رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

في الدروشة السياسية

ترتبط دائماً الدروشة وممارسة الخزعبلات، في أذهاننا، بالفقر والجهل، فهؤلاء يدخلون من بوابة خلفية للإيمان، أو يهربون من الواقع المليء بالمشكلات، طلباً للعون من الله. وفي أزمنة الاستبداد اختلفت المعادلة نوعاً ما، حيث سدت الأبواب أمام التعبير السلمي، وتم تشجيع الجميع على ولوج هذه البوابة، باعتبارها "الدين الصحيح"، فكنا نرى متعلمين ومثقفين، يجلسون للذكر بملابسهم البيضاء الجميلة، مجاورين لزملاءهم الفقراء في "الموالد" حيث يميلون بأجسامهم في حركات معلومة، حتى يقع بعضهم على الأرض، فيصيحون: اتركوه.. لقد وصل!.

ويبدو أن الدروشة انتقلت من الفضاء الديني إلى المجال السياسي، حيث يقوم بها أصحاب الأيدولوجيات جميعاً، سواء من لهم وجود في الشارع أو من يصطلح على تسميتهم بالنخبة، ومن الأمثلة الصارخة، التي تحضرني في هذا السياق، الدروشة التي قام بها طارق الهاشمي، أحد الرموز السابقين للحزب الإسلامي بالعراق، حيث شارك في العملية السياسية بعد الغزو الأمريكي للعراق، وكان يرفض مقاومة الاحتلال الأمريكي، ودائماً ما كان يصر أن أكبر تهديد للعراق هو الذي يأتي من جارتها إيران. وبعد سنوات من الانخراط في العملية السياسية، وتصريحه دائماً للأمريكيين أنه يرفض مغادرتهم العراق حتى لا تقع بلاده فريسة سهلة بأيدي الإيرانيين وأتباعهم، فإنهم غادروا بالفعل.. وأصبح مكشوفاً لمنافسيه، لكي ينقضوا عليه بتهمة التحريض على عمليات إرهابية ضد مواطنين عراقيين!!.
من البدهي القول إن أى تدخل خارجي يكون خطراً على الأمن القومي، وفي حالة السيد الهاشمي، نجد أنه لم يتعامل مع الخطرين الأمريكي والإيراني على قدم المساواة، فوافق على الانخراط في عملية سياسية برعاية أمريكية، ولم يراجع موقفه من المقاومة التي تستهدف الجيش الأمريكي، ويعترف بوجودها أو ضرورة ترشيدها، وحتى مع دخوله في إئتلاف يضم أطياف الشعب العراقي، فإن موقفه من شيعة العراق، ربما كان أحد أسباب تفضيلهم ائتلافاً آخر ينحو منحى الطائفية.. التي يستبطنها هو.. وهذا الائتلاف هو من يقوم بملاحقته الآن.
وإذا انتقلنا إلى مصر.. وتساءلنا: هل القوى الإسلامية التي اكتسحت في الانتخابات البرلمانية بعد الثورة تعاني من الدروشة السياسية؟ فإن السؤال قد يجلب احتفاءً من القوى الخاسرة في الانتخابات، فيما قد ينزعج الإسلاميون معتبرين أن ذلك قد يخدم من يريدون تشويههم.. وهنا ينبغي أن أعترف أنني إسلامي قلباً وقالباً!، وما دفعني لطرح السؤال هو ذات الهدف الذي يحركهم، "الحفاظ على الثورة وإكمالها وإنجاحها".
فالإسلاميين، بشهادة أبناءهم من الكوادر الوطنية في شتى المجالات، لديهم اجتهادات لكافة المشكلات التي تواجه الشعب المصري، لكنهم لا يفصحون عنها، وينخرطون، بقصد أو بدون قصد، فيما يسميه د. معتز بالله عبد الفتاح، "معركة أهلية سياسية"، مع القوى الثورية والعلمانية، بما يباعد بينهم وبين هذه القوى، ويقلل فرصتهم في إقامة التوافق الوطني، الذي ينشدونه، لصياغة دستور مصر بعد الثورة.
كما أن لديهم رؤية واضحة بأهداف القوى الإقليمية والدولية، التي ليس من مصلحتها، أن تكون مصر ديمقراطية.. ومستقلة وغير تابعة لأى قوة خارجية، لكن هنا تغيب "الرؤية الإستراتيجية" الخاصة بالتعامل مع مخططات هذه القوى، وربما يرجع ذلك إلى قلة المراكز البحثية التابعة لهم أو المستقلة عن تنظيماتهم، والتي يجب أن يلجأوا إليها لصناعة هذه الرؤية، أو يرجع إلى

أن صاحب الأيديولوجية – أى أيديولوجية – لديه رؤية مبسطة عن العالم المعاش، مما يغري القيادة بعدم الحاجة للمتخصصين في العلوم السياسية والإستراتيجية، رغم أن أكبر قوة في العالم تملك آلاف مراكز الأبحاث.. التي ترشد قرارات قيادتها.
الأخطر من هذا وذاك، هو علاقتهم الملتبسة بالمجلس العسكري، التي لم يبذلوا فيها جهداً واضحاً، سواء بكتابة أوراق بحثية أو بإقامة حلقات نقاشية أو مؤتمرات علمية، حيث لا يملكون رؤية تحدد هذه العلاقة وتؤصل للعلاقة بين السياسي والعسكري في مصر الثورة، حيث ينطلقون من رؤية مبسطة هي أن من ينتقد المجلس العسكري ويكشف الكوارث التي ارتكبها إنما يطيلون أمد الفترة الانتقالية، أما هم فيساندون المجلس حتى إذا أصاب قالوا له: أصبت، وإذا أخطأ قالوا له: أخطأت!.
ومشكلة هذه العلاقة الملتبسة أن الإسلاميين قد يوافقون ضمنياً على أن يستمر الجيش في لعب دور في السياسة، أو يعطون قيادته "المجلس العسكري" ضمانات بعدم الملاحقة القضائية، وكل ذلك لن يعوق عملية التحول الديمقراطي فحسب، بل بإمكانه أن يؤجل إلى ما لا نهاية قضية استقلالية القرار المصري بعيداً عن القوى الإقليمية والدولية التي كبلت البلاد بمعاهدات أو معونات.
إن نجاحات الإسلاميين عموماً، والإخوان المسلمين خصوصاً، في الانتخابات لا تتوقف على حصد المقاعد، وإنما في بث روح التفاؤل والفرح والإيجابية لدى المواطنين، بما يعطي مؤشراً قوياً على أنهم يملكون قيادة واعية ومدركة للمرحلة التاريخية التي تمر بها مصر. ولكن هذه القيادة مطالبة بتغيير تكتيكها من أسلوب "سائق القطار" الذي لا يعرف سوى طريق واحد للوصول إلى المحطة النهائية، إلى أسلوب "سائق الباص" الذي يواجه منحنيات ومطبات وطرق فرعية كثيرة.
ومطالبة كذلك بصياغة رؤية سياسية، على أيدي متخصصين، لكل الإشكالات التي تعترض طريق إكمال الثورة وفي مقدمتها العلاقة الشائكة مع المجلس العسكري، ودور الجيش في السياسة ما بعد المرحلة الانتقالية، إذ أن مستقبل مصر لا يجب أن تحكمه قراءة للبعض التجارب الإقليمية والدولية في هذا الشأن أو "حوارات ضيقة" وداخل الكواليس مع قيادات ذاك المجلس.
هذا.. وإلا فإن مصير طارق الهاشمي.. قد يلوح مجدداً في الأفق!.