رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

عبدالله النغيمشي يكتب: رفع المصاحف من صفّين إلى تجمع 28 نوفمبر

بوابة الوفد الإلكترونية

< وقعة="" صفين="" وقبلها="" موقعة="" الجمل،="" اللتان="" تلتا="" «الثورة="" الأولى="" في="" الإسلام»،="" وقتل="" خلالها="" الخليفة="" الثالث="" عثمان="" بن="" عفان="" عام="" 35،="" الثورة="" السياسية="" الدينية="" الأولى="" في="" تاريخ="" الإسلام،="" ظلت="" هي="" المدد="" الفكري="" الذي="" تستمد="" منه="" الحركات="" الدينية="" السياسية="" والمذهبية="" أصولها="" وعقيدتها="" بوصفها="" الملهم،="" إذ="" كان="" أبطالها="" الصحابة="" ومن="" يسمون="" في="" الأدبيات="" السنية="" «التابعين».="">

كانت دواعي تلكما المعركتين واحدة شعاراتياً «المطالبة بدم عثمان»، لكن التاريخ وحتى كتابات الحاضر تآزرت على اعتبار معركة صفين هي المنحنى الأبرز والأخطر في تحديد وتوجيه وصناعة تاريخنا بما فيه السياسي والديني والاجتماعي، كانت «الجمل» ولم تكن ذات رؤية سياسية وفكرية عميقة، وإنما محاولة من جانب تيار معارضة ظرفي من دون رؤية سياسية «عائشة - الزبير - طلحة» انتهى لمصلحة مشروع المعارضة الأبرز تيار «السفيانية الأموية» وتحول بوصفه مقدما لانشقاق السفيانية على التيار الأكبر «تيار الخليفة علي والهاشمية وكبار الصحابة المهاجرين وعموم الأنصار» إضافة إلى العراقيين. كان أبرز حدث غيّر مجرى معركة صفين والتاريخ الإسلامي والعربي، حادثة «رفع المصاحف» التي كانت بداية النهاية لمعركة صفين لمصلحة المعسكر السفياني، بعدما كانت المعركة تتجه إلى انهزام ونهاية المعارضة السفيانية، كما تفكك العالم الإسلامي ومعه الخلافة إلى شطرين،المهم عندي هو فكرة «رفع المصاحف» في هذه المعركة وليست المعركة، فذلك شأن تاريخي. الذي يدعوني لاستعادة صفين هو حادثتها الأبرز «رفع المصاحف» والتي ماتزال تستأنف من الإسلامات المذهبية والسياسية كما حدث أخيراً من بعض جماعات الإسلام السياسي في مصر والتي تنادت إلى رفع المصاحف في الـ28 من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي،السؤال الذي أستدعيه: هل كان رفع المصاحف في معركة صفين ممارسة دينية صرفة أم كان عملاً شعاراتياً دينياً لمصلحة مشروع سياسي؟ ولم اختارت تلك الجماعات رفع المصاحف؟ الجماعات التي تداعت لتجمع 28 داعية لرفع المصاحف، من دون شك هي استلهمت هذا الشعار من معركة صفين، بوصفها الملهم واعتبارها هذه الممارسة (رفع المصاحف) عملاً نزيهاً دينياً مجرداً، أو كذلك أوحي إليها، ولأن هذه الجماعات تأست بشعار معركة صفين فإنني أتحول ناحية استشراف فكرة رفع المصاحف الأولى، حينما انهزم المعسكر الشامي الذي يعتبره بعض الفقهاء الفئة الباغية (الشافعي)، اتجهوا إلى رفع المصاحف لإدراكهم جلالة القرآن عند المسلمين لأجل تعليق المعركة من دون هزيمة ولا نصر للمعسكر العراقي بقيادة علي بن أبي طالب، وحصل لهم ما أرادوا، وذلك ما كان سبباً في تفكك جيش علي بعدها. لكن ما معنى رفع المصاحف ودلالته؟ كان الهدف من رفع المصاحف إدغام المقدس الديني في الدنيوي عبر توظيف المقدس لمصلحة الدنيوي (السياسي) وذلك لتمويه الرغبويات والنوايا النفعية السياسية من خلال رفع الشعار الديني، وانطلى هذا التمويه على المعسكر العراقي نظراً إلى حضور التدين والإيمان والتقوى لدى كبار الصحابة وعموم المؤمنين التقليديين، الذين لم يكن لهم عهد بالتمويه والنوايا السياسية، إضافة إلى تمكن المعسكر الشامي من لعبة السياسة والسياسة بالدين من خلال المطالبة بحق شرعي - بحسبهم - «دم عثمان»، ولم يكن يعني رافعي المصاحف الرجوع إلى ما فيها من قيم وأخلاقيات بقدر ما يعني التدجج بالدين وتمرير ذلك على العموم بوصفه ورقة ضغط دينية. تجمع طيوف الإسلام السياسي في 28 نوفمبر، وهو يدعو إلى رفع المصاحف، هو يستبطن منابذة القيم المدنية والديموقراطية صراحة، كما يحاول إعادة المجتمع إلى اللحظة الإسلامية الأولى لحظة العصبويات، ويعلن غيابه عن الراهن وعدم اعتداده به مهما سوق لذلك باللغونة المدنية، وإلا فما معنى أن تعاد أسوأ لحظة في تاريخنا (رفع المصاحف) التي هي جزء مسؤول عن شرذمة تاريخنا وتأسيس الانقسامات المذهبية والفكرية؟ من دعوا إلى «رفع المصاحف» في تجمع جماعات الإسلام السياسي الفائت هم متماهون أو متقاطعون مع أول من رفع المصاحف (صفين)، في محاولة استخدام الشعار الديني لمصلحة الوصول إلى السلطة بالطريقة البدائية ذاتها، كما هم يعلنون أن الإسلام هو الحل وأنه دين ودولة، ما يفهم منه عدم إيمانهم بالدولة العصرية التي كانوا على رأسها سابقاً، وبرهان ذلك قفزهم على قيم الديموقراطية. سقط حكم الإخوان الذي لم يتجاوز عاماً، وكان وصولهم ديموقراطياً صريحاً وإن تخلله بعض الملاحظات، وبصرف النظر عن وصولهم أو سقوطهم، كانت المشكلة والتأزم العميق لحظة إزاحتهم وما تلاها من اضطرابات كانوا جزءاً منها، ولأن علاقة جماعات الإسلام السياسي عموماً، بما فيها الجماعة

الأهم «الإخوان» علاقة غير مدنية خالصة مع الحكم والدولة، انزلقت تلك الجماعة (الإخوان) ناحية اللامدنية واللاسلم بعد إزاحتها، ولم تتعاط بالمقدمات الديموقراطية التي كانت تبديها قبل الوصول إلى الحكم، والتي أوصلتها إلى السلطة، بل بخلاف ذلك، إذ إن التوجه ناحية العنف أظهرها جماعة لا تؤمن بالدولة العصرية وشروطها المدنية، وكان من المفترض بحزب أو تيار يؤمن بالديموقراطية أن يظل متمسكاً بقيم المدنية والديموقراطية حتى وإن تم إسقاطه جوراً، فماذا لو تعاطت جماعة الإخوان المسلمين بعد إزاحتها من الحكم بسلمية ومدنية مهما تعرضت لإقصاء واستعداء؟ ماذا لو تمسكت بمبادئ الديموقراطية والمدنية التي كانت سبب وصولها إلى السلطة من دون أن تنجر إلى فكرة العنف والتشنج؟ إذاً كانت ستكسب التعاطف وبقاء القيمة المعنوية الكبيرة التي كانت تحفل بها، كما سيكسب المجتمع مكوناً ديموقراطياً قوياً، وخصوصاً أن المجتمع المصري والعربي عموماً مجتمع ديني، لكن جماعة الإخوان نابذت كل ذلك وكشفت عن بطانتها الشعورية المؤدلجة دينياً وسياسياً، وأظهرت قصر نفسها المدني واستبطانها متلازمة أو مشروع «الدولة الإسلامية - دولة الخلافة» وذلك ما جعلها تحرق كثيراً من أوراقها التي جمعتها عقوداً، وما محاولاتها بعد الإقصاء من السلطة إلا عن تخوف عميق من أن يتجاوزها القطار السياسي والاجتماعي الذي بدأ يغلب فكرة «الأمن والاستقرار» على فكرة الثورة أو الديموقراطية، وخصوصاً أن المجتمع المصري اشتغل على المقارنة بالدول العربية التي ذهبت مع ريح الثورات إلى حيث العدم.
«الحصاد» كل شعار ديني يستخدم في الدعاية السياسية فإنه يشابه «رفع المصاحف» تماماً، خطورة رفع الشعارات الدينية في السياسة أنها تموّه على اللاوعي التقليدي (الناس البسطاء) الذين يصدقون من يعدهم بإقامة الشريعة، ما يعني أن من يرفعون الشعار الديني في السياسة اتخذوا الدين مهرجاناً ومحفلاً سياسياً، رفع المصاحف خيانة للمصاحف التي لا تحمل ما يدعيه حاملوها،  كما أنها توحي بالإقتار أو الإفلاس المدني والسياسي، كانت فكرة رفع المصاحف الأولى (بصفين) أول مناورة دعائية تستخدم الدين في الاصطفاف السياسي، وبدلاً من أن تؤثم شرعياً فهي ماتزال تشرعن من الإسلام السياسي، كان بوسع الإخوان أن يظلوا مكوناً إيجابياً إثرائياً بديلاً أو مزاحماً للنخب والقوى السياسية القديمة التي ظلت تحتكر الساحة السياسية، لو أنهم احتكموا إلى قيم الحداثة واللاعنف، وكان بإمكانهم ذلك حتى ولو لم يعودوا إلى السلطة على المدى القريب، وخصوصاً أن لهم رصيداً تاريخياً في السياسي كما لهم عمق شعبي، لكنهم آثروا السلطة على حساب قيمهم المدنية التي كانوا يبشرون بها، ما أحدث لهم نزيفاً معنوياً وأخلاقياً، كنت مع وصول الإخوان إلى السلطة حينها، ذلك أنها انتظمت عبر الصناديق، وتمنيت أنهم نجحوا في تجربتهم كي لا يظل الوسط السياسي حكراً على نخب مترهلة سياسياً، لكن الأيام كشفت عن ضعف في بنية الإخوان السياسية، للأسف ما يعني أن مصر خسرت مكوناً ذا جسد كبير شعبياً.
نقلا عن صحيفة الحياة