أيام سوداء لا أعادها الله!
كنت أراقب بعقلى وبصرى وسمعى الحالة التي أصبحت عليها مصر فى أعقاب سقوط النظام المصرى السابق فى يناير 2011 لأنتهى إلى تسميتها بحالة حادة من «لين نظام الدولة وتفكك مفاصلها» مما كان يضحك البعض من الأصدقاء!،
لكننى لم أكن أقصد التنكيت والتظرف بقدر ما كنت على إحساس حقيقى بما يعنيه الوصف، فلا شك أنه قد هالنى أن كل شىء وأى شىء قد أصبح مرشحاً للسقوط والتدهور، بل أفلت كل شىء من عقاله، وانفلتت أخلاقيات الناس منطلقة إلى أبعاد وآفاق يفرض فيها العنف وحده السطوة المطلقة بلا حدود!، وكأن اتفاقاً عاماً قد وقعه الجميع مفاده «أن لكل شخص أن يفعل ما يريد، فى الوقت الذى يراه!، وبالأدوات التى يملكها، فى حق من يشاء، ودونما خشية من عقاب أو حساب»، ولم يكن هذا الشعار أو الاتفاق تخيلاً بقدر ما كان يعبر عن أن مصر قد أصبحت «سداح مداح»، بما يعنى سقوط الدولة بعد سقوط السلطات وغيابها!، وكنت أراقب ـ مثلاً ـ كيف تتمدد أحجام الناس وتتورم ذواتهم إذا استشعروا أن بمقدورهم البطش ببعضهم!، وكم شاهدت شباناً على شاشة التليفزيون يتحدثون بأسلوب حكام دانت لهم مقدرات البلاد!، وهم فى طور التعليم الثانوى أو الجامعى على أكثر التقديرات تفاؤلاً واجتهاداً!، وفى جلسات ثرثرة تستضيف عينات منهم ويقدمون أنفسهم فى خيلاء، واضحة أنهم أعضاء فى «التراس».. كذا، أو رئاسات رابطة ثورية انبثقت فجأة!، الى غير ذلك مما كان يضحكنى من الأعماق وأنا أتابع من استضافوا أمثال هؤلاء يسألونهم عن آرائهم فى شتى شئون لا مصر وحدها بل وسائر دول ما سمى بالربيع العربى!، أما الشبان الضيوف فإن أحداً منهم لا يعتذر عن إجابة!، ولا يتعلل بعجز عن مناقشة ما لم يعاصره من أحداث!، بل كل منهم ينتعش وهو يتفضل بما لديه، بل بقيت فى ذاكرتى حتى اليوم مشاهد من تلك الأيام السوداء!، يوم أن وصفت مجموعة من الشبان لافتة على باب مجمع التحرير المغلق سائر أبوابه لتقول اللافتة المجمع مغلق بأمر الثوار»!، وقد أراد واحد من
والحمد لله أن الأيام السوداء التى شهدت هذه المحنة المصرية العامة قد ولت الى غير رجعة!، فسلطات الدولة تسترد عافيتها فترمم عظامها وتلم شعث مفاصلها المفككة!، وقدآن لكل أن يعرف حدوده، واحترام حدود الآخرين. كما آن الأوان لأن ينفض سامر الكيانات الوهمية التى انتشرت بادعاء الرعاية والوصاية على كل شأن فى مصر!، بل لشد ما أتمنى أن تغلق الشقق التى تدعى بلافتات أنها مقار أحزاب سياسية!، وأن يتوارى بعض أفراد الأسرة الإعلامية بالتوقف عن الإلحاح على أنهم ينتسبون بالمصاهرة للحكومة أو أصحاب النفوذ، بل هناك الكثير مما يملأ حياتنا صخباً وضوضاء دون مقتضى!، وبات علينا أن نلحق هذا بما اعتدنا على التخلص منه.