رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محمد فهد الحارثي يكتب: رحلة في عقل إرهابي

بوابة الوفد الإلكترونية

سؤال يكرره كثيرون: ما الذي يجعل إنساناً بكامل إرادته وعقله يذهب ليقتل الآخرين ويقتل نفسه. وما هي الأسئلة التي يطرحها على نفسه وهو في طريقه لهذا العمل الانتحاري. وما هذا الشيء الذي يعمي البصيرة لدرجة أنه لايرى إلا الدم والقتل والتفجير.

وكيف يمكن الربط بين من يفكر بهذه الطريقة وبين الدين الإسلامي وهو دين سلام ومحبة وكثير من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية تدعو للإخاء وعمل الخير والسلام وتحرم قتل النفس بغير حق. وقد أوضح علماء ومراجع دينية كهئية كبار العلماء في السعودية والأزهر في مصر على حرمة الأعمال التكفيرية والتطرف والغلو في الدين وأن الإرهاب يعرض مصالح الأمة لأعظم المخاطر؟!.
هذه الفتاوى القاطعة تجعل الفصل واضحاً بين الدين الإسلامي والإرهاب الذي منبعه التطرف والمنهج التكفيري. ويفترض أن أي شخص مقدم على عمل انتحاري حتى لو كانت قناعاته قوية بفكره فعلى الأقل تمر هذه الفتاوى في فكره فتجعله على الأقل يتردد أو يتساءل. لكن الشيء الصعب هو تفسير كيف يستطيع أن يمحي كل هذا من تفكيره ويواصل مشروعه الإرهابي بكل ثقة؟ّ!.
يرى علماء نفس أن المشكلة في جوهرها نفسية، فالبحث عن المعنى لدى الفرد تقوده أحياناً إلى ممارسات خاطئة رغبة منه في أن يجد معنى لحياته. فلذلك تجد النسبة الأكبر من الذين يتورطون في الأعمال الإرهابية هم الشباب صغار السن. الذين يستغلون حماسهم ورغبتهم في تحقيق إنجاز في حياتهم.
وربما تجتمع هذه الرغبة مع حالة إحباط من واقعه. فيجد في هذا الجو الملاذ الذي يمكن أن ينتمي له ويجد في داخله مجتمعاً يحتضنه ويعطيه التقدير والاحترام الذي هو في أمس الحاجة له. فتحقيق المعنى في حياة الإنسان يرتبط بإنجاز أو نجاح أو حتى عمل عادي يستطيع أن يعيش حياة عادية.
لكن غياب هذه العناصر والرغبة في تحقيق معنى لحياته تجعله يذهب للحلول القصوى لأنها حاجة روحية وليس فقط مادية. وبطبيعة الحال العاطفة الدينية تجعل الشخص يجد في هذا التوجه متوافقاً مع عاطفته وفي نفس الوقت يكسب الرضا الاجتماعي والتقدير من الوسط الذي يعيش فيه.
المتطرف في داخله شخص مرتبك والصورة بالنسبة إليه ضبابية ولذلك يحاول أن يذهب للحد الأقصى في الفكرة أو الاتجاه لأنه خائف من داخله، وبالتالي هو يشعر بالأمان الخادع. وصغار السن عادة ليسوا متعمقين في المعرفة والعلم، ولذلك يتجاوزون هذه النقطة بمرجعية الافتاء من أشخاص حولهم يستغلونهم ويعطونهم فتاوى تشجعهم على التوجه المتطرف والمنهج التكفيري.
وما يرضي المتطرف هو كسب ردود الفعل لأن تطرفه هو وسيلة للظهور ولفت الانتباه. والتطرف أحياناً قد يكون في أشكال أخرى. حتى المتطرف في التشجيع الكروي قد يذهب لدرجة الهوس والتصادم مع الآخرين بسبب تشجيعه.
لكن ما يفرق بين التطرف في تلك الأمور والتطرف الديني أن الدين له تأثير وهيبة وعاطفة فتستغل من قبل من يقود هولاء الشباب ويلوون معاني

النصوص بحيث تتوافق مع هواهم وبالتالي تكون النهاية القتل والتدمير. يكشف مختصون يعملون في لجان المناصحة في السعودية وهي لجان تختص بالشرح والتفسير لهولاء الشباب خطأ تفكيرهم وتوجهاتم لإعادتهم إلى جادة الصواب.
يقولون أن بعض هولاء المتطرفين كانوا ذوي سوابق ومدمنين ومروجي مخدرات. ومن ثم في نقطة معينة في مسار حياته يتجه إلى العكس تماماً ويتطرف في توجهاته ويصل إلى حد المشاركة في علميات أرهابية دموية.
ويبين علماء اجتماع أن بعض المجتمعات تكون حادة في تعاملها مع الأفراد ولكن إذا ارتدى الشكل الديني الملتزم فإن هذا يمنحه قابلية وإعجاب في المجتمع.
وكما يصفها أحدهم بأن الرغبة في «الترزز» وهي كلمة سعودية تعني أن الشخص يظهر تميزه في وسطه الاجتماعي سواء كان يملك مقومات أم لا، فهو يهتم بالظهور وجذب الانتباه. وبالتالي تتقاطع الرغبة النفسية مع الواقع الاجتماعي مع تركيبة المجتمع وطريقة تفكيره لتدفع الشخص في تيار يصبح مندفعاً فيه.
المشكلة إذا اتخذ الشخص هذه الطريق ليس عن قناعات صادقة، ولكن كوسيلة لكسب إعجاب المجتمع وتقديرهم. والمشكلة الأخطر إذا تمادى في هذا التوجه ووصل إلى مرحلة اللاعودة ومن ثم تورط في الانتساب إلى واحدة من الجماعات المتطرفة الإرهابية.
أن خطورة تزايد هذه المنظمات الإرهابية ووجود الفكر المؤيد أو على الأقل المتعاطف معها يطرح سؤالاً عن فعالية مواجهة الفكر المتشدد، وهل استطاعت الخطط التي وضعت والمحاذير التي شرحت من الحد من هذا الفكر المتطرف.
هناك أسباب كثيرة تحتاج إلى دراسة ومراجعة متعمقة ودور أكبر لعلماء النفس والاجتماع. إن المواجهة الأمنية مهمة للتخلص من مخاطر هذه المنظمات لكن المواجهة الفكرية هي التي ستقطع جذور هذه المنظمات لأنها هي وإن خسرت في المواجهات الأمنية إلا أنها تتغذى من جديد من خلال رئة الفكر الذي يعمي بصيرة الشباب ويقودهم إلى التهلكة. في حرب أصعب ما فيها أن الرابح والخاسر من أبنائنا.
نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية