رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كمال الجزولي يكتب : الحكم الذاتي . . كمين تفاوضي بأديس أبابا

بوابة الوفد الإلكترونية

مطلع الأسبوع المنصرم أعلنت الآلية الإفريقية الرفيعة برئاسة تابومبيكي، الرئيس الجنوب إفريقي الأسبق، عن أنها علقت، حتى يناير/ كانون الثاني المقبل،

مفاوضات السلام المتعثرة التي ظلت ترعاها، في العاصمة الإثيوبية، على مدى تسع جولات حتى الآن، بين حكومة السودان والحركة الشعبية/ قطاع الشمال . وحتى ذلك الحين فثمة ملاحظات تستوجب الإضاءة على المسار المنقضي من هذه المفاوضات .
فمثلاً، لو كان وفد الحكومة أولى قدراً، ولو يسيراً، من العناية بالمنطق الداخلي لحججه في رفض أطروحات الحركة على مائدة التفاوض، كي تبدو تلك الحجج، على الأقل، معقولة، ولو شكلاً، بدلاً من تأسيسها على نزعة تعبوية عصبية واضحة ما انفكت تدفعه، في كل مرة، لرفض ما يصدر عن وفد الحركة، جملة وتفصيلاً، لكان أمكنه الانتباه، بلا شك، للتناقض البنيوي الناشب في صميم منطقه هذا، ولكان، من ثم، قد تفادى الوقوع في "الكمين التفاوضي!" الذي نصبه له وفد الحركة، في السابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، مع بداية الجولة التاسعة التي انتهت بها هذه المرحلة من التفاوض في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الجاري!
لتوضيح هذه المسألة نذكر أن المفاوض الحكومي ظل يصر، دائماً، وبعناد، على عدم الاستماع إلى كلمة واحدة يتفوه بها مفاوض الحركة خارج الحدود "الجغرافية" لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، ولو بمللمتر واحد! وظل المفاوض الحكومي يبني منطقه في ذلك على حجة شكلية ممعنة في الخطأ، مفادها تأويله الخاص لكون موضوع التفاوض هو هاتين "المنطقتين" فقط، ما يعني، من زاوية نظره، وجوب أن تسارع الحركة لإلقاء سلاحها، والالتحاق، فوراً، ب "الحوار الوطني"، وفق شروطه التي يقوم عليها، حالياً، ب "قاعة الصداقة" بالخرطوم!
هكذا يخلط وفد الحكومة، خلطاً شنيعاً، على كل صعد القانون، والعرف، والممارسة، بين مفاوضات "السلام" ومفاوضات "الاستسلام"! ففي الحالة الأولى يتوجه طرفان، بمحض تفاهمات سلمية، لوضع حدٍ لحرب أو نزاع مسلح، مما قد يكون دار بينهما ردحاً من الزمن من دون أن يحقق أيٌ منهما نصراً حاسماً على الأرض . أما في الحالة الأخرى فيلزم أن يكون ثمة طرف منتصر، على نحو حاسم، فتدور بين عسكرييه وعسكريي الطرف المهزوم محادثات، في الميدان، تتركز على "إملاءات" المنتصر شروطه لترتيبات "استسلام" المهزوم .
لكن، لئن اتبعت تلك الترتيبات في حالات الحروب الدولية والإقليمية، فإنها لا يلجأ إليها في حالات الحروب "الداخلية/الأهلية" التي تنتهي بدحر الجيش الحكومي للقوة "المتمردة"، إذ غالباً ما تقْدم الحكومة، في مثل هذه الحالة، على أخذ المهزوم، إنْ استطاعت إليه سبيلاً، بجريرة "خروجه" على القانون!
إذاً، فلا معنى، بالنسبة لمفاوضات أديس التي يراد منها وضع حدٍ لنزاع سياسي سوداني "داخلي" في أصله، وإنْ اتخذ طابعاً مسلحاً، لأن تحاول الحكومة فرض شروطها على الحركة الشعبية، بينما الحرب لا تزال سجالاً بينهما على الأرض، بلا نصر حاسم ولا هزيمة نهائية، والطرفان يتقاتلان ويتفاوضان في آنٍ واحد، وليس فيهما، وفق كلمة شهيرة لتشرشل، من يستطيع أن يبلغ على مائدة التفاوض أبعد مما تستطيع مدافعه أن تبلغ في ساحة الوغى!
بالتالي لا يحق لوفد الحكومة أن يجحد، على وجه الخصوص، حق وفد الحركة في إثارة أي قضية تتصل بصميم "المسألة السودانية"، أو أن يعتبرها خارج أجندة التفاوض، كأوضاع الحريات، وحقوق الإنسان، ووقف العدائيات في كل مناطق الحرب، تمهيداً لوقف إطلاق النار، وإنهاء الحروب المشتعلة، ليس في "المنطقتين"، فحسب، بل وفي دارفور أيضاً، في إطار عملية تفاوضية بمسارين، تضمن فتح ممرات إنسانية لإغاثة من شردتهم الحرب، أو تأثروا بها على أي نحو، وإلى ذلك إلغاء الانتخابات التي يصر الحزب الحاكم على إجرائها، تحت إشرافه، بعد أشهر قلائل، وإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين كافة، وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات، وعقد اجتماع تحضيري لكل القوى السياسية والمدنية بمقر الاتحاد الإفريقي في أديس، حسب قرار الاتحاد رقم /456، تهيئة للمناخ لكفالة نجاح "الحوار الوطني" الذي اجترحته الحكومة بنفسها، منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، ثم ما لبثت أن تنصلت منه، عملياً، برفضها سداد استحقاقاته، حين وضح أنه ينبغي أن يفضي، في أحد أهم مآلاته النهائية end game، إلى الاتفاق على جملة ترتيبات تصب في عملية انتقالية شاملة، خلال فترة انتقالية محددة، بما في ذلك حكومة انتقالية تشرف

على إنفاذ شكل من العدالة الانتقالية، وتعقد مؤتمراً قومياً دستورياً، وتنظم انتخابات حرة ونزيهة، وما إلى ذلك .
غير أنه، وفي حين كان وفد الحركة يطرح قضايا "السودان" في "المنطقتين"، على ذلك النحو، ظل وفد الحكومة يصر على طرح قضايا "المنطقتين"، فقط، بمعزل عن قضايا "السودان"! وعليه انطلقت الحكومة تضج ب "الشكوى" من أن الحركة "لا تتقيد" بأجندة "المنطقتين"، بل "تتجاوزها" إلى أجندة "السودان" الأخرى!
عند هذا الحد، وبإزاء ذلك التعنت من جانب الحكومة ووفدها المفاوض، كان لا بد لوفد الحركة من الذهاب، إلى أقصى حدٍ، في فضح ذلك الفهم المختل، وتعرية المفارقة الكامنة فيه بنزع ورقة التوت التي تغطي عورة منطقه غير السوي، حيث تبدو قضايا "السودان" الأخرى كأنها ليست "جزءاً" من قضايا "المنطقتين"، أو لكأن "المنطقتين" نفسيهما ليستا "جزءاً" من "السودان"!
من هنا، وفي ما يشبه المناورة المفاجئة، جاء إقدام وفد الحركة، مع بداية الجولة التاسعة، على طرح مطلب "الحكم الذاتي للمنطقتين"! ومع إمكانية الاتفاق أو الاختلاف مع ذلك المطلب، وبصرف النظر عما ينطوي عليه من عناصر في "الاستراتيجية" أو في "التكتيك التفاوضي"، فقد انطرح، عملياً، بأحد احتمالين: إما يدق ناقوساً للوفد الحكومي، بأن تلك، في نهاية المطاف، هي أبسط مترتبات منطق التعاطي مع "المنطقتين" كأنهما خارج "السودان"، أو يشكل، بالنسبة لهذا الوفد، "كميناً تفاوضياً" يكبله بنفس مادة منطقه المعوج!
ما ترجح، للأسف، هو الاحتمال الثاني، حيث تعجل المفاوض الحكومي، كعادته، وكما كان متوقعاً، في رفض ذلك المطلب، رفضاً باتاً وحاسماً، من دون أن يتبصر، على الأقل، حقيقة أن الوساطة ضمنته ورقتها الأخيرة، قبل أن تدفع بها إلى الطرفين صباح 8 ديسمبر 2014م، شاملة ما تبنته من أفكار لتيسير اتفاقهما حول المسائل المطروحة، ومن بينها مطلب "الحكم الذاتي" .
لذلك، فإن جلسة المفاوضات التي كان مقرراً عقدها عند العاشرة صباحاً، لم تلتئم إلا بعد الثانية ظهراً، بسبب استغراق الوفد الحكومي في المزايدة على مضمون ورقة الوساطة، بما فيها هذا المطلب، بدلاً من تناوله بهدوء وروية، مما كان سيوفر لهذا الوفد، يقيناً، مداخل أفضل لمجابهته، في ما لو نفذ إليه، مثلاً، من زاوية اعتباره أدنى من مستوى اللامركزية المشمول، أصلاً، بالدستور الساري .
مع ذلك كان من شأن هذا المدخل، بالتحديد، أن يخلق، حال اعتماده، مشكلة للوفد الحكومي، تتمثل في كونه سيستدير، يقيناً، من حيث يراد له هزيمة مطلب الحركة، ليهزم منطق الحكومة نفسه، بأن يتركز، في نهاية المطاف، على تجسيم استحالة تناول قضايا "المنطقتين" بمعزل عن قضايا "السودان" قاطبة! وذلك، بلا شك، هو بعض ما رمي إليه وفد الحركة من طرحه المفاجئ لمطلب "الحكم الذاتي"، وما جعل منه، فضلاً عن أي منطق آخر يسنده، "كميناً تفاوضياً" وقع فيه وفد الحكومة، للأسف، بلا أدنى تبصر!
نقلا عن صحيفة الخليج