زكريا محيي الدين
التقيت به لمرة واحد في بيته وقد ذهبت إليه بصحبة صديقه الحميم المثقف الكبير الراحل د. ثروت عكاشة، وكنت أتعشم أن أتفق معه علي إجراء حوار لجريدة «الشعب» لسان حزب العمل الاشتراكي قبل مغادرتها نهائيا والالتحاق بجريدة الوفد عام 1984،
وكنت قد عرفت الكثير عن زكريا محيي الدين، من د. ثروت عكاشة وكيف كان الزعيم الراحل جمال عبدالناصر يفهم جيدا قدرات الرجال وطاقاتهم الخلاقة في العمل، فأسند إلي زكريا محيي الدين - رحمه الله -ما يمكن أن أسميه إجمالا «تأمين الثورة» في بواكير سلطتها الوليدة، فلما تسلم زكريا هذه المهمة كانت الثورة في حاجة إلى تأمين داخلي لا تضمنه أجهزة وزارة الداخلية المصرية، فقد كان زكريا علي ثقة من أن للثورة أعداء في الجبهة الداخلية، خاصة بعض القوي السياسية التي تري أن الثورة تتناقض مع فكرها ومصالحها المباشرة!، وقد وقف زكريا محيي الدين علي أهمية أن تكون للداخلية مباحثها العامة التي تشمل مراقبة مختلف التحركات والأساليب التي يتوقع من القوي المضادة أن تلجأ اليها، وكان لابد من أن تجري عمليات اعتقالات للبعض علي سبيل تأمين الثورة في الداخل، وفي هذه الجلسة الوحيدة معه تبادل عكاشة مع صاحب البيت بعض الذكريات عن غضب ثروت عكاشة من اعتقال مستشاره د. لويس عوض بتهمة الشيوعية!، وكيف كان ثروت وقتذاك يعرف لويس عوض جيدا ويثق في أنه ليس شيوعيا مما جعله يلجأ إلي عبدالناصر للإفراج عن لويس عوض،
هذا وغيره مما تداولته ذكريات الرجلين الكبيرين عن إنشاء زكريا للمخابرات العامة المصرية، وقد جلست مستمعا فيما عدا بعض التعليقات تبدر مني بين حين وآخر، ولم يفارقني عشمي في موافقة زكريا محيي الدين علي إجراء الحوار لجريدة «الشعب» إلا بعد إصراره علي الاعتذار مفضلا الاستمرار في مقاطعته لأي حديث مع الصحافة، ولم يفلح د. ثروت عكاشة في إقناعه بغير ذلك حتي وهو ضامن لي!، وغادرناه وأنا آسف علي ضياع فرصة الحوار. رحم الله الجميع.