رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

السيد يسين يكتب:التأويل الإرهابي للنصوص الإسلامية (2)

بوابة الوفد الإلكترونية

في حديثنا عن التأويل الإرهابي للنصوص الإسلامية (انظر مقالنا السابق في الحياة يوم 8 آذار - مارس 2015) حاولنا من خلال تحليلنا المنهجي لوثيقة «ترشيد العمل الجهادي» التي أصدرتها جماعة «الجهاد» المصرية كنوع من أنواع النقد الذاتي لسلوكها الإرهابي، أن نضع أيدينا على الملامح الرئيسية للإطار النظري للوثيقة.

واكتشفنا من التحليل أن الوثيقة - على رغم أنها صدرت للنقد الذاتي لجماعة «الجهاد» الإرهابية التي ارتكب أعضاؤها كثيراً من الجرائم - تتضمن نظرية متكاملة للتكفير، سواء في ذلك تكفير غير المسلمين الذين لم يؤمنوا بالإسلام بعد البعثة المحمدية، أو تكفير المسلمين أنفسهم لو كانوا حكاماً لأنهم لم يقيموا شرع الله، أو عوام المسلمين الذين لا يؤمنون بآرائهم.
ومن العجيب - لو حللنا بدقة الخطاب السياسي والإعلامي لقيادات وأعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية بعد سقوطها المدوي في مصر نظراً إلى فشلها السياسي - أن تصريحات قادة الجماعة من ناحية والإعلاميين الذين تصدروا الساحة التلفزيونية في القنوات التي تبث من تركيا من ناحية أخرى تقوم على أساس تكفير من قاموا بالثورة على حكم «الإخوان»، وفي مقدمهم الليبراليون والعلمانيون عموماً، وطبعاً في صدارتهم الرئيس عبدالفتاح السيسي، وتكفير كل من أيّد الأحداث الكبرى التي حدثت في مصر بعد 30 حزيران (يونيو) 2013. أما غلاة الدعاة من قادة الجماعة وأبرزهم الشيخ وجدي غنيم فلا يترددون دقيقة في تكفير الصليبيين (غير المسلمين) بل يضعون العلمانيين العرب أيضاً في خانة الكفار!
ويكفي أن غنيم في برنامج شهير له هاجم في شدة رئيس حركة «النهضة» التونسية الشيخ راشد الغنوشي لأنه بعد فوز الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بالانتخابات وجه إليه رسالة لتهنئته وفقاً لتقليد ديموقراطي أصيل. وقال موجهاً الحديث إلى الغنوشي: «كيف تهنئه وهو علماني كافر؟!». بل إنه تمادى وصرح بأنه يتبرأ من مجلس النواب «الإخواني» الوهمي الذي أنشأه بضع عشرات من «الإخوان المسلمين» في تركيا. وقال لهم: «سألغي اعترافي بكم لأنكم أرسلتم إلى الكفار في فرنسا بعد واقعة مجلة شارلي إيبدو تعزية» في ضحايا الإرهاب الذين وقعوا نتيجة إطلاق ثلاثة من الإسلاميين الرصاص عليهم.
وأياً ما كان الأمر، فإننا نرى أن نظرية التكفير التي تصدرت وثيقة الترشيد الجهادي - على رغم خطورتها - ليست بأهمية آلية التأويل الإرهابي للنصوص الإسلامية. وذلك لأن الآلية بذاتها، كما اكتشفنا من دراستنا الشاملة لكتابات النقد الذاتي لـ «لجماعة الإسلامية» على وجه التحديد، هي القياس الخاطئ والتأويل المنحرف.
وقد تبين لي من واقع أكثر من نموذج أن القياس الخاطئ في ذاته بالغ الخطورة، لأنه يقيس الحاضر على سلوك في الماضي حقيقياً كان أو متخيلاً مع أن الظروف الحضارية والسياسية في الماضي ليست هي الظروف السائدة في الحاضر.
وقد أتيح لي مرة أن أكتشف خطورة القياس الخاطئ في ندوة علمية نظمتها كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة قبل سنوات، وكان موضوعها تقويم الإنتاج العلمي لمشروع «أسلحة المعرفة» الذي خطط له وموّله قيادي إسلامي معروف هو طه جابر علواني، وهو عراقي أزهري عمل طويلاً في السعودية قبل أن ينشئ في الولايات المتحدة مركزاً للدراسات الإسلامية.
فقد قدم أحد أساتذة العلوم السياسية بحثاً في إطار هذا المشروع، والذي كان محوره «العلاقات الدولية في الإسلام» ذكر فيه أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يسمل عيون أعدائه ويحرق «نخيلهم»، وتساءل الباحث: «هل علينا في حروبنا أن نقلد الرسول أم لا؟». والسؤال - بغض النظر عن صدق الرواية - يمثل سذاجة مثيرة حقاً للاستغراب. ذلك أن لحروب الماضي أهدافاً ووسائل لا يمكن عقلاً إعادة إنتاجها في الحاضر!
ولنتأمل الخطاب الاستراتيجي المعاصر الذي يتحدث الآن ليس عن «الجيل الرابع من الحروب» فقط، بل عن «حروب الجيل الخامس» التي ستحدث في الأعوام المئة المقبلة!
وطالعت في كتابات النقد الذاتي لـ «الجماعة الإسلامية» فقرة بالغة الغرابة تتحدث عن أعضاء الجماعة من الإرهابيين في محاولة تبرير لماذا شاركوا في واقعة إرهابية شهيرة حدثت في الأقصر في مصر وقاموا فيها بذبح مجموعة من السياح، بذكره أن الرسول الكريم كان يستخدم آلة «المنجنيق» في

حرب أعدائه وهي آلة تقوم بإلقاء الطوب على الأعداء. وتساءلت عن العلاقة بين استخدام آلة «المنجنيق» وذبح السياح؟ أليس هذا قياساً خاطئاً، بل وظاهر الخطأ؟
غير أن الآلية الأخرى الشائعة هي التأويل المنحرف. ونقصد حرف المعاني في الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية عن مقاصدها الحقيقية كي تبرر القتل والعنف لمن يرى أعضاء الجماعة أنهم خصوم وأعداء يستحقون القتل.
والواقع أن تأويل النصوص في شكل عام يمثل مشكلة منهجية ونظرية في علم اللغة الحديث والفلسفة المعاصرة وفي العلم الاجتماعي على السواء. وهناك فرع فلسفي مختص في بحوث التأويل. والتأويل يتعرض للمقاصد الكبرى في النص وغاياته النهائية. غير أن إشكالية تأويل القرآن تأخذ معاني محددة وإن اختلف بصددها الفقهاء.
فقد درج العلماء المسلمون منذ القرن الرابع الهجري تقريباً (العاشر الميلادي) - باستثناء الشيعة وبعض المتصوفة - على تفضيل مصطلح «التفسير» على مصطلح «التأويل»، فصار شائعاً أن «التأويل» جنوح عن المقاصد والدلالات الموضوعية في القرآن ودخول في إثبات عقائد وأفكار، أو بالأحرى «ضلالات»، من خلال تحريف مقصود لدلالة المفردات والتراكيب القرآنية ومعانيها. (راجع محاضرة نصر حامد أبو زيد، «إشكالية تأويل القرآن قديماً وحديثاً»، منشورة في المجلة الإلكترونية السورية «معابر») وإن كان صحيحاً - كما يقرر أبو زيد – «أننا نجد عند جلال الدين السيوطي (القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي) تمييزاً دلالياً بين مصطلحي التفسير والتأويل يضعهما معاً على قدم المساواة، من حيث ارتباط كل منهما بالآخر، وحاجة المفسر - أو المؤول - إليهما معاً، وذلك على أساس أن التفسير هو شرح المعاني المفردة، في حين أن التأويل هو استنباط دلالة التراكيب بما تتضمنه من حذف وإضمار وتقديم وتأخير وكتابة واستعارة ومجاز إلخ».
والواقع أن الحديث عن تأويل النص القرآني مبحث يحتاج الخوض فيه إلى إعداد فقهي ولغوي وأكاديمي خاص لا ندعي توافره عندنا. لذلك، نخلص إلى أن فهم النصوص الجهادية التي ترد في خطابات الجماعات الإرهابية يحتاج إلى دراسات مختصّة لكشف الانحرافات في عملية التأويل.
غير أن المشكلة الحقيقية التي تقف دون قدرة المشايخ التقليديين عن القيام بالعملية الضرورية لتجديد الخطاب الديني حتى يواجه بفعالية الخطاب الإرهابي، هي أنهم بحكم تعليمهم العتيق يمارسون النقل من الكتب التراثية القديمة ولا يعملون العقل.
والدليل على ذلك أن كثيراً من الكتب المعاصرة التي ينشرونها الآن ليست إلا نقولاً حرفية من كتب التراث بكل ما فيها من خرافات ومرويات موضوعة وأفكار بالية تجاوزها الزمان. لذلك، لا بد من أن يشارك في هذه العملية التاريخية باحثون مؤهلون من اختصاصات مختلفة، إن أردنا حقاً أن نمارس تجديداً دينياً، طبقاً للمبدأ المعترف به وهو أنه لا كهانة في الدين الإسلامي!
نقلا عن صحيفة الحياة