وشعر «جمال» بأن حياته انقلبت رأساً على عقب بعد أن تركته زوجته وأولاده وأنه لا يستطيع العيش بدونهم، فتوجه إلى بيت أبيها لصلحها وطلب منها العودة معه مرة أخرى من أجل العشرة ومن أجل أبنائهما، ولأن كلمات أمها بالحفاظ على بيتها قدر استطاعتها جرس يدق فى عقلها وافقت على العودة معه واشترطت عليه البحث عن عمل أفضل من أجل تدبير مصروف البيت والأولاد، ولكن سرعان ما بدأت المشاجرات مرة أخرى على مصروف المنزل وزادت المشكلات والخلافات بينهما وسيطرت حالة من الغضب الشديد علي الزوج وتبادل التراشق بالألفاظ مع زوجته.

لم تتحمل جيهان الشتائم والسباب التى وجهها لها زوجها وتركت له الصالة وذهبت إلى غرفة النوم والدموع تملأ مقلتيها وهى تلعن حظها العاثر الذى وضع فى طريقها هذا الشخص، وهبت لتحمل أطفالها وتترك له الشقة بأكملها وتعود إلى منزل أسرتها، وهنا شعر بأنها إن خرجت هذه المرة لن تعود إليه مرة أخرى فاستشاط غضباً وهداه شيطانه اللعين بأن يلقنها درساً لن تنساه بأن يمنعها من الخروج ويضربها علقة ساخنة فانهال عليها ضرباً بكلتا يديه وهى تصرخ من شدة الضرب والأطفال دخلوا فى وصلة صراخ هستيرى، وسقطت جيهان على الأرض ليكمل ما بدأه بقدميه حتى غرقت فى دمائها ومع ارتفاع أصوات صرخاتها واختلاطها ببكاء أطفالها تجمع الجيران وتمكنوا من كسر باب الشقة ولكن بعد فوات الأوان فعقب حملها والهرولة بها إلى المستشفى المركزى لفظت أنفاسها الأخيرة.

وبعد القبض على الزوج انزوى بغرفة التحقيق يحدق في الأرض وتسمرت عيناه وهو لا يصدق أنه أقدم على هذه الفعلة الشنعاء فى حق أم أولاده التى تحملت معه ما لا تستطيع الجبال تحمله واعترف بفعلته مردداً: ليتنى ما تزوجت ليتنى سمعت كلامها وسافرت، وفى النيابة العامة قال وهو شارد كعادته غير مبال بشىء: أنا أستحق الإعدام لأننى قتلتها أمام أطفالى بدم بارد.

ماتت «جيهان» دون ذنب سوى أنها أرادت حياة كريمة لأولادها وحاولت إنقاذهم من الجوع والتشرد وانتهى الأب فى غياهب السجن، وأصبح مصير الأولاد مجهولاً!! إنه الفقر الذى حول الحياة بين الزوجين إلى جحيم وجعل الزوج مجنوناً، قتل زوجته دون وعى عندما فكرت فى تركه بسبب فقره.