عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عثمان ميرغنى يكتب: لعبة السودان مع مصر والخليج وإيران

عثمان ميرغني
عثمان ميرغني

أن يستخدم نظام الإسلاميين في السودان أساليب الخداع والمراوغة، لا يعد أمرا غريبا على جماعة جعلوا المكر والتقية جزءا أساسيا من ثقافتهم السياسية.

لكن الوثيقة التي جرى تداولها خلال الأيام القليلة الماضية عما جرى في اجتماع للقيادات العسكرية والسياسية والأمنية بالخرطوم نهاية أغسطس (آب) الماضي، تكشف إلى أي مدى يمكن أن يذهب النظام في هذا المضمار من أجل الحفاظ على السلطة.
الوثيقة المصورة التي نشرها أولا الأستاذ الجامعي الأميركي الباحث المتخصص في الشأن السوداني إيريك ريفز بعد أن وصلته من مصدر في الخرطوم وصفه بالموثوق جدا، تسجل وقائع الاجتماع الذي حضره 14 شخصا يعدون من أهم القيادات العسكرية والأمنية والسياسية في النظام. وبغض النظر عن أي محاولة من قبل النظام وأنصاره للتشكيك في الوثيقة، فإن كل من خبروا هذا النظام سيرون أنها تعكس سياسات تتماشى في الواقع مع سجل علاقاته المضطرب داخليا وخارجيا، ومع نهجه وفلسفته في المناورة والخداع كنهج ثابت للتشبث بالسلطة.
على الصعيد الخارجي تكشف الوثيقة مراوغات النظام فيما يتعلق بملف علاقاته مع إيران ومع دول الخليج ومصر وحركات الإخوان. فالنظام، كما تؤكد مداولات قياداته يريد ممارسة التقية السياسية في علاقاته مع إيران ودول الخليج العربية؛ فهو من جهة يتمسك بعلاقاته التي يعدها استراتيجية وغير قابلة للتغيير مع طهران، ومن جهة أخرى يريد أن يبدو أمام دول الخليج، وتحديدا أمام السعودية والإمارات، وكأنه يتخذ مواقف ضد إيران. من هذا المنطلق يمكن النظر إلى الضجة التي تعمد إثارتها في إعلانه عن إجراءات لإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية. الغرض من تلك الضجة، كما تؤكد الوثيقة، هو تضليل الدول التي عبرت عن قلق من التحالف السوداني – الإيراني، وفي الوقت ذاته احتواء غضب داخلي وخارجي مما وصف بانتشار ظاهرة التشيع في السودان. فالمشاركون في الاجتماع أجمعوا على أهمية علاقاتهم العسكرية والأمنية مع إيران وعدوها من «أهم العلاقات في تاريخ السودان»، بل إن أحدهم ذهب إلى حد القول إن سر قوة نظام الإنقاذ هو في تحالفه مع إيران والحركات الإسلامية: «وأي تفريط في هذه العلاقة سوف نخسر كثيرا».
النظام يحاول اللعب على الحبال ما أمكنه ذلك، لكنه في نهاية المطاف يعوّل كما يبدو على علاقاته مع إيران والحركات الإسلامية أكثر من علاقاته مع دول الخليج، باستثناء قطر. هذا التوجه ليس جديدا في الواقع، إذ تبناه النظام منذ عامه الأول في السلطة عندما انحاز إلى جانب نظام صدام حسين بعد غزو الكويت، وهو الموقف ذاته الذي تبناه عدد من الحركات الإخوانية. لهذا ليس غريبا على منهجه أن تتمسك قياداته العسكرية والأمنية والسياسية بالعلاقات الإيرانية والإخوانية وتقدمها على علاقات ومصالح السودان التاريخية مع محيطه العربي، ومع دول الخليج التي يعمل

فيها 3 ملايين سوداني باعتراف أحد المشاركين في الاجتماع.
علاقات النظام مع الحركات الإسلامية أدخلته أيضا في عداء مع مصر وصل إلى حد التورط في محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عام 1995. وتؤكد الوثيقة المسربة أخيرا أن مشاعر العداء هذه ما تزال كامنة تحت السطح، وربما بدأت تطفو مجددا بعد إطاحة حكم محمد مرسي والإخوان. فالوثيقة تؤكد وجود الإخوان المسلمين المصريين في الخرطوم، ومحاولات النظام لإخفائهم بتوزيعهم في أكثر من مكان، وفي الوقت ذاته مراقبتهم خوفا من اختراقهم، وتكشف أن تركيا هي التي تدفع لهم. وفي حديث أكثر من مسؤول خلال الاجتماع المذكور إشارات تؤكد أن العلاقة مع مصر ستضطرب أكثر مع فرحة النظام في الخرطوم بسيطرة الحركات الإسلامية، التي دعم قسما منها بالسلاح، على طرابلس. بل إن أحدهم تباهى في الاجتماع قائلا إن مصر تعرف ما نستطيع أن نفعله مع قطر وليبيا بعد أن صار زمام المبادرة في أيدي الحركات الإسلامية.
على الصعيد الداخلي تؤكد الوثيقة ما بات معروفا لكل حصيف، وهو أن النظام يتلاعب على المعارضة ويستخدم الكلام عن الحوار والمصالحات لكسب الوقت وتشتيت خصومه. فكل ما يريده النظام، وأكده المشاركون في الاجتماع المذكور، هو استخدام موضوع الحوار الوطني للعب على المعارضة واستخدامها لإعطاء الشرعية للانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة العام المقبل.
الغريب هنا ليس موقف النظام الذي بات معروفا ومجربا، بل موقف المعارضة التي تقع كل مرة في أحابيل النظام وألاعيبه؛ فالكلام عن الحوار والمصالحات ليس جديدا، واللقاءات مع المعارضين باتت تكتيكا معروفا استخدمه النظام بنجاح مرات كثيرة وتمكن به من شق صفوف خصومه. فما الذي يجعل بعض المعارضين يحتفون اليوم بدعوة النظام لحوار يعرفون سلفا عدم صدقه وجديته؟
هذه قصة أخرى تحتاج معالجة وعودة في مقال آخر.
نقلا  عن صحيفة الشرق الاوسط