رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

دفاع "إسلامي" عن سيد القمني

من المتوقع أن يؤدي تقرير "هيئة المفوضين" بمجلس الدولة، الذي يطالب بسحب جائزة الدولة التقديرية من الدكتور سيد القمني، ثم حكم المحكمة النهائي، الذي سوف يصدر بناءً على حيثيات التقرير، يوم 18 أكتوبر المقبل، إلى دخول المجتمع المصري في دوامة جديدة من الصراع (الدائري) بين الإسلاميين والعلمانيين حول حرية الرأي والتعبير والإبداع.. الذي ما تلبث أن تخفت حدته حتى يشتعل مجدداً.

وبغض النظر عما ورد في التقرير من أن الجائزة منحت للقمني مجاملة لاتجاه إلحادي كانت يستخدمه نظام الرئيس المخلوع لمحاربة التيار الإسلامي، وأن كتاباته "لم تضف جديداً إلى العلوم الاجتماعية، وإنما كانت خصماً من رصيد الأمة، كما أنه شكك في نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم"، فإن مثل هذه القضايا تعكس ما يمكن تسميته بـ "أزمة العلوم الاجتماعية" حيث من المفترض أن تكون وظيفتها المساهمة في نهوض المجتمع وليس إستغلالها في صراعات أيدولوجية.

كذلك، فبالرغم من أن معظم منتقدي الدكتور القمني يأخذون عليه إنطلاقه في أبحاثه من أراء ومقولات لشذاذ المستشرقين حول نبي الله إبراهيم والرسول الأكرم، صلى الله عليه وسلم، وعدد آخر من القضايا التاريخية، إلا أن وقوع الطرفين في الصراع، الذي كان يميل لكفة الدكتور القمني قبيل الثورة، ثم مال لمصلحة خصومه بعدها، أنساهما القاعدة الذهبية بأن "مقارعة الفكر يجب أن تكون بالفكر والحجة بالحجة".

هنا يجب أن نتوجه باللوم إلى بعض وسائل الإعلام، التي كان يتم توظيفها في الصراع الإيدولوجي، أو تنحاز لطرف دون الآخر بحكم إنتماءاتها الفكرية، ونتحسر مثلاً على (الأهرام) التي كانت يوماً ما منبراً لجميع ألوان الطيف الوطني، الفكري والسياسي.. ثم نخلص إلى نتيجة هي أن الإعلام والفضائيات الآن إما أنهما سيعمقان هذا الشرخ والإصطفاف في المجتمع، أو يشاركان في إرساء دعائم حرية الرأي والتعبير في مصر بعد الثورة... الأمر إليهم الآن!.

إن الحرية – كما يقول الكواكبي – هي: "أعز شيء على الإنسان بعد حياته، وبفقدانها تفقد الآمال، وتبطل الأعمال، وتموت النفوس، وتتعطل الشرائع، وتختل القوانين".

وفي قضية الدكتور القمني ومثيلاتها، نجد أننا إزاء فريقين يختلفان حول حرية الرأي والتعبير: الأول:  يؤكد أن الحفاظ على - أو حماية - حرية التعبير يعتبر من أهم ركائز الديمقراطية متضامناً مع بعض المقولات الغربية بأن الحرية معدومة في الإسلام وعالم المسلمين بسبب العقليات

المتحجرة التي تحاول تطبيق مفاهيم غير صالحة للتطبيق!.

الثاي: يرى أنه لا يوجد مباح على الإطلاق في المجال العام، فالمجتمعات المتحضرة تسير وفق ضوابط يتفق عليها ويسود فيها هذا المجال العام، أما الغابة فيسود فيها فقط المجال الخاص!.

ومع وجود هذا الإنقسام، فإن هذه القضايا، تؤدي إلى سكب المزيد من البنزين على النار، التي يؤججها البعض من هذا الفريق أو ذاك، وبالتالي احتدام الصراعات الأيديولوجية في المجتمع المصري، حيث يربط الباحثون بين الإدراك بأن هناك مزيداً من التهديد السياسي وبين الميل نحو التعصب السياسي.. فهل هذا ما تحتاجه مصر الآن من إسلامييها وعلمانييها؟!.

إنني أعتز بانتمائي للمرجعية الإسلامية، إلا أنه ينبغي التأكيد بأن ممارسات من قبيل رفع قضايا الحسبة وتكفير الأدباء، تحت شعار الدفاع عن الإسلام والوقوف ضد الأجندات الخارجية، لا يجب أن يكون أولوية بعض الإسلاميين في الوقت الراهن، على إعتبار أنها ستعيد إنتاج واقع ما قبل الثورة، في حين ينتظر الشعب المصري من التيارين الإسلامي والعلماني أن يتوقفا عن "صراع الديكة" الفكري ومعارك "عض الأصابع" الفضائية، لكي يستطيعا أن يساهما في نهضة مصر المنشودة.

لقد أنفقنا وقتاً طويلاً في الاختلاف حول حرية التعبير والإبداع، ثم استيقظنا على واقع مليء بالاستبداد وانتهاك الحريات العامة، والتدخلات الخارجية، والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعاني منها المجتمع... وهذا الشكل من الحرية، سنظل نختلف عليه، لكن لا يجب أن يكون مسوغاً لقتل قيمة التسامح، ورفض الحوار المشترك حول الأولويات المتعلقة بالأمن القومي وحقوق الناس في مصر الثورة.

صحفي وباحث سياسي