عثمان ميرغني يكتب : السعودية.. الاستقرار في محيط مضطرب
يتساءل الناس ما بين فترة وأخرى عن مستقبل الملكيات في المنطقة، وقدرتها على مواجهة التحديات في محيط مضطرب.
يحدث هذا على الرغم من أن أي متابع للتحولات السياسية في المنطقة لا بد أن يخلص إلى أن الأنظمة الملكية ظلت الأكثر استقرارا وتماسكا، خلافا للأنظمة الجمهورية التي شهد أكثرها، ولا يزال، تاريخا حافلا بالاضطرابات والقلاقل، حتى حرم المواطن من أبسط مقومات الحياة المتمثلة في أمان النفس، وأمن المعيشة.
يسارع البعض إلى القول إن الثروة هي السبب، وفي هذا تقليل من أهمية عوامل أخرى حفظت للملكيات استقرارها في وجه عواصف السياسة وتقلبات منطقة هي الأكثر اضطرابا في العالم. الثروة تلعب دورا في الاستقرار بلا شك، لكنها ليست كل شيء. فالعراق بلد غني، وربما يملك من مصادر الغنى المتنوعة أكثر مما تملك الكثير من الملكيات حتى في الخليج.
ليبيا أيضا بلد يملك ثروة نفطية هائلة لو استثمرت بالشكل الصحيح لكان الإنسان الليبي من بين الأغنى والأسعد والأكثر استقرارا بين كثير من دول العالم. لكن الحال في العراق أو في ليبيا يغني عن أي سؤال، بل يثير الحزن على ما حل بالبلدين وبشعبيهما.
المغرب والأردن دولتان محدودتا الموارد، لكنهما أكثر استقرارا من اليمن أو سوريا أو السودان أو لبنان. فهل بعد ذلك يمكن القول إن الثروة أو النفط هما التفسير الوحيد لاستقرار الملكيات في المنطقة؟
الواقع أن الأنظمة الملكية في المنطقة استشعرت أهمية سياسة الاقتراب من المواطن والتواصل معه وكسب ولائه، بينما الأنظمة الجمهورية ركنت في كثير من الأحيان إلى ما سمي «الشرعية الثورية» أو هيمنة الحزب الواحد كأساس للشرعية، فأهملت المواطن أو لجأت إلى القمع سياسة ووسيلة للحوار معه.
هناك بالطبع عوامل أخرى، ومقارنات كثيرة لا يتسع لها المجال هنا، لكن من المفيد التمعن في ما حدث في السعودية خلال الأيام القليلة الماضية، والتوقف أمام السلاسة التي تم بها انتقال الحكم. فالسعودية نالها القسط الأكبر من التساؤلات حول مستقبل الحكم، خصوصا في السنوات الأخيرة، حيث كانت مسألة ترتيبات بيت الحكم الشغل الشاغل لمراكز صنع القرار في كثير من العواصم، وحديث مجالس المهتمين والمتابعين. تباينت الأهداف والدوافع، لكن نقطة الالتقاء ظلت تكمن في أهمية المملكة، وأهمية استقرارها، ليس على الصعيد الداخلي فحسب، بل على صعيد المنطقة والعالم. فالسعودية ليست فقط ثروة نفطية هائلة، كما يحب أن يراها البعض، بل هي قلب العالم الإسلامي وقبلته، وهي البلد الذي سخر كل نفوذه وجهده لدعم السلم والاستقرار، ولدعم التضامن العربي والإسلامي، وما يحدث فيها له انعكاساته الواسعة إقليميا ودوليا.
المملكة سدت الباب أمام التكهنات، وفاجأت الكل بسرعة حسم ترتيبات انتقال الحكم. توفي الملك عبد الله في الساعة الواحدة من فجر الجمعة الماضية، وصحا الناس على سلمان بن عبد
هذه القرارات يتوقع أن تتبعها قرارات أخرى من الملك سلمان الذي يؤكد باستمرار على أهمية الأمن والاستقرار والاستمرار، وعلى الثوابت في نهج المملكة وسياساتها. والذين تابعوا مسيرته يعرفون دوره في صدور النظام الأساسي للحكم عام 1992 إبان حكم الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، واهتمامه بتماسك الأسرة، وباستقرار الحكم، ومواصلة نهج الإصلاح المتدرج، والحفاظ على دور المملكة كعامل للاستقرار ودعامة للأمن. الأهم من كل ذلك انشغال الملك سلمان في كل المواقع التي شغلها بالمواطن الذي وُضعت له مادة في النظام الأساسي للحكم (المادة 43) تكاد تكون فريدة بين دساتير العالم، وتنص على أن مجلس الملك ومجلس ولي العهد مفتوحان لكل مواطن ولكل من له شكوى أو مظلمة، ومن حق كل فرد مخاطبة السلطات العامة في ما يعرض له من الشؤون.
هذا هو سر الاستقرار في المملكة والضامن لترتيبات الحكم فيها، وربما هو أيضا المفتاح لفهم لماذا ظلت الملكيات هي الأكثر استقرارا.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط