رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الحسين الزاوي يكتب : فرنسا والخليج العربي

الحسين الزاوي
الحسين الزاوي

 

تسعى فرنسا في عهد الاشتراكيين إلى إعادة صياغة سياستها الخارجية في المنطقة العربية بناءً على قواعد جديدة، بعد أن انهارت «سياستها العربية» التي دشنها شارل ديغول وأعاد إنعاشها جاك شيراك؛ فقد تخلت فرنسا في عهد ساركوزي وهولاند عن مواقفها الجريئة الداعمة للحقوق العربية، ودشنت حملة غير مسبوقة من أجل إحياء علاقاتها التاريخية مع «إسرائيل»، وهي تسعى في المرحلة الراهنة إلى التموقع مجدداً على الخريطة العربية انطلاقاً من البوابة الخليجية، مستغلة التراجع النسبي للسياسة الأمريكية في المنطقة.

 

لقد سبق لفرنسا أن لعبت دوراً متشدداً في المفاوضات الإيرانية مع مجموعة «5+1» وهي ترغب فيما يبدو في إعادة استثمار هذا الدور الجديد، بعد تصريحات وزير خارجيتها لوران فابيوس، التي أكد فيها ضرورة أن تخضع المواقع العسكرية الإيرانية للمراقبة الدولية أسوة بالمواقع النووية، في الوقت الذي تعلم فيه باريس أن طهران لن تقبل بمثل هذا الاقتراح الذي ترى أنه يمس سيادتها الوطنية وأمنها القومي، الأمر الذي من شأنه أن يعيد المفاوضات إلى نقطة الصفر ويقضي من ثمة على أجواء التفاؤل التي أشاعها الاتفاق المرحلي الذي تم التوصل إليه مؤخراً بعد جولات عديدة من المفاوضات الماراثونية والمضنية.

يصعب علينا في كل الأحوال أن نتصور أن فرنسا تقوم بهذا الدور الجديد في المنطقة العربية دون التنسيق مع حلفائها الغربيين وفي مقدمهم الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه من الواجب الاعتراف أنه إذا كان الدور الفرنسي الإيجابي الجديد في منطقة الخليج يخضع لمبدأ تبادل المنفعة واحترام المصالح المشتركة، فإن دورها الغامض والملتبس في الصراع العربي - الصهيوني بات يثير الكثير من التساؤلات حول طبيعة الاستراتيجية الفرنسية الجديدة التي بدأت تدافع بشكل متزايد عن مصالح قادة «تل أبيب». ويبدو أن تحركات باريس في المنطقة العربية باتت تخضع لمنطق المصالح وفي مقدمها المصلحة الاقتصادية التي قادتها إلى ربط علاقات وثيقة مع العديد من الدول الخليجية، وشكلت زيارة الرئيس الفرنسي هولاند للخليج وحضوره لمؤتمر دول مجلس التعاون، فرصة من أجل إبرام صفقات متنوعة في مجالات عدة.

 

وكان وزير الخارجية الفرنسية قد صرح أثناء الزيارة التي قادت الوفد الرئاسي الفرنسي إلى الخليج، أن باريس ناقشت مع الرياض 20 مشروعاً اقتصادياً بمليارات الدولارات، وترتبط هذه المشاريع باستثمارات متبادلة في مجالات عدة، مثل النقل والصحة والطيران المدني والطاقة والدفاع، كما وقعت فرنسا اتفاقاً مع قطر من أجل تزويدها ب 24 طائرة مقاتلة من طراز «رافال». ويجب التنويه هنا بأن الوفد الفرنسي، اعترف أثناء زيارته إلى الخليج أنه لم يتلقَ أي طلب سعودي أو خليجي يتعلق بزيادة الضغط على إيران بشأن ملفها النووي، لأن مصلحة باريس في هذه المرحلة تدفعها إلى لعب هذا الدور الصارم ربما اعتقاداً منها أن واشنطن في عهد الرئيس الأمريكي الحالي تبحث عن إنجاز دبلوماسي مع إيران بصرف النظر عن تداعياته المحتملة على دول المنطقة، ويمكننا أن نستبعد بناءً على ما سبق وجود

أي شكل من أشكال المقايضة ما بين العقود الفرنسية في الخليج وموقف باريس من الملف النووي الإيراني، من منطلق أن باريس تعمل منذ سنوات من أجل محاصرة وإضعاف النفوذ الإيراني في كل من سوريا ولبنان.

ويمكن القول في سياق متصل إن الحفاوة التي حظي بها هولاند في الخليج، تمثل رسالة مشفرة إلى الولايات المتحدة من طرف دول الخليج، تؤكد عزم دول مجلس التعاون على تنويع علاقاتها وتحالفاتها الاستراتيجية مع القوى الكبرى، من أجل صون وحماية أمن ومصالح دول المنطقة، وبخاصة أن العديد من القادة الخليجيين فضلوا تخفيض مستوى تمثيل دولهم في القمة التي جمعت زعماء الخليج مع الرئيس باراك أوباما في منتجع كامب ديفيد. ويجب الاعتراف في هذا المقام أن فرنسا دأبت في الآونة الأخيرة على تبنّي مواقف تتقاطع إلى حد بعيد مع أغلبية المواقف الخليجية المتعلقة بالمنطقة العربية لاسيما على مستوى زاوية النظر إلى الدور الإيراني في سوريا ولبنان، فقد كانت باريس تأمل في حدوث سقوط سريع لنظام بشار الأسد من أجل إعادة ترتيب أوراقها العربية، لكن الدور الأمريكي الغامض خلط الأوراق وأسهم في إفراز معادلة جديدة. ومما لا شك فيه أن فرنسا تعلم جيداً أنه ليس بإمكانها أن تعوِّض الدور الأمريكي في الخليج، لكنها تسعى فيما يبدو إلى محاولة ملء الخانات الفارغة من أجل المحافظة على الحد الأدنى من التوازن بين القوى الإقليمية المتصارعة.

كان بإمكاننا أن ننظر في الأخير إلى الدور الفرنسي في الخليج انطلاقاً من مقاربة أكثر إيجابية، لو أنها استندت في تفعيله إلى ميراث «سياستها العربية»، لكنه من المؤسف أن نلاحظ أن انعطاف السياسة الخارجية الفرنسية نحو «إسرائيل»، يدعو إلى الشك والريبة فيما يتعلق بمشاريعها المستقبلية في المنطقة العربية، فقد سبق لفرنسا أن لعبت دوراً في منتهى السوء في مرحلة الخمسينات من القرن الماضي فيما يتعلق بتسليح «تل أبيب» وتطوير برنامجها النووي.

نقلا عن صحيفة الخليج