عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هل يخطـف الجيـش الثـورة؟

يرتبط الجيش المصري في المخيال المصري بالدفاع عن الأرض والشعب، ولا يعود ذلك إلى العقود الماضية التي خاض خلالها حروباً حقق لمصر خلالها آخر انتصاراتها في أكتوبر – رمضان 1973م،

وإنما إلى عهود تاريخية ماضية حيث كان يمثل خط الدفاع الأخير لمصر والأمة العربية من الغزوات الخارجية القادمة من الشرق والغرب.

إلا أنه من الملاحظ أن دور الجيش لم يخضع للنقاش بشفافية خلال العهود الثلاثة لثورة يوليو، حيث كان يتم التحقيق – وربما محاكمة – من يناقش هذا الدور أو أية قضية مرتبطة به بحجة أن هذا الأمر يؤثر على معنويات القوات المسلحة، مثلاً، وكان المهتمون ينتظرون التقارير الإعلامية والدراسات التي تنشرها الصحف الغربية لمعرفة آخر التطورات فيما يتعلق بالجيش المصري سواء في تسليحه أو علاقته بالدولة، ولعل آخرها وثائق ويكيليكس التي تناولت ما يمكن تسميته بـ (الاستثمارات) الأمريكية داخل الجيش المصري، خلال أكثر من عقدين، بهدف تغيير عقيدته العسكرية وإقامة تحالفات مع أبرز قادته.

حقبة جديدة.. قديمة

وفي ظل هذه الأجواء، التي تنعدم فيها إمكانات المساءلة والشفافية، قد يتم الخلط بين نقد أداء المجلس الأعلى للقوات المسلحة وبين المؤسسة العسكرية ذاتها، بما يحرمنا من أمرين: الأول: التواصل مع النظام العسكري الانتقالي بما يخدم تفعيل آداءه في الملفات الداخلية المختلفة. والثاني: الحديث عن وضعية القوات المسلحة المصرية، وكيفية تطوير آداءها بما يجعلها أحد أقوى الجيوش في المنطقة.

إن هناك مؤشرات إيجابية تتعلق بملفين هما: "أداء النظام العسكري الانتقالي" و"وضعية الجيش العسكرية والسياسية"، ترتبط بحرص الأول على التواصل مع القوى السياسية في البلاد لـ "هندسة" المرحلة التالية، وإعتراف الثاني مؤخراً بأن ميزانية الجيش يجب أن تخضع للنقاش داخل مجلس الشعب القادم.

إلا أن "الاستثمارات الأمريكية" التي خلقت علاقات متشابكة ومعقدة مع رموز المؤسسة العسكرية، وتباطؤ النظام العسكري الانتقالي في تسليم السلطة لحكم مدني منتخب، فضلاً عن استمرار الكثيرين من أعضاء الصف الأول والثاني من حكم مبارك في مؤسسات الدولة، والسماح لهم بتشكيل أحزاب سياسية..

كل ذلك لا يمنعنا من التساؤل بصراحة: هل يخطف الجيش الثورة المصرية بحيث يبقى اللاعب الأول، في العلن أو من وراء ستار، على غرار ما حدث طوال عهود ثورة يوليو؟. وهو ما قد يسمح لنا بإحداث تغيير داخلي تجاه الحريات ولكنه سوف يمنعنا من إجراء تغيير جذري فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والدور الإقليمي لمصر.

إن نزول الجيش وحمايته للثورة حتى تكمل هدفها الأول المتمثل في إسقاط نظام المخلوع، والذي تزامن مع زيارة لرئيس أركان الجيش للعاصمة الأمريكية، يمكن قراءته من زوايا متعددة، أولها: أنه يريد أن يستمر في لعب الدور الرئيس في تشكيل المرحلة الانتقالية وما يليها، وثانيها: أنه كان القوة الوحيدة المؤهلة لحكم البلاد وإدارة مرحلة إنتقالية بطريقة آمنة ليس فيما يتعلق بتطهير البلاد من بقايا النظام السابق وإنما في الحفاظ على ميراث النظام السابق المتمثل في إبقاء مصر ضمن ما يسمى "محور الإعتدال" الذي تقوده دولة الاحتلال الصهيوني مع مصر ودول عربية أخرى.

ثم جاء التباطؤ في تسليم السلطة للمدنيين، وفقما أعلن النظام الانتقالي ذاته في الإعلان الدستوري، وأداءه في الملفات الداخلية التي تتسم بالبحث عن مسكنات لمشكلات وأزمات مزمنة إقتصادية واجتماعية، وترك الحبل على الغارب لـ "الفلول" لكي يعيدوا تنظيم صفوفهم، ويشاركوا في المرحلة القادمة، سواءً في انتخابات مجلس الشعب، أو ترشيح رئيس من خلفية عسكرية أو شخصية من بقايا نظام المخلوع.. ليزيد من الهواجس والشكوك حول دور الجيش في السياسة المصرية بعد ثورة 25 يناير.

سيناريوهات غير مرغوبة

وهذا يجعلنا نطرح السؤال التالي، وهو: لماذا يطمع المجلس العسكري الانتقالي في السلطة؟ هنا الإجابة لا تتعلق فقط بما أشرنا إليه من "استثمارات أمريكية" وإنما ترتبط كذلك بالطبيعة السياسية للقائد العسكري ورؤيته لمدى نفوذ القوى المدنية والشبابية بعد نجاح الثورة..

فمن جهة تشير تجربة المخلوع ومن قبله الرئيس الراحل أنور السادات، رحمه الله، إلا أن القائد العسكري يتسم بأمرين متناقضين: الحزم والصرامة مع المجتمع أو مع من هم أدنى منه في الرتبة العسكرية، وعدم إمتلاك المهارات التفاوضية مع القوى الخارجية، بما يعني إنطباق مقولة: "أسد عليً وفي المفاوضات نعامة"!.

ومن جهة أخرى، نجد أن بعض رموز النظام الانتقالي صرحت لأشخاص التقتهم من القوى السياسية بأن

المجلس لم يكن يتوقع أن هذه القوى متشرذمة إلى هذا الحد، حيث تجدها متصارعة على شكل وهوية الدولة وعلى قوانين الانتخابات والحد الزمني لانتهاء المرحلة الانتقالية.. إلخ، وهو ما يعكس ببساطة حيازة قدرة كبيرة من المجلس على المناورة واللعب بالوقت.

أما السؤال الثالث والأخير فهو: ما هي سيناريوهات الدور السياسي للجيش بعد الثورة؟. وهنا يمكن وضع سيناريوهين يضران بالثورة وثالث مرغوب:

الأول: بقاء الجيش في السلطة حتى 2013م: وهو ما تطالب به بعض القوى السياسية، بحجة الحصول على وقت كاف لترتيب أوراقها وبناء قواعد شعبية لها، تمكنها من منافسة القوى الإسلامية و"الفلول" على حد سواء.

ونظراً لتواصل هذه القوى الوثيق مع المجلس العسكري الانتقالين فإن هذا الخيار ظل مطروحاً حتى اللحظات الأخيرة، حيث تباطأ المجلس في كتابة مرسوم جديد يحدد موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية، وبالرغم من إصداره لإعلان حول موعد الانتخابات التشريعية إلا أن قد يؤجل الانتخابات الرئاسية ويظل في السلطة حتى أواخر العام المقبل.

الثاني: تكرار التجربة التركية: ومن المفارقة أن البعض يطالب بأن يكون الجيش حامي الديمقراطية في البلاد وليس المؤسسات الدستورية، ويدخلون في جدل ساخن مع القوى الاسلامية حول تجربة حزب العدالة والتنمية وضرورة تطبيق الاسلاميون لها في مصر بالرغم من أن هذه التجربة تشهد الآن تراجعاً ملحوظاً لنفوذ الجيش في السياسة.

ومن المتوقع أن يكون لهذا السيناريو حظوظاً قوية، خصوصاً في حال تزايد الضغوط داخل الجيش لتسليم السلطة للمدنيين، بالتزامن مع انقسام القوى المدنية، بين إسلامية وعلمانية، وحزبية وشبابية، ومحافظة وثورية.. إلخ، وهو ما يسمح للجيش الذي تواجد منذ بداية مشهد الثورة إلى أن يكون له بصمة قوية في "هندسة المرحلة  التالية" لتكون أقل ثورية وأكثر محافظة وخصوصاً فيما يتعلق بالتوجهات الخارجية للبلاد.

الثالث: إعادة صياغة العلاقة بين العسكري والمدني على أسس جديدة: وذلك من خلال المتخصصين، أو من خلال حوار مجتمعي، حول الدور المنشود من الجيش، والمؤهلات المطلوبة للقيام بدوره العسكري باحترافية ومهنية بعيداً عن السياسة.

وهذا السيناريو يتطلب شجاعة من الباحثين وقبولاً عاماً في أوساط الجيش، وتآزراً بين القوى الشعبية والشبابية والسياسية. وبالرغم من الحاجة الملحة لإجراء مراجعة جذرية حول الدور السياسي للجيش بما يمنعنا من ولوج ستين عاماً أخرى الاستبداد السياسي وإشغال الجيش عن دوره الحقيقي الذي ينتظره منه شعبه، إلا أن أن التآزر بين مكونات المجتمع المصري من جهة وبينها وبين الجيش المصري من جهة أخرى يحولان دون إتمام هذا السيناريو..

فهل يتوقف الجميع عن خرق سفينة الثورة أو الوصاية عليها من أجل تبني أجندات حقيقية تهم الشعب والجيش وبناء سيناريوهات مرغوبة لكل القضايا الجوهرية؟. عند الإجابة على هذا السؤال قد نجد اختلافات كبيرة، إلا أن تجربة الثورة شطبت كلمة "المستحيل" بالعمل والتفاؤل والتآزر.. وهي أمور ما زلنا نحتاجها لعبور الثورة إلى بر التغيير الجذري.