رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أخرجوا الرؤوس من تحت الرمال

بينما كنت أزور قريتي عقب إعلان نتائج المرحلة الأولى لانتخابات الرئاسة المصرية 2012، اقتربت من فلاح مشمر عن ساعديه ورجليه في حقل الأرز ويجر الطين ليمتن به حدود الحقل، فرحب بي، وهو منكفأ على فأسه، وسألني عن أحوال أهل مصر (القاهرة)، فأجبته بسؤال: كيف ترى أنت الأحوال؟

كان ميدان التحرير آنذاك مكتظا بالمعترضين على نتيجة الانتخابات، وكان من بين الحشود السيد حمدين صباحي والسيد عبد المنعم أبو الفتوح، حيث اشتعلت المطالبة بإخراج السيد أحمد شفيق من السباق فيدخل السيد صباحي السباق محله، حسب قانون العزل، باعتبار ما كان، أو أن يتنازل السيد محمد مرسي فيدخل السيد صباحي السباق، أو، وشر البلية ما يضحك، أن يكون السيد صباحي مرشحا ثالثا في جولة الإعادة، أو تشكيل مجلس رئاسي يضم مرشحي الرئاسة باستثناء الفلول (السيد أحمد شفيق والسيد عمرو موسى). كانت فكرة عبثية يرددها من يسمون أنفسهم بالنخبة. قال لي الفلاح الفصيح: "هل ينفع يا أستاذ أن واحدا ساقطا يبقى رئيس؟" قلت: "بالعقل لا يجوز." رد: "طيب إيه اللي بيحصل في التحرير ده؟". عبر الرجل بكلماته البسيطة عما يجهد فيه أنفسهم فقهاء القانون والمستشارون الأجلاء (كلهم فقهاء وأجلاء!). بعد حين، استقر في عقول (النخبة السياسية) أن مقترحاتهم باطلة قانونيا وشعبيا، بل ومضحكة. بعد أن حدث ذلك، سعى القادة السياسيون الذي يدعي كل منهم أنه يعبر عن إرادة الشعب، كل الشعب ومن بينهم كاتب هذه السطور، برغم أني لم أمنح أحدا تفويضا ليتحدث باسمي، سعوا جميعا إلى الالتفاف خلف السيد مرسي، باعتباره مرشح الثورة، في مواجهة مرشح الفلول السيد شفيق، ولكن الالتفاف لم يكن مطلقا وغير مشروط، وإنما تم فيه الترتيب لأن تشارك كافة القوى الوطنية (ولا تسأل كيف حصلت على لقب الوطنية)، تشارك في تقاسم السلطة حتى لا تنفرد بها جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة. وبدا للمواطن العادي أن هناك اتفاقا، بل وتحدثت تقارير عن "محاصصة" في المناصب الحكومية بحيث لا تزيد حصة جماعة الإخوان فيها عن ثلاثين في المائة. في حديثه إلى قناة العربية بعد فوز محمد مرسي بالرئاسة، نفى السيد محمود عزت، نائب المرشد العام للجماعة أن يكون قد تم اتفاق على هذه الحصة.
والحقيقة التي لا تعترف بها القوى السياسية (الوطنية) أنها تدفن رؤوسها في الرمال. أي منطق وأي سابقة وأي عقل يقول إن رئيسا منتخبا وإن جماعة تملك الأغلبية في البرلمان (المنحل، أو شبه المنحل) وفي مجلس الشوري (القائم) يمكن أن تتخلى عن مسؤولية حمّلها لها الشعب؟ لقد اختار أبناء مصر الذين منحوا صوتهم للسيد مرسي انتخابه

على أساس برنامج النهضة الذي تقدم به للشعب في انتخابات الرئاسة، وبرنامج النهضة ليس من صنع أحد غير جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة، ومن يملك ويقدر على تطبيق البرنامج هم رجال الجماعة، وربما البعض من نسائها. كيف يمكن أن يطالب أحد الرئيس المنتخب بإرادة شعبية أن يقبل بإرادة القوى (الوطنية) التي ثبت بالدليل الفعلي أنها لا تمثل إلا نفسها! إن أحد مرشحي الرئاسة لم يحصل على عدد أصوات في الصناديق تتناسب مع الثلاثين ألف توكيل التي قدمها لقبوله مرشحا، ومع ذلك يتحدث دائما بصيغة (نحن)؟
لقد تعهد حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان بتحمل المسؤولية، وهم يمثلون الأغلبية، حتى إشعار آخر، فلنترك لهم المسؤولية يتصرفون فيها كيفما شاءوا، فإن رأوا أن يستعينوا بأهل الخبرة من غير المنتمين للجماعة تنظيميما أو فكريا، فذاك اختيارهم، وإن رأوا أن لديهم الخبرات والكفاءات الكافية، وأنهم لها وحدهم دون غيرهم، فلا بأس، ولنتابعهم ونراقبهم ونقيم أداءهم. أما أن تزاحمهم القوى (الوطنية) التي تدعي أنها تمثل الوطن بغير دليل، فذلك افتئات ما ينبغي أن يكون.
ينبغي على القوى الوطنية- الوطنية حقا- أن تراقب أداء حكومة الإخوان وتقيم هذا الأداء، وحتى نكون موضوعيين في التقييم، يجب منح الحكومة الإخوانية سنة كاملة، ونقارن إنجازاتها أو إخفاقاتها مع ما حققته حكومة الرئيس السابق حسني مبارك، الذي خلعه الشعب، في السنة الأولى له بالحكم، من أكتوبر 1981 حتى أكتوبر 1982، مع وضع في الاعتبار الظروف الداخلية والخارجية التي جاءت فيها الحكومتان، حتى يشعر الشعب بأن ثورته حققت له بعضا من طموحاته التي ضحى من أحلها بكل غال ونفيس، أو أن شيئا لم يتبدل.
حان الوقت لتخرج الرؤوس من الرمال لترى الواقع وتتعامل معه بصدق وشفافية.