حياة المثقف فى مقهى «ريش»
أيام أن كانت الصعلكة فى شوارع القاهرة التى كان يطلق عليها إجمالا «صرة البلد» نزهة حقيقية بعد وصول المعتادين عليها يوميا بالمواصلات العادية أو «التاكسى» فى أحسن الأحوال، كان مقهى «ريش» هو مأوى الاستراحة والتقاط الأنفاس بعضوية مفتوحة فى تجمع عرف التآلف الدافئ بين أعضائه، ولم أكن غير واحد من هؤلاء الذين كان المقهى يضمهم ويأكلون ويشربون فى وصلات استرخاء بأقل التكاليف،
وقد وصف الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم هذا المشهد اليومى فى قصيدة شهيرة مطلعها.. يعيش المثقف فى مقهى «ريش» يعيش يعيش يعيش، وأنشد الشاعر الراحل نجيب سرور قصيدته الساخرة «بروتوكولات حكماء ريش» التى استعرض فيها أنواع من كانوا يسكنون مقهى «ريش» من الصباح الباكر وحتى منتصف الليل، ومما أود تأكيده أن «ريش» قد شهد طوابير من كل الذين راودتهم أحلام الكتابة وتأليف الشعر وتجارب الفن التشكيلى، وعرفت بعض أركان المقهى نجوم الثقافة والأدب ممن كان ناشئة الثقافة والأدب يتحلقون حولهم، وكان النجوم لا يبخلون على هؤلاء بكثير من المعارف والطرائف والشعر القديم والنكات الساخرة لا مانع، وقد كان لأركان النجوم فى «ريش» الفضل فى أننا تعلمنا من هؤلاء الكثير، وقد شمل طابور النجوم أديب نوبل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وأمل دنقل وفتحى سعيد ويحيى الطاهر عبدالله وإبراهيم أصلان وصلاح جاهين وثروت أباظة ونجيب سرور وكمال الملاخ وبهاء طاهر، وهؤلاء فقط هم الذين تسعفنى الذاكرة بأسمائهم، ولعل البعض يغفر لى ما خانتنى به الذاكرة من أسماء.
وكان مقهى «ريش» يشهد الكثير من النقاش المحتدم والعراك الذى يصل بعضه إلى التشابك بالأيدى، فمازلت أتذكر كيف لم يرق ليوسف إدريس رأى للناقد الكبير الراحل فاروق عبدالقادر، فراح يعنف ناقده بعنف، ثم تطور الأمر إلى تبادل