رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

انتخابات في الصين!

في ظل ما تشهده المنطقة العربية من أحداث، ربما لم ينتبه كثير من العرب إلى أن الصين تجري فيها انتخابات. أو لعل الأذن العربية، وبالتأكيد الغربية، لم تألف أن تسمع كلمة انتخابات قادمة من ناحية الصين، والسبب في ذلك هو وسائل الإعلام التي تنقل من أخبار الصين إلى المتلقي العربي إما أخبار الكوراث الطبيعية والأحداث المحزنة أو مشاهد التقدم الاقتصادي الذي يقفز قفزا، أو الغرائب والعجائب.

على أي حال، الذي حدث هو أنه منذ شهر يوليو للسنة الحادية عشرة بعد الألف الثانية للميلاد، تُجرى في الصين انتخابات مجالس الشعب المحلية على مستوى المحافظات والبلدات، وهي انتخابات تجرى كل خمس سنوات، وفقا لدستور جمهورية الصين الشعبية الذي ينص على أن كل مواطن صيني جاوز عمره ثماني عشرة سنة له حق التصويت وأن يُنتخَب، بغض النظر عن أصله العرقي، جنسه، سلالته، وظيفته، خلفية عائلته، دينه، تعليمه، ثروته، ومدة إقامته، باستثناء المحرومين من الحقوق السياسية وفقا للقانون. وسوف تكتمل انتخابات مجالس نواب الشعب على مستوى الأحياء والمحافظات والبلدات في ست وعشرين مقاطعة ومنطقة ذاتية الحكم وبلدية بالصين في نهاية هذه السنة، 2012، ليتم تشكيل أكثر من ألفي مجلس نواب شعب على مستوى المحافظة وأكثر من ثلاثين ألف مجلس نواب شعب على مستوى البلدة، ويبلغ عدد النواب على المستويين أكثر من مليوني نائب، وفقا لتصريحات أدلى بها خه يي هوي، نائب أمين عام اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب، الذي قال أيضا إن الأوضاع في المقاطعات والمناطق الذاتية الحكم والبلديات التي أجريت فيها الانتخابات، تشير إلى أن قانون الانتخاب يتم تطبيقه جيدا، مع احترام حق المواطنين في المعلومات والمشاركة والتعبير والمراقبة، وضمان حقهم في التصويت.
حسب قانون الانتخاب، ينبغي أن يسجل الناخب اسمه في الدائرة الانتخابية التي يتبعها إما محل إقامته أو محل عمله، ثم تقوم اللجان الانتخابية بالتأكد من أهليته وتصدر له بطاقة انتخابية. ومن أجل ضمان تسجيل كل من لهم حق التصويت تبادر اللجان الانتخابية بالتوجه إلى التجمعات السكنية وأماكن العمل لتسجيل الناخبين. وتقيم اللجان الانتخابية مراكز تسجيل وتستخدم وسائط اتصال متنوعة لتشجيع الناخبين على التسجيل. ويتم أيضا تدريب مجموعات من المتطوعين للتوجه إلى بيوت الناخبين لتسجيلهم.
وبالنسبة للمغترب الذين يعيش ويعمل بعيداً عن مسقط رأسه، يمكنه أن يدلي بصوته حيث يقيم أو يعمل بعد الحصول على تصريح بذلك من محل إقامته الدائم. وتساعد اللجان الانتخابية المغتربين في الاتصال بالدوائر الانتخابية في مسقط رأس كل واحد منهم للتأكد من أهليته. ومن أدلى من المغتربين بصوته في مكان إقامته وعمله المؤقت في انتخابات سابقة، لا يحتاج إلى التحقق من أهليته مرة أخرى.
في الثامن من نوفمبر 2011، أدلى أهل بكين بأصواتهم لاختيار ممثليهم في مجالس نواب الشعب على مستوى الأحياء والمحافظات والبلدات. وحسب الإحصاءات الرسمية من السلطات الصينية، أدلى أكثر من تسعة ملايين فرد في بكين بأصواتهم، بنسبة 97% من إجمالي عدد الناخبين في العاصمة الصينية، التي وصل عدد سكانها المقيمين إقامة دائمة إلى 612ر91 مليون نسمة في سنة 2010 (وفقا لمصلحة الإحصاء ببكين).
حسب الدستور الصيني، ينتخب الناخبون انتخاباً مباشراً أعضاء المجالس الشعبية المحلية الأدنى من مستوى المقاطعة وما يماثلها في التقسيم الإداري للبلاد (المنطقة الذاتية الحكم والمدن التابعة مباشرة للحكومة المركزية)،وهذا ما يسمى بالانتخاب المباشر. أما أعضاء مجلس نواب الشعب الصيني، وهو السلطة التشريعية الأعلى في الصين، وأعضاء المجالس الشعبية على مستوى المقاطعة وما يماثلها في التقسيم الإداري للدولة، فيتم انتخابهم انتخابا غير مباشر، عن طريق أعضاء مجلس نواب الشعب للمستوى الإداري الأدنى. بمعنى أن أعضاء مجالس نواب الشعب على مستوى المقاطعة وما يماثلها في التقسيم الإداري للدولة يتم انتخابهم بواسطة مجالس نواب الشعب المحلي الأدنى، بينما يتولى أعضاء مجالس نواب الشعب على مستوى المقاطعة وما يماثلها في التقسيم الإداري للدولة انتخاب أعضاء المجلس التشريعي للبلاد (المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني)، وهذا ما يسمى بالانتخاب غير المباشر.
في شهر مارس سنة 2010، بدأ تطبيق قانون الانتخاب المعدل لجمهورية الصين الشعبية، الذي أعطى تمثيلا متساوياً في الأجهزة التشريعية لسكان المناطق الحضرية والريفية. قبل تعديل القانون، كان النائب في المناطق الريفية يمثل أربعة أضعاف عدد المواطنين الذين يمثلهم النائب في المنطقة الحضرية.
تسمية المرشحين
حسب قانون الانتخاب، يمكن ترشيح نواب المجالس الشعبية بطريقة فردية أو جماعية. بمعنى أن الفرد يمكن أن يرشح نفسه مستقلا، أو أن يقوم بترشيحه حزب سياسي (الصين بها ثمانية أحزاب ديمقراطية إضافة إلى الحزب الشيوعي الصيني) أو منظمة أهلية مثل اتحادات العمال واتحادات المرأة وعصبة الشبيبة الشيوعية. وأي مجموعة تضم أكثر من عشرة ناخبين يحق لها أن تسمي مرشحاً. وليست هناك قيود على عدد من يرشحون بشكل أولي. بعد تسمية المرشحين أوليا، يختار الناخبون في الدائرة الانتخابية المعنية المرشحين النهائيين، أي القائمة القصيرة لمرشحي تلك الدائرة. وعلى سبيل المثال فإن عدد الناخبين في دائرة تجمع سوتشو السكني في حي دونغتشنغ ببكين يبلغ 3263، وقد تقدم للترشيح سبعة مرشحين، ولكن ثلاثة فقط منهم دخلوا قائمة الانتخاب النهائية، وفقا للقواعد الانتخابية، حسبما ذكرت مجلة ((Beijing Review)) الأسبوعية الصينية في عددها الصادر بتاريخ 21 نوفمبر 2011. قام باختيار القائمة القصيرة لهذا التجمع السكني مجموعة مناقشة نظمتها اللجنة الانتخابية. بعد النقاش انسحب مرشحان لأنهما يمثلان نفس الهيئات والمنظات التي يمثلها اثنان آخران. بعد ذلك، عقد ممثلو السكان اجتماعا اختاروا فيه ثلاثة مرشحين نهائيين من الخمسة مرشحين الباقين. لم يحضر المرشحون الاجتماعات بأنفسهم، وإنما حضرها نيابة عنهم مندوبون مهمة كل منهم إطلاع ممثلي السكان على إنجازات المرشح الذي ينوب عنه ودوافعه للترشح. وقد تم التصويت في مجموعة المناقشة برفع الأيدي، ثم تم إعلان المرشحين النهائيين بعد إحصاء عدد الأيادي المرفوعة لصالح كل مرشح.
قبل موعد الاقتراع بأسبوع، نظم مركز خدمات تجمع باجياو السكني في حي شيجينغشان بغربي بكين لقاء مباشرا بين الناخبين ومرشحي التجمع السكني للمجلس الشعبي على مستوى الحي. حضر هذا اللقاء مراسلون صينيون وأجانب، وشارك في اللقاء، كمراقبين، سكان من أحياء بكين الأخرى.
ويطالب قانون الانتخاب بنشر أسماء المرشحين لمجالس نواب الشعب على مستوى المحافظة والبلدة ومعلواتهم الأساسية، بما في ذلك عمر كل منهم وانتماؤه الحزبي ومستواه التعليمي ووظيفته قبل موعد الاقتراع بسبعة أيام.
في تعديل سنة 2010 لقانون الانتخاب، تم النص على أن الناخب يحق له طلب مقابلة المرشحين في دائرته الانتخابية، وأن اللجنة الانتخابية عليها ترتيب هذه اللقاءات حتى يمكن للمرشحين أن يقدموا أنفسهم ويردوا على أسئلة الناخبين.
وقد نقلت مجلة ((Beijing Review)) من اللقاء المشار إليه أعلاه، سؤالا وجهه أحد الناخبين لأحد المرشحين قال فيه: "تجمعنا السكني شديد القذارة، فما الذي ستفعله إذا فزت في الانتخابات؟" وقد جاء رد المرشح، غير مختلف عن إجابة أي مرشح في أي مكان في العالم: "أعلم أن هذا التجمع السكني قديم ولا تتولى إدارته أي شركة إدارة عقارية، ولهذا فإن أمر تحسين نظافته يرجع إلى مكتب إدارته وإلى سكانه. إذا تم اختياري سأغير بيئة

التجمع خلال خمس سنوات."
في الخامس عشر من نوفمبر 2011، أعلنت مصلحة الانتخاب في بكين النتائج الأولية للانتخابات التي أجريت في العاصمة الصينية قبل أسبوع، وقد جاء فيها، أن تسعة ملايين ومائة ألف ناخب من بين تسعة ملايين وثلاثمائة وسبعين ألف ناخب مسجل أدلوا بأصواتهم، بنسبة بلغت 97%. وقد انتخبوا أربعة آلاف وثلاثمائة وتسعة وأربعين نائبا ونائبة للمجالس الشعبية لست عشرة محافظة وحياً، وتسعة آلاف وتسعمائة وواحد وثلاثين نائبا ونائبة للمجالس الشعبية على مستوى البلدة. وقد حصل أربعة وخمسون من المهاجرين  على مقاعد في المجالس الشعبية على مستوى المحافظة- الحي، كما أربعة مهاجرين على مقاعد في المجالس الشعبية على مستوى البلدة. المقصود بالمهاجرين هنا هو العمال الفلاحون الذين نزحوا إلى المدن للعمل بها.
ديمقراطية ذات خصائص صينية
ديمقراطية كلمة يونانية مكونة من شقين، الأول هو "ديموس"، ويعني الشعب، أي عامة الناس، والثاني هو "كراتيا"، أي الحكم. وبذلك فإن الديمقراطية تعني حكم الشعب. وجاء في ترجمات المعاجم للديمقراطية أنها شكل من أشكال الحكم تكون السلطة العليا فيه للشعب، يمارسها بشكل مباشر أو من خلال نواب منتخبين انتخابا حرا. ولكن دلالات مصطلح الديمقراطية ليست بالضرورة واحدة لكل الناس. وإذا كانت اللغة العربية قد نقلت مصطلح الديمقراطية من الأصل الإغريقي نقلا صوتيا يكاد يكون تاماً، فإن الترجمة الصينية لكلمة ديمقراطية هي "مينتشو"، وهي كلمة من مقطعين وتعني حرفيا "الناس هم السادة". وبالطبع هذا ليس مفهوما متوارثا في الثقافة أوالفلسفة السياسية الصينية. ويرى البعض أن الديمقراطية، بأصلها اليوناني وتطبيقاتها الغربية تتناقض مع الأيديولوجية الكونفوشية التي تؤكد على التناغم والطاعة. كان الكاتب الصيني ليانغ تشي تشاو هو أول من أدخل مصطلح الديمقراطية إلى الصين. وقد شارك في سنة 1895 في احتجاجات ببكين للمطالبة بمشاركة أوسع للشعب الصيني في الحكم. وقد ترجم السيد ليانغ إلى الصينية مؤلفات الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز، والمفكر جان جاك روسو، وجون ولوك، ودافيد هوم، وبنثام وغيرهم من الفلاسفة الغربيين.
عندما ظهرت الحركة الشيوعية في الصين، تبنت الديمقراطية، وقد وصف ماو تسي تونغ ورفاقه حركة "رابع مايو" بأنها "ثورة ديمقراطية جديدة". كان ماو تسي تونغ يؤمن بأن الدولة ينبغي أن تستفيد من قوة الشعب لتصبح دولة قوية، وأن القوانين التي يتم فرضها من أعلى لا يمكن أبدا أن تحظى بتأييد الشعب. وقد اعتُبرت "الثورة الثقافية"، في أحد جوانبها محاولة لتحقيق "الديمقراطية الكبرى" دفعة واحدة، وفقا لرؤية ماو تسي تونغ. وعندما تولى دنغ شياو بينغ السلطة في أواخر سبعينات القرن العشرين، دعا إلى نوع من الديمقراطية، حددها بقوله: إن التنافس ينبغي أن يقام في ساحة محددة بأربعة خطوط هي الاشتراكية، وديكتاتورية البروليتاريا، والجمع بين الماركسية اللينية، وماركسية ماو، وقيادة الحزب. واعتبر السيد دنغ أن العقبة الرئيسية أمام الديمقراطية ليست في داخل الحزب الشيوعي الصيني وإنما هي "الثقافة الإقطاعية" للصينيين أنفسهم. ورأى أن هذه الثقافة لا يمكن تغييرها بثورة وإنما بالتعليم التدريجي بإرشاد من سلطة قوية. 
وفي كلمة استمرت ساعتين ونصف قبل المؤتمر الوطني السابع عشر للحزب الشيوعي الصيني سنة 2007، استخدم الرئيس الصيني هو جين تاو كلمة "الديمقراطية" ستين مرة. وفي ذلك الوقت، نشرت وكالة أنباء ((شينخوا)) الصينية تقريرا جاء فيه: "إن الصين تواصل تطوير ديمقراطية ذات خصائص صينية تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني." ومن أبرز المعالم الحالية للديمقراطية ذات الخصائص الصينية، الانتخابات المباشرة للمجالس الشعبية على المستويات القاعدية، أي المحافظات والبلدات، والانتخابات غير المباشرة للمجالس الشعبية على المستويات الأعلى من ذلك. وتعليقا على ذلك قال جورج يو، وزير خارجية سنغافورة، "الصين تُجَرِب الديمقراطية على المستويات الأدنى لأن الديمقراطية آلية تدقيق مفيدة لمواجهة إساءة استخدام السلطة. في حين يتم اختيار القادة على مستوى المدن والمقاطعات بعد مناقشة آراء الزملاء والمرؤوسين."
رشاوى وبلطجة إنتخابية
الحقيقة أنه طالما هناك انتخابات فلابد أن تكون هناك محاولات للتأثير على آراء الناخبين. والرشوة أحد وسائل التأثير على الناخبين. وقد ذكرت صحيفة "تشينا ديلي" الصينية التي تصدر بالإنجليزية في الثاني والعشرين من شهر يونيو سنة 2010، ما يلي: "انتشرت الرشوة في الانتخابات القاعدية لفروع الحزب (الشيوعي) وأجهزة الحكم الذاتي للقرويين في مقاطعة هاينان بجنوبي الصين. وقد بلغ سعر الصوت الانتخابي رقما قياسيا؛ 1200 يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر6 يوانات). وأضافت الصحيفة ما يلي: "الأكثر من ذلك أنه في بعض الحالات، استخدم بلطجية محليون وعصابات مسلحة العنف لإجبار الناخبين على التصويت لمرشح بعينه." ودخل على الخط المنجمون، الذين قالوا لبعض القرويين إنهم إن لم يصوتوا لصالح من اختارتهم السماء، ستقع المصائب على رؤوس عائلاتهم!
ألا تظن أن ما يحدث في انتخابات الصين قد لا يكون بعيدا عما تراه في الانتخابات في بلدك؟!