رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

رؤيـة إسلاميـة إنسانيـة لـ "الخيـر"

أزمة الصومال الإنسانية أكدت حاجة "العمل الخيري" في بلادنا العربية إلى رؤية "إنسانية أشمل وأوسع"، بعيداً عن الإشتباك مع الأجندات السياسية للمنظمات الدولية والحكومات أو حتى الصراع الديني، الإسلامي – المسيحي، أو حتى السلفي – الشيعي في أفريقيا وآسيا.

في البداية ينبغي أن نعترف أن العمل الخيري يعكس القيمة العليا للإسلام، وهي العدل، بقدر ما يسعى إلى تحقيق التكافل داخل المجتمع، وقد امتد منذ عقود صغيرة إلى تحقيق هذه القيم الإنسانية والإسلامية النبيلة بإتجاه الدول المسلمة الفقيرة، قبل أن تتوسع دوائره في أفريقيا وآسيا، وفق منطلقات دعوية بالأساس.
ورغم الإستهداف الخارجي بعد أحداث 11 سبتمبر، إلا أن العمل الخيري في منطقة الخليج العربي تحديداً، ما زال ينشط، من جانب الحكومات والمجتمعات المدنية، سواء من الجمعيات الإنسانية أو المؤسسات المدنية شبه الحكومية، أو المؤسسات الأهلية التي تعتبر أن العمل الخيري يفتح آفاقاً رحبة للدعوة الإسلامية أو يعمل على مساعدة المسلمين الذين يقفون في مرمى النشاط الغربي التبشيري.
ومع الإعتراف أن هذا العمل يعزز مكانة دول الخليج العربي، حكومات وشعوباً، في قلوب المسلمين عموماً، وأوساط الفقراء في الكثير من دول العالم، إلا أنه ينبغي الإعتراف أيضاً أن أزمة الصومال كشفت مجدداً أنه يواجه تحديات ذاتية أقوى من التحديات المفروضة عليه من جانب القوى الغربية، حيث كان يعاني في السابق من العشوائية وعدم التخطيط، وغياب العمل الخيري التنموي، ثم أصبح الآن يفتقر لرؤية إنسانية، تعني ببساطة أن يخدم كل المستضعفين.. بلا تمييز أو تميز.
وبالنظر إلى الخبرة التبشيرية الغربية، نجد أن العمل الإنساني التبشيري قد وصل الآن إلى دول شمال أفريقيا بعد أن كان يقتصر في السابق على أفريقيا جنوب الصحراء، في إطار من التخطيط والعمل الجماعي الذي يوظف الموارد والكفاءات بطرق رشيدة، وفي هذا الإطار أخبرني أحد الشباب المصريين الذين يشاركون في جهود التبشير بالجزائر والمغرب أنهم لا يجبرون أحد على إعتناق المسيحية نظير ما يوفرون من خدمات صحية وإقتصادية.. إلخ،
(وهي الرؤية التي جادلته فيها لأنها غير مطبقة في مصر حيث تستغل بعض الكنائس الغربية حاجة الفقراء إلى المال والطعام وتحولهم عن دينهم، وعندما سألت قس مشيخي آخر عن هذا الأمر رد بطريقة غير مقنعة قائلاً: لا تأسف على من يتحول عن دينه نظير المال!).
إن الخلاصة الهامة من هذه التجربة، التي تستحق القراءة والإمعان فيها بدورها، أن العمل التبشيري المستند إلى عمل خيري وإنساني، لا يتطلب إطلاق إشارة بدء من منطمة دولية أو قيادات سياسية، بل يقوم باستغلال كل التطورات لتنشيط أعماله وبرامجه..
أما نحن فقد إنتظرنا طويلاً رغم تحذيرات دولية منذ أربع سنوات على أقل تقدير بأن الصومال تواجه خطر المجاعة، ولم نتحرك إلا بعد أن وصلت نداءات المنظمات الدولية إلى أروقة وزارات الخارجية مثلاً، فأطلقنا بعدها النداءات والحملات للتبرع من

أجل إخواننا في الصومال،
(تماماً مثلما يجري الآن إزاء الأزمة السورية إذ لم تسعى كثير من القوى الفكرية إلى بلورة رؤية حول الوضع، والآن نجدها تنشط لنصرة الشعب السوري إعلامياً وإنسانياً).
أما فيما يتعلق بخلاصات تجربة إغاثة الشعب الصومالي، فهي، أولاً: غياب التنسيق في الجهود الخيرية والإنسانية، بين تلك الأنواع الثلاثة من المنظمات، وهي: الإنسانية المنضوية في إطار الحركة الدولية للصليب والهلال الأحمر، والمؤسسات المدنية شبه الحكومية، والجمعيات واللجان الخيرية الأهلية.
وثانياً: أن عدم التنسيق يخدم المنظمات التي تنشر المسيحية، وكذلك التشيع، في أفريقيا حيث يكسبها أرض جديدة، نظراً العمل الإغاثي غير المنظم لا يستطيع الوقوف أمام أعمال منظمة تبحث عن كل الوسائل الجديدة للبقاء وكسب الأنصار.
أتذكر في هذا السياق أن بعض الدعاة المصريين، من الإسلاميين المؤطرين أو الأزهريين أو التابعين للجمعية الشرعية، كانوا، وما زالوت، يشكون بمرارة من أن خياراتهم محدودة تماماً حيث لا تفضل الجمعيات الإنسانية التعاون معهم، ولا يجدون تمويلاً من حكومتهم، فيما تقوم كثير من المنظمات الخليجية المانحة بتصنيفهم فكرياً وسياسياً.. فإذا ارتأت أنهم لا يمثلون الإتجاه السلفي، تقوم على الفور بحرمانهم من التمويل، وربما تعطيه لمن ينفذ برامج ضعيفة أو شكلية.
ما العمل إذن؟. هذا يعيدنا إلى أهمية بناء رؤية إنسانية للعمل الخيري، وهي عملية يسيرة، نظراً لأنها ترتكز على قيم الدين الحنيف، التي تقر بكرامة الإنسان، اياً كان إنتماؤه، هذا من ناحية.
ومن ناحية ثانية، يجب أن يتوقف الإسلاميون العاملون في المجال الخيري والدعوي، عن التنافس في الداخل والخارج، على إعتبار أن التنسيق يحقق لهمم مكاسب عديدة، في مقدمتها توفير الموارد الشحيحة، وتوظيف الجهود بكفاءة.
ولعل هذا وذاك قد يفتح لهم آفاقاً رحبة في التعاون مع الجمعيات الإنسانية غير المسيسة أو المؤدلجة بما يساهم بفعالية في وقف الإختراقات التبشيرية في تلك الدول.. والتي تدق الآن، بقوة، وفي العلن، أسوار مجتمعاتهم.

[email protected]