منين أجيب ناس!
لم تستطع مصر أن تتخلص من »الرغبة السامية« و»الإرادة السنية« و»التعليمات العليا« إلا بالثورة علي أصحابها من الديكتاتوريات التي حكمتها والاستبداد الفردي الذي انفرد بمقدرات البلاد دونما نظر إلي أي اعتبارات سلبية تحيط بمن يختارهم المستبد للعمل في المناصب العليا بدولة المستبد، وعندما نهضت مصر في الخمسينيات من القرن الماضي لتتخلص من الإرادات الملكية الفاسدة كان لابد من ثورة قام بها الجيش في 23 يوليو 1952 لتطيح بصاحب »الرغبات السامية« وتنهي حكمه الملكي لتصبح مصر جمهورية، وقد أيدت الجماهير الثورة أملاً في حياة سياسية ديمقراطية وعدالة اجتماعية وتكافؤ فرص ويكون الشخص المختار هو المناسب في المنصب المناسب ولكن سرعان ما خاب أمل الناس بعد أن تحول حكم ما بعد الملك إلي حكم فردي جمهوري اعتمد علي أهل الثقة أولاً وقبل أي كفاءة!، فلم يكن مفاجأة للناس بعد ذلك أن يكلل الحكم السلطوي ودولته البوليسية وإرادته المنفردة بعار هزيمة يونيو 1967 التي أنهت من الناحية العملية الثورة وزعامتها لتطوي الصفحة نهائياً!، وكانت المرحلة التالية من الحكم بزعامة السادات حافلة بالقلق والمفاجآت غير السارة والهبات الجماهيرية التي لم ينقذ نظام السادات منها إلا قيادته لحربنا المنتصرة الوحيدة علي إسرائيل في أكتوبر عام 1973، ولكن المناورات والتكتيكات السياسية التي اتبعها السادات لم تمهله توازناتها الخطيرة فكان أن دفع الثمن باغتياله في أكتوبر 1981، وكان الجناة في جريمة الاغتيال خلفاء السادات من التيار الديني الذي تصور السادات أنه يمكنه بالتحالف معه ضرب قوي اليسار التي لم يكن لديها ما تناهض به نظامه غير الأفكار المناوئة له!، في حين لم ينتبه السادات إلي الذين خططوا لاغتياله في وضح النهار وهو يحتفل بانتصار أكتوبر 1973!
حتي حلت علينا حقبة حكم حسني مبارك الرئيس السابق الذي جثم علي صدر البلاد لمدة ثلاثين عاماً لم تشبعه من خيرات الحكم ومغانمه فكان اعتزامه توريث نجله!، ولم تعرف البلاد قبل حكمه كم وطبيعة الفساد الذي حاق بالبلاد تكشف