رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

وفاة صاحب الصوت الروائى الرخيم

كنت كلما قرأت شيئا مما سطره محمد ناجى أتساءل بينى وبين نفسى عما إذا كان أحد من صناع الدراما التليفزيونية والسينمائية قد قرأ شيئا لمحمد ناجى!،  وهؤلاء فى جمهرتهم يصدعون الرؤوس دوما بأن يبحثوا عن موضوعات وأفكار تحظى بعبقرياتهم الاخراجية والانتاجية لنراها - قبل صاحبها - ماثلة أمامنا على الشاشة الصغيرة أو الكبيرة!، ولكننى كنت دائما أقرب للاجابة السهلة على تسولى لاجابة عند هؤلاء!، وكانت الاجابة السهلة تقول لى: يا أخى.. وما الذى تنتظره لأدب محمد ناجى عند هؤلاء!، فلما طرحت سؤالى على ناقد معتبر يتحف الجميع بمقال أسبوعى لا يخلو بعضه من الحديث عن انتاجات أدبية لآخرين وأخريات كانت اجابة الناقد المعتبر: أنت تحدثنى عن كاتب تعالى على الجميع منذ بدأ!، وكانت اجابة الناقد صادمة!، مما جعل ردى عليه صادما كذلك.. صحيح أن محمد ناجى قد تفرغ للكتابة فقط.. ومن تلتقى بهم يعرفون الطريق إليك. وناجى لا يعرف حتى الآن أين تلتقى بهم وتجد الوقت لقراءة ما يكتبون!.

ويعرف الجميع أن محمد ناجى قد رحل عن الجميع والدنيا كلها بعد معركة باسلة مع المرض الذى أصبح أسطورة مصرية وهو ينهش أكباد آلاف المصريين، وأن محمد ناجى قد ابتلى بهذا المرض الذى راح ينهش فى كبده، وهو الموهوب صاحب الصوت الروائى الرخيم الذى لم يجد لعلاجه سوى رحمة السماء التى تلطفت به حتى الرحيل بعد أن طرح علينا بعضا من فيض سرده الروائى، وبعد أن فزت بقراءة ثمرته المبكرة «خافية قمر» فكانت أول معرفة لى به، وكتبت عنه فبادر إلى الاتصال بى يشكرنى على قراءتى لخافية قمر ووصفه لهذه القراءة بالعمق، واعترفت له بأنه كاتب «ثقيل» لا يرضى بأقل من الاحتشاد لقراءة ما يكتب، وامتد الحديث بيننا حتى توصل إلى اعتراف له بأن عند الدولة «الخيار والفاقوس» فى انتقائها لمن تعالج فى الخارج أو الداخل. حتى انتهت المكالمة ونحن على موعد لنلتقى فألهانى إلحاح المرض عليه وتدابير شئون علاجه!، وألهتنى أنا الآخر بعض من هموم الحياة والأمراض التى تداهم رجلا مثلى شاء الله له طول الأجل حتى الآن!.
وعندما قضي ما قضاه من الوقت فى باريس لزراعة كبد جديد، وقبل أن يتم عملية الزراعة هذه، نعاه الناعى ليعود من غربته بادئا رحلته الطويلة والأخيرة، ولست آسفاً على رحيل محمد ناجى ولا الظروف التى تضافرت لتعاجله بالموت، إنما

يداخلنى الشعور بالحسرة على قيمة الاخلاص التى توفرت لدى محمد ناجى فلم يعرف غير الاخلاص لمشروعه الروائى!، ولم يكن عنده هذا الدأب الذى أينما حللت لأرى الأقل منه موهبة بل وإخلاصًا، تشهدهم المكاتب يرابطون فيها بحثا عمن يجد عندهم ما يريده ويناسبه فى زفة المسلسلات والأفلام!، فلم يكن الأدب عند محمد ناجى نشاطا للمواسم!، أو مواعيد مضروبة سلفا لملاحقة المطلوب لشهر رمضان المبارك أو غير رمضان!، بل بكيت محمد ناجى لذات الكتابة الطامعة فى التوجه إلى الدائرة الأوسع من القراء!، وكانت عند محمد ناجى الثقة الكاملة فى أن قراء الأدب المحترفين يعرفون السكة إلى أدبه، وهو لا يريد غير الظفر بمثل هذا النوع من القراء، ولعل هذا يفسر هذه العلاقة المفقودة بين محمد ناجى والدائرة الواسعة التى كان يستحقها من الاهتمام لولا شبكة العلاقات التى أصبحت تحكم ثقافتنا التى كتب عليها التعامل مع «وسائط» جعلت من القراءة والاطلاع والمعرفة عموما تأتى منها دون متعة القراءة وتعبها!، وهذه الوسائط - للأسف الشديد، قد أصبحت مغرية للصغير قبل الكبير!، ما جعل قراءة الأدب - وهو من روافد الثقافة العامة - ثقيلاً علي قلوب كثيرة وهذا الزمن الحالي هو الظرف الذي لا يهيئ لمحمد ناجى وأمثاله ما تهيأ من ظروف جعلت الابداع الأدبى الكبير يزدهر ويتوهج، وعندى أن محمد ناجى لو كان قد صادف الاحتفاء النقدى اللائق بقامته وقيمته، لما كان محمد ناجى فى حاجة إلى أى تعريف به اليوم للذين لم تصادفهم عشرة كتاباته!، فالأجراس العالية اليوم لا تدق للمخلصين من أمثاله!