عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

حتى لا يدخل التاريخ من لا يستحق

عندما أشرقت شمس يوم 23 يوليو عام 1952 لم يكن الشعب المصرى يعلم من هو قائد الانقلاب ضد الملك «المفدى» واختار تنظيم الضباط الأحرار اللواء محمد نجيب، رئيساً للتنظيم، الذى حاصر القصور الملكية بدباباته العتيقة الموروثة من مخلفات الحرب العالمية الثانية، والتى تفضلت بها بريطانيا المنتصرة على الجيش المصرى وكان الملك حكيماً وتنازل عن عرشه إلى ولى عهده حقناً للدماء خاصة أن شطراً كبيراً من الجيش كان مازال على ولائه للملك.

وغادر الملك مصر لآخر مرة إلى بلد المنفى الاختيارى الذى اغتيل فيه فيما بعد وقام تنظيم الضباط الأحرار بعزل اللواء محمد نجيب ووضعه قيد الإقامة الجبرية بقصر السيدة زينب الوكيل ــ حتى مات فى محبسه ــ عزل محمد نجيب لأنه طالب الضباط الأحرار بالعودة إلى ثكنات الجيش وارتفع سقف طموحات الضباط الأحرار فقاموا بإلغاء الملكية ووافقوا على منح الاستقلال للسودان فى مقابل عدم الاعتراض من الجانب السودانى على عزل اللواء محمد نجيب الذى كانت تجرى فى عروقه دماء مصرية سودانية.
لم يتساءل أحد كيف قامت ثورة فى مصر وهناك قاعدة بريطانية تبعد 80 كيلو متراً من القاهرة؟!
كيف عبرت القوات المصرية إلى سيناء عبر القاعدة البريطانية فى منطقة القناة لمحاربة اسرائيل ما لم يكن هذا فخاً لهذه القوات؟
يتحدث مايلز كوبلاند فى كتابه لعبة الامم (الأمريكى الجنسية ويعمل مندوباً للمخابرات المركزية فى مصر) عن علاقته مع تنظيم الضباط الأحرار ومع جمال عبدالناصر خاصة. لم يكن انقلاب 23 يوليو لينجح لولا أن هناك تنسيقاً بين أمريكا وإنجلترا على ألا تتدخل الأخيرة فى الأحداث، وذلك لتصفية الحسابات القديمة، حيث إن الملك فاروق كان يأمل فى انتصار قوات المحور على الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية، ولما لم تأت الرياح بما تشتهى السفن وانتصر الحلفاء فقد نمت فكرة محاولة استدراج الجيش المصرى الذى لم يشترك فى الحرب العالمية الثانية إلى حرب فلسطين عام 1948 وذلك بعد ثلاث سنوات من انتهاء الحرب العالمية الثانية ولإلحاق هزيمة نكراء به والقيام بانقلاب ضد الملك عند عودة هذه القوات التى تشعر بمرارة الهزيمة إلى أرض الوطن، وذلك تأديباً للملك على موقفه إبان الحرب العالمية الثانية.
إن تنظيم الضباط الأحرار الذى كان متحالفاً من جماعة الإخوان المسلمين خططا سوياّ لحادثة ميدان المنشية بالاسكندرية لإكساب عبدالناصر الزعامة والتميز الذين لم يكن قد اكتسبهم بعد ولعل التاريخ سوف يذكر أن المحاكمات التى تمت للقائمين على حادثة ميدان المنشية والتى قيل وقتها لجماعة الإخوان أنها سوف تكون صورية (مثل محاكمة نظام مبارك الجارية حالياً) خاصة انه لم تقع خسائر بشرية تستوجب تصفية التى تمت للذين شاركوا فى هذه الحادثة إلا إذا كان المطلوب اعدامهم لاسكاتهم إلى الأبد.
عندما اكتسب جمال عبدالناصر البريق المطلوب لكى يتولى قيادة الانقلاب الذى سمى بعد ذلك بالثورة. هذا الانقلاب لم يكن يكتب له النجاح إلا بتأييد الشعب له ــ وعصفت الثورة بالديمقراطية التى كانت قد بدأت طور النضوج وأصبح من العسير على قادة الانقلاب العودة إلى ثكناتهم، حيث إن بريق السلطة قد كان أعمى أبصارهم وتحمل شعب مصر الصابر الطيب مرارة الانفراد بالسلطة والتخبط السياسى وتجرع مرارة الهزيمة فى 1956 ومرة أخرى فى 1967، إن حركة الضباط الأحرار التى تحالفت مع الإخوان المسلمين هى التى طاردت هذه الجماعة وألقت بها فى السجون وتفننت فى استخدام أبشع أساليب التعذيب ضدهم، فإذا بحليف الأمس هو جلاد اليوم للإخوان المسلمين.
إن الشعب المصرى لا يأمن على نفسه أو ثورته من مثل هذه التحالفات المشبوهة بين المجلس الأعلى مثل للقوات المسلحة وتنظيم الإخوان المسلمين مثل هذه التحالفات ثبت فى الماضى، عدم نجاحها وأن شعب مصر هو الضمان الحقيقى لنجاح أى ثورة. إن تأييد شعب مصر لانقلاب 23 يوليو عام 1952 هو الذى أكسب هذا الانقلاب الشرعية، وأطلق على هذا الانقلاب أسماء عديدة منها «الحركة المباركة» ــ هذا اللقب ليس نسبة للرئيس المخلوع مبارك ــ أن ثورة شعب مصر فى 25 يناير 2011 هى ثورة شعبية خالصة، هى ثورة على كل الأخطاء، هى ثورة على كل الهزائم، هى ثورة على الفساد الذى تراكم لعقود وعقود. هذه الثورة لا تحتاج إلى تأييد من أحد ولا حماية من أى جهة وكما أيدت جموع شعب مصر ثورة الجيش عام 1952 فقد آن للجيش أن يؤيد ثورة الشعب بعد ستين سنة من المعاناة فقد منح الشعب الجيش تفويضاً لحكم البلاد لستة عقود وقد آن للشعب أن يسترد هذا التفويض وأن يسترد حريته وكرامته هذا إلا إذا كان الجيش يعتبر

نفسه أعلى من الشعب وأعلى من الدستور.
إن إعلان التنحى الذى أعلنه نائب رئيس الجمهورية السيد عمر سليمان كان بمثابة استمرار للتعالى والغرور والتكبر الذى عامل به مبارك الشعب. كما أن التنحى لصالح المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يكن دستورياً فى ظل وجود نائباً لرئيس الجمهورية الذى لم يخرجه والآخر على الشعب بخطاب استقالة حتى تاريخه وبفرض أن ذلك تم فإن الإجراء الدستورى السليم هو تفويض السيد رئيس المحكمة الدستورية فى إدارة شئون الحكم أما وأن النظام السابق برمته لا يأمن أن يستمر السيد رئيس المحكمة الدستورية العليا الحالى هو الآخر فى منصبه باعتباره أحد رجال النظام السابق، والذى كان يتوقع منه الاستقالة الطوعية هو وآخرين فى السلطة القضائية وهو ما لم يتم.
إن كل هذه التفاصيل بالإضافة إلى نزول قوات الحرس الجمهورى فى بداية الثورة كان نذيراً لبدء مواجهة دموية بين الشعب وجيش الرئيس المخلوع إلا أن سحب قوات الحرس الجمهورى واستبدالها بقوات الجيش كان ذلك علامه على صراع قد جرى خلف الكواليس وتم إخفاؤه عن الشعب هذا الصراع لو كان أعلن فى وقته لارتفعت أرصدة المجلس الأعلى للقوات المسلحة والمشير.
هناك تساؤلات كثيرة دارت فى الشارع المصرى لم تجد إجابة مثل محاولة اغتيال عمر سليمان من قام بها ولماذا لم يتم التحقيق فيها؟ من الذى أشار على المجلس الأعلى للقوات المسلحة باختيار اللجنة التى أشرفت على وضع التعديل الدستورى الذى تم الاستفاء عليه؟
هل هو فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب الساقط، ومهندس المؤامرة الدستورية التى تمت لاستدراج الشعب لهذا المأزق والتى اضطر المجلس العسكرى إلى محاولة تصحيحها من خلال البيان الدستورى الذى صدر بعد ذلك وليست له أى علاقة بالاستفتاء الذى تم وكلف الدولة ملايين وكان الأجدر به عمل دستور محترم متكامل فى خلال فترة وجيزة بدلاً من الاستفتاء الذى تم كان يجب أن يكون استفتاء على دستور متكامل وليس تعديلاً ثم ترقيع هذا التعديل.
إن عجز العسكر عن فهم عقلية المدنيين وإن كانوا قد أظهروا قدراً كبيراً من ضبط النفس فى مقابل جموع الشعب التى فى حقيقة الأمر يعتبرونها مجرد قطعان أغنام عالية الغثاء أى (مأمأة) والتى فرضت الظروف عليهم أن يتعاملوا معها.
إن ما حدث فى ميدان التحرير من مواجهة بين منصة الإخوان المسلمين وجموع الشعب قد يكون مجرد بروفة لما سوف تكون عليه العلاقة بين الأغلبية التى حصلت على مقاعد مجلس الشعب وباقى الشعب.
وليكن معلوما للجميع أن التاريخ سوف يقف مراقباً للأحداث وأن من سوف يفرط فى هذا الوطن يهدر ثورته التى يجب أن تتطور لتصبح جرعة الحرية والثقة للشعب المصرى لبدء برنامج النهضة التى يأمل الشعب فيها وأن من سوف يكون مسئولاً عن إهدار هذه الفرصة التاريخية لتصحيح ما حدث فى خلال الستين سنة الماضية سوف تلعنه الاجيال القادمة وانه سوف يكون. مذموماً مدحوراً.
إن الطريق إلى الله لا تحتكره فئة تبيع صكوك الغفران للشعب لشراء المغفرة لذنب لم يقترفه الشعب على سبيل «إحنا آسفين يا...».
--------
مساعد رئيس حزب الوفد