رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محمد شومان يكتب : في مراجعة بعض الأفكار حول الإرهاب

بوابة الوفد الإلكترونية

في كل مرة يضرب الإرهاب داخل المنطقة العربية أو خارجها يدور جدل ونقاش عام يتراوح بين الإدانة الصريحة والإدانة التي لا تخلو من تبريرات، وأحياناً قدر من التشفي في أجهزة الدولة التي تعرضت للعملية الإرهابية، وربما الإعجاب بقدرة الإرهابيين على التضحية.

وفي كل مرة ينتهي النقاش مع تراجع الاهتمام الإعلامي والسياسي، من دون أن يتحول إلى أفعال وقرارات، ومن دون أن يغير أطراف النقاش العام مواقفهم أو يتراجعوا عن بعض المسلمات والأفكار الخاطئة لدى كل طرف، وأتصور أنه لا بد من مراجعة ونقد هذه الأفكار بشجاعة، والتي تؤسس لاستمرار العمليات الإرهابية، وتقوم على الخلط بين الإسلام والإرهاب، أو بين الإرهاب ومقاومة الاحتلال في فلسطين والعراق.
وهنا أشير إلى أن بعض العمليات الانتحارية تمت بغطاء أيديولوجي وطني أو قومي أو طائفي أو يساري، لكن معظم هذه العمليات اعتمد على توظيف وتأويل متطرف للإسلام (إسلاموية إرهابية) بوصفها عمليات ضد العدو الإسرائيلي أو الاحتلال الأميركي للعراق. من هنا كان الاحتفاء بها شعبياً وإعلامياً، وتم اعتبارها أعمالاً بطولية استشهادية، ما حصنها من النقد، ومنح القائمين بها طاقة رمزية ذات أبعاد دينية، فالشهيد له منزلة رفيعة في الإسلام. هكذا اكتسبت العمليات الانتحارية مشروعية زائفة، ما مكنها من الانتشار بين العناصر والجماعات الإسلاموية عبر العالم، لتستخدم حالياً ضد الآخر غير المسلم، ثم ضد الآخر المسلم من طائفة أخرى، أو حتى ضد المسلم من الطائفة نفسها... وهكذا، في عمليات متوالية عبثية من القتل والإرهاب، استناداً إلى تأويل وتفسير مغلوط للإسلام الذي ينهى عن قتل النفس.
أول الأفكار التي تثار حول العمليات الإرهابية هو الادعاء أن الإسلاموية الإرهابية تعبر عن أزمات اجتماعية واقتصادية، كالفقر والتهميش الاجتماعي في المنطقة العربية وأفريقيا، فضلاً عن فساد الدولة وفشلها. هذه الأطروحة هي الأكثر شهرة وتداولاً، لكنها ليست صحيحة تماماً، لأن غالبية الفقراء والمهمشين أو قطاع كبير منهم لا يقوم بمثل هذه العمليات الإرهابية، كما أن ملايين الشباب أسهموا وفي شكل سلمي في تفجير الموجة الأولى مما يعرف بثورات الربيع العربي. فقط هناك أقلية محدودة من الشباب تتورط في أعمال الإرهاب عن جهل بالإسلام، والمفارقة أنها تنحدر من أسر ميسورة الحال، وفرت لها تعليماً مناسباً، وفرص حياة أفضل من ملايين الشباب المسلم. هنا ربما يسعفنا التحليل النفسي في تفسير سلوك هؤلاء الشباب، أو نظرية النخبة القائدة (الطليعة المؤمنة) التي تنوب عن الغالبية في القيام بالمهام والواجبات الكبرى.
ثاني الأفكار الأكثر انتشاراً في تبرير الضربات الإرهابية في أوروبا وأميركا هو الادعاء أنها رد فعل طبيعي ضد الحكومات الغربية التي تعادي العرب والمسلمين، وتنحاز دائماً إلى إسرائيل وتبرر احتلالها وتوسعها الاستيطاني في فلسطين. ولا شك في صحة الفكرة، لكنها لا يمكن أن تبرر القيام بأعمال إرهابية ضد مواطنين أبرياء، كما لا يمكن أن تبرر توظيف الإسلام في هذه الأعمال التي تتعارض مع جوهر وقيم الإسلام، التي تقوم على التسامح والحوار واحترام حقوق الإنسان. ثم إن حسابات الربح والخسارة بعد كل هذه العمليات لم تصبّ في مصلحة القضايا العربية أو الإسلاموية، ولم تغير من مواقف الدول الغربية، وإنما على العكس أدت إلى رواج أفكار اليمين المتطرف المعادي للإسلام وتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا، بل أدت أيضاً إلى إيجاد مبررات لاندفاع إدارة بوش الابن إلى احتلال أفغانستان والعراق.
الفكرة الثالثة أن الإسلام والعالم الإسلامي لا ينفردان بوجود تطرف ومتطرفين، فكل الأديان والمجتمعات بلا استثناء تعاني من تطرف بعض الجماعات التي تسيء إلى الدين أو الجماعة التي تنتمي إليها، وهذه حقيقة، لكن يجب أن نعترف بحقيقتين، الأولى: أن الإسلام وكل الأديان لا تحض على الكراهية والعنف. ومع ذلك نجد عمليات تأويل وتوظيف واسع النطاق للإسلام في صراعات سياسية واجتماعية، وفي شكل يفوق كل الأديان الأخرى. الحقيقة الثانية: انتشار التطرف الفكري والجماعات الإسلاموية الإرهابية في العديد من الدول الإسلامية وغير الإسلامية، بنسب ملحوظة، تفوق مثيلاتها المتطرفة في بقية الأديان، كما أن ضحايا الإرهاب الإسلاموي هم الأكثر عدداً في السنوات الأخيرة مقارنة بكل العمليات الإرهابية التي يرتكبها أنصار الأديان الأخرى. والكارثة أن معظم ضحايا الإرهاب الإسلاموي هم من المسلمين أيضاً. وربما يرجع ذلك إلى توافر بيئات اجتماعية وثقافية حاضنة للتطرف والإرهاب في الدول الإسلامية وبين بعض الجاليات الإسلامية في أوروبا وأميركا وأستراليا.
الفكرة الرابعة أننا يجب أن نميز بين إرهاب الدولة وإرهاب الأفراد، وهي مقولة صحيحة، فالموقف الأخلاقي والحقوقي يحتم إدانة إرهاب الدولة ومقاومته بكل الوسائل السلمية الممكنة، لكن يجب ألا نسمح للأفراد بالرد على إرهاب الدولة بإرهاب مماثل، فالثابت أن كل محاولات أفراد أو جماعات التطرف الإسلاموي أو الفكري بأنواعها في المنطقة العربية فشلت في الإطاحة بنظم سياسية من خلال القيام

بعمليات مسلحة أو عمليات إرهابية، وتكاد ثورتا الربيع العربي في تونس ومصر تكونان الحالتين الوحيدتين اللتين نجحتا في الإطاحة بالنظام الاستبدادي في البلدين اعتماداً على الثورة الشعبية السلمية، وحدث الفعل ذاته في الثورة الإيرانية ضد الشاه عام 1979 وفي عديد من دول شرق أوروبا في التسعينات. باختصار الإسلاموية الإرهابية فشلت بامتياز في الإطاحة بأي نظام حكم في المنطقة العربية أو خارجها، وأدت إلى إنهاك أجهزة الدولة وزيادة معاناة المواطنين بإشعال حروب أهلية، قبلية وطائفية، ما يعني أن الاحتجاج السلمي والمقاومة غير العنيفة هي الحل، خصوصاً أن درس التاريخ منذ غاندي، يؤكد قدرة هذه الوسائل على الانتصار بتكلفة مادية وأخلاقية محدودة، مقارنة بالاعتماد على العنف والدخول في عمليات إرهابية ثأرية بين الدولة والجماعات الإرهابية، أو إشعال حرب أهلية.
الفكرة الخامسة الأكثر بريقاً هي الحق في استخدام العنف «الإرهاب» في حروب الاستقلال والتحرر الوطني، كما حدث في الجزائر وغيرها من الدول التي استقلت بعد أن لجأت إلى المقاومة المسلحة، وبالتالي من حق الفلسطينيين مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بكل الوسائل الممكنة بما فيها العنف، حتى لو طاول إسرائيليين مدنيين، لسببين، أولهما أن كل إسرائيلي مغتصب، والثاني أن الآلة العسكرية الإسرائيلية تقتل المدنيين ليل نهار. وهنا يجب أن نذكر أن حركات التحرر الوطني لم تهاجم المدنيين أو تمارس الإرهاب الأعمى الذي تجسده العمليات الانتحارية المعاصرة، والتي تورط كثير منا في اعتبارها عمليات استشهادية. ثم ليس من المنطقي أو الأخلاقي أن نرد على إرهاب الدولة الإسرائيلية بإرهاب مماثل لأسباب كثيرة منها:
1- أن التعاطف والدعم الدولي للقضية الفلسطينية جاء في معظمه من خلال أدوات بعيدة من العنف، واستناداً إلى بشاعة العمليات الإرهابية العنصرية للجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
2- أن المقاومة داخل إسرائيل أو في غزة والضفة لا تمتلك أدوات العنف والقتل التي تتوافر للعدو الإسرائيلي (خلل في ميزان القوى) ومن ثم فأي مواجهة للعنف والإرهاب بعنف وإرهاب مماثل أدت إلى خسائر بشرية وعسكرية وأخلاقية على المقاومة، ولنأخذ مثلاً المواجهات العسكرية بين إسرائيل وحركة «حماس»، فصواريخ «حماس» تربك ولا تقتل أو تدمر، بينما أدوات التدمير والقتل الإسرائيلية قادرة على استهداف المدنيين الأبرياء على نطاق واسع، وهؤلاء هم الذين يدفعون الثمن دائماً.
3- لا مجال أمام الفلسطينيين سوى الوحدة والاتفاق على المقاومة السلمية وعدم اللجوء إلى العنف في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وقد حققت الانتفاضة الفلسطينية بطابعها السلمي للفلسطينيين مكاسب معنوية وسياسية أكبر من كل العمليات الانتحارية، وربما أكبر من عمليات المقاومة المسلحة التي استهدفت عسكريين إسرائيليين.
هذه باختصار بعض الأفكار السياسية والاجتماعية التي من الضروري مراجعتها حتى يتوقف استخدامها كمبررات لإنتاج الإرهاب وممارسته على نطاق محلي ودولي، لكن تبقى الأسانيد والتأويلات المتطرفة للإسلام والتي تحتاج إلى ثورة دينية كما أعلن ذلك بشجاعة الرئيس عبدالفتاح السيسي لكن من يقود هذه الثورة؟ وكيف؟ في يقيني أن رجال السياسة والحكم بمن فيهم السيسي غير مرشحين لإنجاز هذه الثورة، والتي لا بد أن يتصدى لها رجال الدين من خارج وداخل المؤسسات الإسلامية، وأتصور أن تجربة الشيخ محمد عبده يمكن أن تلهم بعضهم سواء السبيل.


نقلا عن صحيفة الحياة