بالونة الاختبار الأمريكية
عمد الرئيس الأمريكي «أوباما» إلي تجنب الحديث في خطابه مؤخرا عن شرعية الرئيس محمد مرسي وصندوق الانتخابات الذي جاء به رئيسا!، بل عمد إلي التنبيه بضرورة التوصل إلي صيغة ينتهي بها الصراع الدائر الذي يوشك أن يتحول بمصر إلي بؤرة قلقة تمتد بتداعيات مجريات أمورها الحالية لتنعكس
علي بلدان أخري في المنطقة!، ويعلم الرئيس الأمريكي بالطبع أن السلطة التي يركبها التيار الديني في مصر بزعامة «الإخوان المسلمين» لن يكون تخليهم عنها بالسهولة التي يتصورها البعض!، سواء كان هذا البعض في مصر أو خارجها، والدلائل كلها تشير إلي أن تاريخ 30 يونيه سوف يكون بداية لصراع ممتد غير سلمي من جانب الإخوان المسلمين بالتأكيد!، ولقد جاءت «الشرعية» التي خرجت حشودها لحمايتها - كما تدعي الجماعة وأشياعها - لتبرهن علي هذه الحماية - كما يفهمونها - لن تتأتي بغير قوة الأسلحة المتنوعة التي ظهرت في أيدي المدافعين عن الشرعية بعصيهم الطويلة وخوذاتهم في محيط مسجد رابعة العداوية!، والتي ضبط بعض من تشكيلات أسلحتها ونقل أفرادها في الطريق إلي محيط «حماية الشرعية» قبل أن تصل إلي حيث أريد لها الانضمام إلي الحشود التي سبقت إلي هناك!، وعلي طريقة «بالونات الاختبار» الأمريكية التي اعتادت الولايات المتحدة اطلاقها لتهيئة أجواء مناسبة للتعليق عليها والتدخل بشأنها، قصدت مصادر أمريكية تسريب خبر لقناة «سي. إن. إن» الإخبارية الأمريكية مفاده أن هناك جنودا من «المارينز» - مشاة الأسطول قوام قوتهم 200 جندي قد أصبحت في حالة تأهب قصوي في نقاط تمركزها بإسبانيا وإيطاليا!، متي اندلعت أعمال عنف قد تهدد مواطنيها في مصر!، وقد سبق هذا إجراء بسماح الولايات المتحدة لبعض موظفي السفارة الأمريكية في القاهرة وقنصليتها وعائلاتهم يوم الجمعة الماضي بمغادرة مصر!، ومن يربط بين هذا الإجراء الأمريكي وخبر قوة «المارينز» الجاهزة للعمل يعني أن الولايات المتحدة قد قصدت أن تؤكد أن اندلاع عنف جديد في مصر يمثل خطورة علي الرعايا الأمريكيين، وقد يكون هذا ذريعة للتدخل بهدف حماية وانقاذ رعاياها في مصر.
وبالونة الاختبار الأمريكية هذه قد لقيت صدي غير مريح في دوائر مصرية ربما لم تفهم «الرسالة الأمريكية» أو الطريقة المعتادة للأمريكيين في اطلاق «بالونات الاختبار».
ولكن الموقف الأمريكي قد يتعرض بين ساعة وأخري للتغيير!، حيث التطورات علي مسرح العمليات المصرية ما بين أغلبية شعبية رافضة، والجماعة التي لن تسلم أو تفرط بسهولة في السلطة التي ركبتها، ولا يعني تمسكها بالسلطة إلا تعبيرا واضحا عن أنها لا يمكنها تحمل مخاطرة المغامرة بأن تعود - وهذا مجرد احتمال - إلي المحابس!، أو التفريط في المكاسب التي هيأت لها أوضاعا لم تكن لها ولا في الأحلام!، وتعرف أمريكا أن إزاحة الجماعة من السلطة لن تكون عملية سهلة ولا «نظيفة»، وهي ترتب بهدوء لما يمكن للصراع أن يسفر عنه، ومصالحها أولا وأخيرا هي مفتاح حركتها في أي تجاه.