رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إدارة الحكمة والقيادة الحكيمة

ظهرت بعض الكتابات في السنين الماضية على شكل مقالات علمية  تدعو إلى الربط بين إدارة الحكمة وإدارة المعرفة من أجل تحقيق النجاح التنظيمي، والحكمة الإدارية تعني أن تصبح المنظمة مصدراً قيمياً، لذلك تريد المنظمات الوصول إلى الذاكرة الاجتماعية والثقافية والتنظيمية من خلال الممارسات التنظيمية والاجتماعات والعلاقة طويلة الأجل مع الموظفين، ولكن هذه الكتابات التي صدرت عن مؤسسات أكاديمية عريقة لم تستطع أن ترتقي إلى مستوى وضع المعايير لتطبيق الإدارة الحكيمة في العمل المؤسسي، ولذلك أسعى من خلال هذه الورقة إلى تحديد بعض المعايير التي يمكن قياسها وأتوقع أن يكون منها إضافة علمية جدية في عالم إدارة الأعمال.

فالحكمة هي عصارة التجارب الحياتية وإفراز للحوادث والنوازل وإلهام بعد تفكير وتدبر للأمور، وهي نتيجة قناعة راسخة، وهي نظر في المآل واستخلاص للعاقبة بعد استشراف للمستقبل ومعرفة للمقصد.
قال أيوب عليه السلام: "وأما الحكمة فأين توجد؟ والفطنة أين مقرها؟ لا يعرفُ الإنسان قيمتها".
قال الإمام علي كرم الله وجهه: "إن الحكمة هي ضالة المؤمن، فخذوا الحكمة ولو من أهل النفاق".
بالحكمة نطق سلمان الفارسي رضي الله عنه حين قال: "ثلاث أفزعتني وأضحكتني: مؤمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس يُغفل عنه، وضاحك ملء فيه ولا يدري أساخط ربه".
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال: "اللهم علمه الحكمة" [رواه البخاري].
قال عيسى عليه السلام: "إن الحكمة هي نورُ كلّ قلب".
قال أرسطو: "الحكمة رأس العلوم والأدب والفن، هي تلقيح الأفهام ونتائج الأذهان".
قال أفلاطون: "الفضائل الأربع هي الحكمة، العدالة، الشجاعة، الاعتدال" وقال أيضا: "نحن مجانين إذا لم نستطع أن نفكر، ومتعصبون إذا لم نرد أن نفكر، وعبيد إذا لم نجرؤ أن نفكر"
قال هيغل: "الحكمة هي أعلى المراتب التي يمكن أن يصل إليها الإنسان فبعد أن تكتمل المعرفة ويصل التاريخ إلى قمته تحصل الحكمة، وبالتالي فالحكيم أعلى شأنًا من الفيلسوف، والحكمة هي المرحلة التالية والأخيرة بعد الفلسفة. إنها ذروة الذرى وغاية الغايات وهنيئًا لمن يتوصل إلى الحكمة والرزانة.
سُئل سقراط: "لماذا أنت أحكم حكماء اليونان؟ فقال: ربما لأنني الرجل الوحيد الذي يعترف أنه لا يعرف.
يقول أ. د. عبد الكريم بكار في مقال له بعنوان: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً :
إذا كنا نختلف على تعريف الحكمة فإنه سيظل بالإمكان تحليلها إلى العناصر المكوّنة لها، وهي على ما يبدو لي ثلاثة: الذكاء، والمعرفة، والإرادة؛ فالذكاء اللماح، والمعرفة الواسعة، والإرادة الصُلبة تكوّن معاً: (الحكمة) وعلى مقدار كمال هذه العناصر يكون كمالها. ولذلك يمكن استنتاج أن المؤسسة التي تهتم بالنظم الذكية و بإدارة المعرفة ولديها قيادة إستراتيجية هي مؤسسات حكيمة.
وبالتالي يمكن من هذا المنظور بناء مقترح لمنظمة حكيمة تتمثل فيها الموصفات التالية:
1. الذكاء: والمنظمة باعتبارها ذات شخصية معنوية يجب أن يتمثل في عنصر أساسي ينم عن الذكاء المؤسسي وهو ما عرف حديثا بالذكاء الصناعي، بمعنى أن المنظمة يفترض في توظيف الأنظمة الذكية في كافة أنشطتها سواء إدارية أو خدمية أو إنتاجية وعلى كافة الأصعدة.
2. المعرفة: وهي هنا ذات شقين العلم والخبرة، والمنظمة العالمة يتحصل لديها العلم من خلال الاستعانة بالخبراء في مجال الإدارة والصناعة التي تشغلها المنظمة، أي أن العلم بالتعلم. أما الخبرة فهي تكتسب من خلال الممارسة العملية، ولا يوجد قاعدة تحدد العمر الزمني لاعتبار المنظمة ذات خبرة عريقة في مجال الصناعة أو حتى الإدارة إلا من خلال الجمع بين أمرين هما:
• أن تكون المنظمة طويلة العمر مقارنه مع منافسيها في مجال الصناعة.
• أن تكون المنظمة ذات وضع مستقر لسنوات طويلة بالنسبة لمنافسيها.
في هذا الحالة إذا اجتمع هذان الأمران فإنه يمكن اعتبار المنظمة منظمة معرفية تمتلك

عنصري العلم والخبرة.
3. الإرادة: وتتكون إرادة المنظمة من خلال إدارتها الإستراتيجية ووضوح رؤيتها ورسالتها وأهدافها الإستراتيجية القصيرة والمتوسطة والطويلة المدى، ووجود هذا وحده لا يكفى، بل يجب أن نراجع نتائج التقييم الإستراتيجي للمنظمة للتأكيد على أنها تنتقل من وضع ومركز إلى وضع ومركز آخر أفضل من السابق والنظر في طريقة معالجتها للأزمات والمشكلات التي مرت بها للتأكد من أن المنظمة قد التزمت بالقيم الأخلاقية والمسئولية الاجتماعية تجاه موظفيها وعملائها.
الذكاء بمفرده لا يجعل الإنسان حكيماً؛ دون قاعدة جيدة من العلم والخبرة ينتج فروضاً ومعرفة (شكلية)، وكما أن المعرفة دون ذكاء تجعل استفادة صاحبها منها محدودة، وتجعل وظيفته مجرد الحفظ والنقل، دون التمكن من غربلة المعرفة أو الإضافة إليها. والأهم من هذا وذاك: أن المعرفة دون ذكاء تؤخر ولادة الموقف الحكيم، وتجعل الواحد منا يأتي بعد الحدث بسبب ضعف البداهة.
وكما لا يكفي الذكاء اللمّاح، ولا الخبرة الواسعة في جعل الإنسان حكيماً ما لم يمتلك قوة الإرادة؛ لأن الإرادة القوية وحدها هي التي تجعلنا ننصاع لأمر الخبرة، وهي التي تنتج سلوكاً يختفي فيه الفارق بين النظرية والتطبيق، وهو السلوك الحكيم.
والذكاء في حق الإنسان موهبة من الله - تبارك وتعالى - والمعرفة الواسعة كسب شخصي مبني على العلم والخبرة، والإرادة القوية الملتزمة بالخلق الكريم والمسئولية الاجتماعية؛ هي التي تحدّد العتبة والسقف المطلوبين للعيش بكرامة في المجتمع على مستوى الإرادة، وعلى مستوى القدرة، فالمجتمع لا يمنح القدرة، لكنه يمنح أفراده إرادة الفعل من خلال نماذجه الراقية، ومن خلال المراتب الاجتماعية التي يصوغها تأسيساً على الاستجابة لأوامره.
وما سبق يمكن إسقاطه على بيئة الأعمال، فكما أن توظيف التكنولوجيا الذكية في منظمة الأعمال لا يجعل المنظمة حكيمة، دون أن تمتلك الأساس العلمي والخبرة اللازمة، وكذلك المعرفة المؤسسية دون أنظمة ذكية تجعل استفادة المنظمة من المعرفة محدوداً، وتقتصر وظيفة الأنظمة الذكية على الحفظ والاستدعاء دون التمكن من فلترة هذه المعرفة أو إعادة إنتاجها في صورة جديدة تخدم المنظمة.
ولا يمكن اعتبار المنظمة التي تمتلك الذكاء الصناعي وإدارة المعرفة منظمة حكيمة، ما لم تمتلك الرؤية الإستراتيجية وتشهد لها سيرتها التنظيمية على بناء صرحها من النجاحات المتتابعة والمواقف المميزة والالتزام العالي بالقيم الأخلاقية والمسئولية الاجتماعية.
عند توفر هذه العناصر الثلاثة (الذكاء الصناعي أو الأنظمة الذكية، والمعرفة المبنية على العلم والخبرة، والرؤية الإستراتيجية المتوارثة) عندها يمكن اعتبار المنظمة منظمة حكيمة منتجة للقيم.

-------

بقلم: حسام رمضان أحمد

باحث فلسطيني في مجال الإدارة