رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عبدالحسين شعبان يكتب: الخشية مما بعد المنظمات الإرهابية

بوابة الوفد الإلكترونية

على الرغم من الخسائر التي مُني بها تنظيم "داعش" الإرهابي بفعل ضربات قوات التحالف الدولي، إلاّ أن محاولته في الظهور الإعلامي، بل وسعيه لسرقة الأضواء أحياناً ظلّت يسيل لها لعابه كجزء من حربه النفسية.

مؤخراً قام تنظيم "داعش" بأربعة أعمال إرهابية كبرى جعلت العالم كلّه مذهولاً وهي:
الأول في ليبيا التي امتدّت إليها يد التنظيم "الداعشي"، حيث تم قطع أعناق 21 مصريّاً، وتركت تلك الفعلة المشينة تداعيات وردود فعل مصرية- ليبية، وإذا كانت مصر موحّدة إزاء الخطر "الداعشي" وضرورة مواجهته، فإن ليبيا منقسمة عمودياً، خصوصاً مع انهيار الدولة، والتنازع على السلطة وأعمال العنف والإرهاب المتفشية في عموم مواقع البلاد .
الثاني في الأردن، حين أقدم على إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة بطريقة وحشية غير مألوفة، وأثارت هذه الحادثة ردود أفعال رسمية وشعبية، حيث قامت الطائرات الأردنية بالمشاركة في قصف بعض مواقع "داعش"، مؤكدة الدور الأردني الإقليمي في مواجهة التنظيم الإرهابي وفي حماية الأردن وشعبه وحدوده .
الثالث في سوريا حيث تم اختطاف أكثر من 100 مواطن من قبل "داعش" في محافظة الحسكة، وهؤلاء من المسيحيين الآشوريين، ولا يزال مصيرهم مجهولاً، مثل مصير المطرانين بولس اليازجي ويوحنّا إبراهيم، اللذين اختطفا في 22-4-،2013 علماً بأن حملة التطهير "الداعشية" شملت نحو 25 قرية في محافظة الحسكة .
الرابع في العراق حين قام "داعش" بتدمير متحف الموصل وعدد من الكنوز التاريخية والآثارية بما فيها تمثال للثور الآشوري المجنح الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع قبل الميلاد، كذلك دمّرت ثور مجنح آخر عند بوابة نركال الأثرية، ويعتبر هذا الثور رمزاً للحضارة الآشورية، وهو ما يذكّر بما قامت به طالبان في أفغانستان بتدمير تمثال بوذا العملاق في باميان في مارس/آذار عام 2001 .
وليس بعيداً عما نُسب إلى "داعش" وأخواتها ما حصل في باريس من ارتكاب مجزرة بقتل 12 صحفياً في حادث صحيفة "شارلي إيبدو"، أو في الهجوم على اجتماع في الدنمارك أو غير ذلك من الأعمال الإرهابية . ولعلّ الامتداد والتمدّد العالمي ل"داعش"، جعل أمر محاربتها بحاجة إلى جهود دولية، بما فيها تشكيل تحالف دولي .
حتى الآن صدرت ضد تنظيم "داعش" 4 قرارات دولية من مجلس الأمن وضمن الفصل السابع الخاص بالعقوبات، ابتداءً من القرار رقم 2170 في 15 أغسطس/آب 2014 والقاضي بمساعدة العراق للتصدي للإرهاب والعمل على منع تمويل الأعمال الإرهابية، ومروراً بالقرار رقم 2178 في 24 سبتمبر/أيلول 2014 الذي أكّد ضرورة التعاون لمنع تجنيد المقاتلين الأجانب، وكان القرار الثالث رقم 2185 في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 الذي شدّد على مواجهة التحدّيات الإرهابية، والقرار الرابع رقم 2195 في 19 ديسمبر/كانون الأول 2014 الذي طلب من جميع الدول العمل على سدّ المنافذ أمام الإرهابيين، بما فيه الاستفادة من الجريمة المنظّمة العابرة للحدود الوطنية .
كما انعقد يوم 17 فبراير/شباط 2015 مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب الدولي في واشنطن، حضره أكثر من 60 دولة، وخصّص معظم المتحدثين فيه، وهم من كبار المسؤولين على النطاق الدولي، كلماتهم لتناول دور "داعش" المحوري الذي هو امتداد لتنظيم القاعدة الإرهابي، الذي أنشأه أسامة بن لادن الذي تم اغتياله في باكستان بتاريخ 2 مايو/أيار عام 2011 ويقوده حالياً أيمن الظواهري، وكان أحد أبرز قادته الذين تولوا إدارة العمليات في العراق هو أبو مصعب الزرقاوي الذي تم اغتياله في العراق في 7 يونيو/حزيران 2006 . وكان الزرقاوي قد أطلق اسم "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين"، ثم توحّدت مع "تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الشام"، وكان حضورها ملموساً في أواخر عام 2013 وفي مطلع عام 2014 .
اعتقدت الولايات المتحدة أنها عندما تغزو العراق وتطيح نظامه الدكتاتوري، ستتمكن من إقامة نظام جديد على أنقاضه يساهم في تخفيف حدّة التوتر في المنطقة ويسعى للقضاء على الإرهاب الدولي، لكنها لم تتوقّع إن سقوط نظام صدام حسين سيفتح باب جهنم على المنطقة، حيث فقّس بيض الإرهاب على نحو سريع . لقد خلقت واشنطن بغزوها للعراق مصدر عدم استقرار جديد أكثر خطورة من السابق، ولم يهدّد هذا الخطر العراق وحده، بل إن عدواه انتقلت إلى دول المنطقة بسرعة فائقة لتصل إلى شمال إفريقيا، كما وصل الفيروس إلى أوروبا، التي يتم فيها تجنيد آلاف الرجال والنساء للتطوّع مع "داعش" والحركات الإرهابية الأخرى .
يمكننا اليوم القول إن التدخّلات العسكرية الخارجية مهما كانت مبرّراتها تركت آثارها السلبية الخطرة في التطور اللاحق لبلدان المنطقة، وهو ما حصل عند غزو واحتلال أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003 والقصف العسكري لليبيا عام ،2011 وكذلك التدّخل العسكري شبه المباشر في سوريا، وكل هذه التجارب فرّخت تنظيمات إرهابية ومتطرّفة وجعلت العنف مستشرياً والفوضى متفشّية والطائفية السياسية مستشرية، إضافة إلى استهداف المسيحيين والمجموعات الثقافية الأخرى في أكبر عملية استئصال

تشهدها دول المنطقة .
إن الخطيئة الأمريكية تكمن في أنها تعاملت مع العراق لا كشعب موحد وصاحب أعرق حضارة في التاريخ، بل كجماعات لا يجمعها جامع، يسودها التعصّب والتطرّف والغلو، ويريد كل منها أن يقضي على الآخر أو يعمل على تحجيمه، لذلك ابتدعوا نظاماً للمحاصصة الطائفية والإثنية، وهو ما عمل عليه عدد من مراكز الأبحاث الأمريكية والغربية، منذ الحرب العراقية- الإيرانية، التي تم تصويرها باعتبارها حرباً "سنية - شيعية" أو صراعاً بين "العرب والفرس"، وفي تقديرات أخرى "نزاعاً بين دول نفطية"، بتقليل من أهمية الصراع العربي - "الإسرائيلي" ولبّه حقوق الشعب العربي الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير .
إن أسباباً سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية ونفسية كانت وراء تكاثر المجموعات الإرهابية، وخصوصاً في قوة "داعش"، فالعراق الذي سمّي "جديداً"، بعد القضاء على الدكتاتورية، وقع فريسة الطائفية وعانى الإرهاب والعنف وضربه الفساد المالي والإداري بالصميم، لدرجة أن ترتيبه في قياس منظمة الشفافية العالمية هو الثالث (2014)، وامتدّ الفساد إلى المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية وجهات إنفاذ القانون، ولعلّ ذلك إجابة عن السؤال الكبير: كيف تمت هزيمة الجيش العراقي في الموصل على يد جماعات مسلّحة غير نظامية في حين تم صرف مبالغ خيالية بعشرات المليارات سنوياً لإعادة بناء الجيش الذي حلّه بول بريمر؟
وعلى الرغم من إطاحة النظام الدكتاتوري منذ عام 2003 فإن المصالحة الوطنية لم تتحقق بسبب غياب منظور استراتيجي لإعادة بناء الدولة، يضاف إلى ذلك شعور فئات سكانية كثيرة بالتهميش والعزل، فضلاً عن استمرار قانون الإرهاب (المادة 4) والمخبر السرّي وعدم تلبية مطالب المحتجّين التي هي في أغلبيتها مطالب مشروعة باعتراف أركان الحكومة ذاتها .
وقد ساعدت هذه البيئة على ترويج الفكر التكفيري وعملية غسل الأدمغة في ظل استمرار ظاهرة الفقر، أو حتى دون خط الفقر لفئات واسعة من السكان دخلها اليومي لا يزيد على دولارين، في بلد من أغنى دول العالم، لكن شعبه من أفقر الشعوب، وقد كان الاحتلال والسياسات الطائفية التي أعقبته سبباً أساسياً في وصول إلى البلاد ما وصلت إليه .
البغدادي الذي أعلن نفسه بعد احتلال الموصل 10 يونيو/حزيران عام 2014 خليفة للمسلمين وطلب البيعة والولاء، كان قد اعتقل في سجن "بوكا" الأمريكي، وقد انتسب قبل ذلك إلى الجيش العراقي وتدرّب على السلاح وفنون الحرب والقتال فيه، ثم درس العلوم الإسلامية، وكان خطيباً لجامع في منطقة شعبية، وقد أظهر براعة وخبرة في السَوْق العسكري، وكذلك في جباية الأموال والضرائب والآتاوات قبل وجود "داعش" شبه الرسمي في الموصل وبعد احتلالها، حين شرع في تصدير النفط وبيعه بالسوق السوداء، سواءً من حقول سوريا أو بعض الحقول العراقية، وتقدّر الولايات المتحدة ثروته بملياري دولار .
لا يمكن ل"داعش" أن تستمر لا في احتلالها للموصل ولا في بقائها كتنظيم مؤثر، موحد ومتماسك، وهزيمتها ستتحقق لا محال، خصوصاً وأن المجتمع الدولي كلّه يقف ضدها، لكن الخشية الحقيقية هو ما بعد "داعش"، فهل سيبقى العراق موحّداً؟ وإذا كان فريق من السكان يعارض وجود "الحشد الشعبي" لمقاتلة داعش، فكيف سيرضى بالاستمرار بالصيغة القديمة ما قبل "داعش"؟!
"داعش" ستنتهي، ولكن هل يبقى العراق؟ -
نقلا عن صحيفة الخليج