رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الفاعـل اللامـرئي

مقولات الأيادي الخفية و"المؤامرة" ما زالت تتردد أصداؤها بقوة، فيما يتعلق بالتطورات المصيرية التي تمر بها مصر، ولا تتعلق فقط بما يجري في سيناء وعلى الحدود مع دولة الاحتلال، بل وصل الأمر إلى الدرجة التي استبطن فيها بعض الكتاب والمثقفين، وجود "فاعل لا مرئي"، حرك أحداث الثورة الشعبية، التي أشعلها الشباب، في بلادنا.

 

أتذكر أنه عندما كانت تقع بعض الأحداث الإرهابية في عهد الرئيس المخلوع، كان بعض الإسلاميين الذين يمارسون العمل السياسي السلمي، يجدون السكينة، عندما يعلقون ما جرى من فظائع على شماعة "الفاعل اللامرئي"، وقد يكون الأمر صحيحاً جزئياً من زاوية أن بعض القوى الخارجية تستغل الأحداث الداخلية من أجل تحقيق مصالحها، فتقوم، على سبيل المثال، بتدريب ضباط الأمن ونسج علاقات أمنية مع جميع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، مما كان يستنفر الجماعات التي كانت تستعمل العنف كآلية للتغيير، ويجعلها تصعد من عملياتها ضد "العدو القريب" و"العدو البعيد" على السواء.

لكن الحقيقة، التي غابت عن أذهاننا، هي أنه كان من الأحرى أن نبحث عن جميع الأسباب السياسية والاجتماعية والدينية.. إلخ التي أدت لإندلاع العنف والعنف المضاد بين نظام المخلوع وبين التيارات "الجهادية"، حتى نجد مقاربة شاملة لوقفه،لأنه من الصعب أن يقتصر الأمر على دور خارجي يذكي "الإرهاب"، ثم يوظفه فيما بعد في ترسيخ الصور النمطية عن العرب والمسلمين وربط الدين الحنيف بالإرهاب.

ومن المفارقة أن نفس الفكرة – أو بالأحرى التفكير الأحادي – ما زال يسيطر علينا، سواء في قراءتنا لأحداث الثورة، أو في تعاملنا مع التطورات اللاحقة عليها، فهناك آراء غير معلنة، ويتم ترديدها بطريقة خجولة، من جانب قليل من المثقفين والكتاب، بأن ما يجري في دول الربيع العربي يثير التساؤلات حول وجود قوى دولية توجه الأحداث..

وفيما يربط البعض في دول الخليج العربي، مثلاً، بين ما يجري من ثورات وبين نظرية "لفوضى الخلاقة" التي ولدت في معامل الاستخبارات وكشفت عنها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليسا رايس، فإن آخرون عندنا لا يتقبلون ذلك، وإنما يتساءلون باستغراب: ألم تكن الشعوب هي نفس الشعوب.. والأنظمة هي نفس الأنظمة؟! فماذا جرى؟ وهل هناك قوى معينة عجلت بهروب دكتاتور تونس أو تنحي المخلوع في مصر؟!.

التساؤل الأخير قد ينزع في ظاهره إلى التقليل من دور الشباب والشعوب في المعجزة التي حدثت، ولكنه قد يكون مشروعاً من ناحية واحدة فقط وهي التحذير من التدخلات الخارجية التي كانت تهدف في السابق لدعم الأنظمة المستبدة.. وترغب الآن في استثمار الثورات للحفاظ على مصالحها من خلال إيجاد ذات التأثير على السياسة الخارجية لمصر بعد الثورة.

وقد تكرر ذات الأمر عند تناول ما جرى في سيناء من استشهاد جنودنا على يد جيش دولة الاحتلال عقب عملية عسكرية، نفذتها المقاومة الفسلطينية غالباً، واستهدفت مستوطنين وعسكريين في جنوب فلسطين المحتلة، ففي الوقت الذي كانت التظاهرات الشعبية والشبابية مقابل السفارة الصهيونية تعبر تعبيراً ناصعاً عن "دور مصر" التاريخي والمنشود، الذي أضاعه النظام

السابق، كان كثير من كتابنا وباحثينا ومثقفينا – وهم من الإسلاميين والعلمانيين على السواء وإن كانت الأغلبية علمانية هذه المرة - يتحدثون عن "فاعل لا مرئي".. تارة يكون إقيلمياً، وتارة أخرى يكون خارجياً.

وربما يكون ذلك أحد الأسباب التي قللت من ظهور رأي عام موحد بين النخبة، يسهم في نقل المطالب الشعبية إلى النظام الانتقالي الحالي، ويعزز من "الشفافية" و"تداول المعلومات" حتى لا نظل آخر من يعلم بما يجري على أرضنا، وكذلك يعضد من موقف المجلس العسكري، في إتصالاته مع قادة دولة الاحتلال وحلفاءها الدوليين.. وبمما يعني ببساطة ضياع فرصة ذهبية للضغط على دولة الاحتلال وحشرها في الزاوية كان بامكان مصر الرسمية أن تقوم بها بناءً على أسس أخلاقية وسياسية مستمدة من إرادتها الشعبية وقوتها الناعمة المتمثلة في نخبتها المثقفة.

إن ما يتم تداوله من كتابات وآراء في هذا السياق، يذكرني أصحابه، بأحد المشاهد الفاصلة في فيلم الأطفال الشهير "البحث عن نيمو"، حيث كان عدد من السمك يخطط للهروب من حوض السمك إلى المحيط حتى يستعيدوا حريتهم ويعود نيمو لأبيه. كانت الخطة تقضي بأن يدخل الجميع في كيس شفاف صغير أثناء طريقهم الذي كان يمر بمواسير المياه، مروراً بالطريق، وصولاً إلى المحيط.. وبالفعل نجحت الخطة، ولكنهم فوجئوا بأنهم انتقلوا من "سجن حوض الأسماء" الواسع نسبياً، إلى سجن أصغر.. حيث لم يفكروا في طريقة لحل الحبل المربوط بأعلى الكيس.. فكانوا ينظرون بحسرة إلى المحيط الواسع من داخل كيسهم وهم يستاءلون: وبعدين؟!!.

ويبدو أن نخبتنا – بإسلامييها وعلمانييها – لم يخرجوا حتى الآن إلى محيط الحرية الواسع، بفضل ثورة شبابهم وشعبهم، وبدلاً من أن يساهموا في إكمال الثورة، فإنهم حبسوا أنفسهم في شرنقة صغيرة تتمثل في أفكار من قبيل: "الفاعل اللامرئي" و"المؤامرة" و"الارتباط بالأجندات الخارجية".. إلخ، وجميعها مربوطة بحبل التعصب.. وهو ضد التسامح الذي يعتبر من أسمى قيم الديمقراطية.. والتي لا تتحقق إلا به كل قيمها الأخرى.