رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

العلاقات المصرية- الصينية تنطلق إلى المستقبل

ظلت العلاقات الصينية- المصرية طوال الأربعين عاما الماضية تقريبا علاقات تقليدية طيبة، تستمد من رصيد الماضي أكثر مما تستشرف المستقبل. والحقيقة أن رصيد هذه العلاقات ثري ومتنوع،

فمصر هي أول دولة في الشرق أقامت تبادلا دبلوماسيا مع الصين في العصر الحديث كان مع مصر، والذي يؤرخ له بالعام 1928، ثم افتتاح الصين أول قنصلية لها في منطقة الشرق الأوسط في القاهرة في أول سبتمبر عام 1935. ومصر أيضا هي أول دولة عربية وأفريقية اعترفت بالصين الجديدة (جمهورية الصين الشعبية) في الثلاثين من يونيو عام 1956، كما كانت القاهرة أول محطة في المنطقة العربية وأفريقيا لرئيس مجلس الدولة الصيني الراحل تشو أن لاي في ديسمبر عام 1963. وعندما قررت الصين سحبت سفراءها في العواصم العربية خلال فترة الثورة الثقافية بها (1966-1976) استثنت القاهرة من هذا القرار. ومصر هي أول دولة نامية وقعت الصين معها اتفاق شراكة استراتيجية، في عام 1999. وخلال مرحلة التحول السياسي التي شهدتها مصر خلال السنوات الأربع الماضية أكدت الصين مرارا، قولا وفعلا، احترامها لإرادة الشعب المصري ورفضها أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية لمصر. ولم تتراجع الاستثمارات الصينية في مصر، فخلال تلك الفترة التي شهدت اضطرابات داخلية، افتتح عدد من المشروعات الصينية وفق الجداول الزمنية التي كانت مقررة لها سلفا. 
وعلى الجانب الثقافي والتعليمي، احتضنت مصر أول تبادل ثقافي للصين مع الدول العربية والإسلامية عندما استقبلت جامعة الأزهر أول بعثة من الطلاب الصينيين المسلمين في العشرين من ديسمبر عام 1931، والتي ضمت علماء حملوا لواء نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية في ربوع الصين طوال القرن العشرين، من بينهم محمد مكين ما جيان مؤسس قسم اللغة العربية في جامعة بكين. وكان التبادل الثقافي متقدما على العلاقات الدبلوماسية، فقد أبرم البلدان في مايو 1955 أول اتفاقية تعاون ثقافي بينهما، ليبدأ تبادل الوفود الثقافية التي لم تتوقف بين البلدين. ومصر هي أول دولة في أفريقيا والشرق الأوسط افتتحت قسما لتدريس اللغة الصينية في جامعاتها، في جامعة عين شمس عام 1958، والصين أقامت في عام 2002 أول مركز ثقافي لها في أفريقيا والشرق الأوسط بالقاهرة، التي يوجد بها أيضا المقر الإقليمي للشرق الأوسط لكل من وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) ومجلة ((الصين اليوم)) والعديد من وسائل الإعلام الصينية المرئية والمسموعة والمقروءة، كما أن مصر هي أول دولة عربية انفتحت إعلاميا على الصين عندما أقامت مكتبا لوكالة أنباء الشرق الأوسط في بكين في عام 1996.
على صعيد التبادلات الاقتصادية والتجارية، ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 2ر12 مليون دولار أمريكي في عام 1954 إلى 452 مليون دولار أمريكي عام 1995 إلى أكثر من عشرة مليارات دولار أمريكي في عام 2013، وبلع خلال خلال الفترة من يناير حتى سبتمبر 2014 ما يقرب من تسعة مليارات دولار أمريكي، أي أنه تضاعف نحو ألف مرة خلال الستين عاما الماضية. كما وصل حجم الاستثمارات الصينية في مصر إلى خمسمائة مليون دولار أمريكي، ويعد التعاون المصري- الصيني في المنطقة الاقتصادية بشمال غرب خليج السويس نموذجا واعدا للتعاون الاستثماري بين البلدين.
ومع شروع مصر في تحديث اقتصادها وتعزيز علاقاتها الخارجية مع مختلف القوى الكبرى في العالم، ومع إعلان الصين في عام 2013 عن مبادرة "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" وتدشين مصر في أغسطس 2014 مشروع تنمية محور قناة السويس فإن هناك آفاقاً واعدة للعلاقات الاقتصادية بين البلدين. والحقيقة أن هناك ارتباطا قد لا يكون ظاهرا بين المشروعين، ذلك أن مصر، وتحديدا قناة السويس، هي نقطة التقاء طريقي الحرير البري والبحري، وتنفيذ مشروع "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين" والذي قررت بكين دعمه بأربعين مليار دولار أمريكي، يدعم نجاح مشروع تطوير محور القناة الذي يعد رافدا محوريا للمشروع الصيني، فقناة السويس هي الجسر الذي يربط طريقي الحرير البري والبحري بكل من أوروبا وأفريقيا وصولا إلى الأمريكتين. وتعد قناة السويس شريانا حيويا للتجارة الصينية، حيث يمثل حجم التجارة الصينية العابرة لقناة السويس أكثر من عشرة في المائة من حجم التجارة الدولية العابرة للقناة، ومن ثم فإن هناك علاقة تكاملية وتبادلية بين نجاح تنمية محور قناة السويس ونمو الاقتصاد الصيني.
على صعيد السياسة الخارجية، تتمسك كل من مصر والصين بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، والسعي إلى حل النزاعات عبر الطرق السلمية والدعوة إلى إقامة نظام سياسي واقتصادي دولي عادل ونزيه، يكون للدول النامية صوت مسموع فيه. وقد تجلت هذه السياسة في مواقف كل منهما تجاه الآخر في مختلف المحافل الدولية، وخاصة في ملفات حقوق الإنسان والنزاعات الإقليمية والدولية وإصلاح مجلس الأمن للأمم المتحدة وغيرها.
وبينما تؤكد مصر دائما على موقفها الثابت بوجود دولة واحدة للصين هي جمهورية الصين الشعبية، فإن الصين تبنت موقفا مؤيدا لمصر وللشعب المصري في اختياراته خلال السنوات الأربع الماضية، وأعلنت مرارا رفضها أي تدخل خارجي في الشأن الداخلي المصري.
ويجمع بين الصين ومصر العديد من أطر التعاون على المستوى الثنائي، ويشمل ذلك المعاهدات والاتفاقات وبرامج التعاون الثنائية، وعلى المستوى الإقليمي من خلال العضوية في منتديات تعاون ابرزها منتدى التعاون الصيني- الأفريقي الذي تاسس سنة 2000، ومنتدى التعاون الصيني- العربي الذي أنشئ عام 2004، وعلى المستوى الدولي من خلال المنظمات والاتفاقات والمنتديات الدولية.  
العرض السابق يؤكد أن العلاقات الصينية- المصرية تقوم على أسس ومبادئ ثابتة يحرص الجانبان على الالتزام بها، ولكنها أيضا علاقات محصورة في إطار تقليدي لم تحاول الخروج منه خلال العقود الأربعة الماضية، ولعل هذا يفسر بطء الحركة في ملفات عديدة مشتركة بين الجانبين، ومن أمثلة ذلك مشروع منطقة التعاون المصري- الصيني في خليج السويس، فهذه المنطقة لم يتم الانتهاء من تطويرها حتى الآن بعد مرور نحو خمس عشرة سنة منذ أن تم الاتفاق على إنشائها في عام 1999؛ كما يفسر الخلل البيّن في ميزان التبادل التجاري الذي يميل

بشدة لصالح الصين، والضعف النسبي للاستثمارات الصينية في مصر، وانخفاظ التدفق السياحي المتبادل بين البلدين، ناهيك عن الفجوة المعرفية لدى الشعبين الصيني والمصري تجاه بعضهما البعض.
تواجه الصين ومصر في المرحلة الحالية تحديات ومهاماً تكاد تكون متشابهة وأحيانا متماسة، يشمل ذلك تحديات اجتماعية واقتصادية وأمنية وثقافية وسياسية. وبشكل أكثر تفصيلا، فإن البلدين وبرغم تباين موقعهما على سلم التنمية الاقتصادية، يواجهان قضايا تنموية متشابهة إلى حد كبير، ومنها التأثيرات الاجتماعية لعملية الإصلاح الاقتصادي وتفاوت الدخل بين الأفراد والمناطق والحاجة إلى إعادة النظر في توزيع عوائد التنمية لتكون أكثر عدالة، وتعديل نمط التنمية التقليدي. وقد شرع البلدان في اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه، فالصين توجه ثقل تنميتها إلى المناطق الغربية الأقل تنمية وتتخذ إجراءات لحماية الفئات الاجتماعية الضعيفة وتشن حملة ضارية على الفساد لا تستثني أحدا، وأدخلت إصلاحات جوهرية على منظومة العدالة القضائية بكافة درجاتها. ومصر اتخذت إجراءات صعبة ولكنها ضرورية في قضية الدعم الحكومي للوقود والغذاء ودشنت سلسلة من المشروعات الكبرى التي تخدم المناطق التي ظلت محرومة من التنمية لسنوات، ومنها مشروع المثلث الذهبي الذي يستفيد منه صعيد مصر، إضافة إلى مشروع محور تنمية قناة السويس ومشروع تنمية الساحل الشمالي الغربي والمركز اللوجيستي العالمي للحبوب والغلال في ميناء دمياط. هذا إضافة إلى مشروع إنشاء شبكة جديدة من الطرق ستضاعف طول شبكة الطرق الموجودة حاليا، وغيرها من المشروعات التي توفر المزيد من فرص العمل للشباب وتعزز التنمية الاجتماعية للمناطق التي تقام فيها وتجذب المزيد من الاستثمارات الخارجية. ولا شك أن الصين، في ظل استرتيجية "التوجه للخارج" الاستثمارية التي تنتهجها يمكن أن تكون شريكا فاعلا وقويا في هذه المشروعات المصرية.
    من ناحية أخرى، تواجه الصين ومصر تحديات أمنية تكاد تكون متشابهة، فالبلدان يواجهان أعمالا إرهابية بأساليب تكاد تكون متطابقة، وإن كانت كثافتها في مصر أعلى. هذه التحديات تتطلب من البلدين تعاونا أوثق لتبادل المعلومات والخبرات. وأتصور أن البلدين قد دخلا بالفعل في هذا التعاون، فعندما زار السيد منغ جيان تشو، المبعوث الخاص للرئيس شي جين بينغ، مصر التقى مع وزير الداخلية المصري محمد إبراهيم وبحث معه التعاون الأمني بين البلدين، فمصر لديها خبرة طويلة في مكافحة الإرهاب، بينما تتمتع الصين بقدرة عالية في مجال أمن المعلومات ومكافحة جرائم الإنترنت بكافة أنواعها.  
على الصعيد الثقافي، يواجه البلدان مهمة الحفاظ على الهوية الثقافية لكل منهما، في ظل مشروعات الغزو الثقافي الغربي المدعومة بالتقدم الهائل في وسائط الاتصال والتواصل. يؤكد البلدان في مناسبات عديدة على الخصوصية الثقافية لكل أمة، وهذا خيط مشترك يجمعهما في التصدي لمحاولات طمس الهويات القومية للشعوب.
هناك مجالات واسعة لعلاقات أوسع في مجالات مختلفة، تعليمية وعسكرية ورياضية وفنية، الخ، والأجواء مهيئة تماما للانطلاق نحو المستقبل. وقد أعرب دبلوماسيون وباحثون صينيون، في حوارات جمعتني بهم، عن تفاؤلهم الكبير بالمستقبل في مصر ورغبة واستعداد الصين للارتقاء بالعلاقات مع مصر إلى مستوى أعلى في كافة المجالات. على الجانب المصري، بدت بعض الإرهاصات التي تشير إلى بداية تحول في طريقة تفكير الإدارة المصرية والابتعاد قليلا عن الدائرة الغربية التي ظلت حبيسة لها سنوات طويلة. من هذه الإرهاصات أن مجلس الوزراء المصري أنشأ وحدة خاصة داخله باسم "وحدة الصين" يقودها رئيس مجلس الوزراء إبراهيم محلب وتشرف عليها وزيرة التعاون الدولي نجلاء الأهواني. وقبيل الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الصين يومي الثالث والعشرين والرابع والعشرين من ديسمبر 2014، قام وفد مصري رفيع المستوى ضم وزراء التجارة والصناعة، والنقل، والكهرباء، والتعاون الدولي، بزيارة إلى الصين في الثامن من ديسمبر، للترتيب للزيارة. إضافة إلى أن دعوة الصين الرئيس المصري لزيارتها حملها مبعوث خاص من الرئيس الصيني للرئيس المصري، ما يكشف عن تقدير خاص من القيادة الصينية لمصر.
كل ذلك يجعلنا نقول إن العلاقات الصينية- المصرية ينبغي أن تتجه نحو المستقبل، مدعومة برصيد ماضيها الكبير ومتطلعة إلى آفاق تعاون أرحب.