عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عصام نعمان يكتب : الجميع يسلّمون بأولوية خطر الإرهاب

بوابة الوفد الإلكترونية

من بين الخلافات (وبالتالي الصراعات) التي حفل بها المشهد الإقليمي من الشواطىء الشرقية للبحر المتوسط إلى جبال تورا بوار الأفغانية، احتل الجدل منذ مطالع القرن حول الخطر الأول الذي يواجه دول المنطقة وشعوبها المرتَبة الأولى . الولايات المتحدة و"إسرائيل" وبعض دول أوروبا اعتبرت إيران وقوى المقاومة التي تحالفها هي الخطرَ الأول . سوريا وإيران ولبنان وقوى المقاومة اللبنانية المتحالفة معها اعتبرت "إسرائيل" الخطرَ الأول . ثم ما لبثت هذه الدول، مع تصاعد العنف الأعمى الذي وَسَم ممارسات بعض تنظيمات "الإسلام الجهادي"، أن اعتبرت الإرهاب خطراً موازياً لخطر "إسرائيل" إن لم يكن رديفاً له .

تحديان بزغا أخيراً حملا كبار الفريقين المتصارعين على تعديل موقفهم . فقد أوجدا أرضية مشتركة بينهم هي اعتبار الإرهاب الخطر الأول الذي يواجه دول المنطقة وشعوبها حالياً . التحدي الأول هو الصعود المتسارع لتنظيم "الدولة الإسلامية - داعش" في محافظات غرب العراق: الأنبار وصلاح الدين ونينوى، ومدينة الموصل تحديداً، وإعلانه "دولة الخلافة الإسلامية" فيها، ومن ثم توسعه باتجاه مناطق اقليم كردستان العراق وباتجاه محافظتي ديالي وبغداد العاصمة . التحدي الثاني تجلّى بقيام "إسرائيل" بشن حرب شاملة، برية وجوية وبحرية، على قطاع غزة بقصد إنهاء وجود المقاومة فيه، لا سيما حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي، ما يؤدي في حال نجاحه إلى تصفية قضية فلسطين .
الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون قرأوا في صعود "داعش" وتوسعه خطراً على مصالحهم ليس في العراق فحسب بل في سائر دول المنطقة أيضاً . فقد صدرت بيانات وتصريحات عن قادة "داعش" تشير إلى أن "دولة الخلافة" التي يحمل لواءها تضم، إلى العراق، سوريا ولبنان والأردن والكويت . كذلك تخوفت السعودية من أن تؤدي سيطرة "داعش" على العراق إلى تعزيز تنظيمات "القاعدة" في سائر أنحاء الجزيرة العربية .
إيران التي استشعرت باكراً استعداء "داعش" الجماعات الشيعية في بلاد الرافدين وبلاد الشام تخوفت أيضاً من أن تشجعه سيطرته على العراق على التطلع إلى تحريك الجماعات المعادية لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران نفسها ولا سيما في مجتمعات البالوتش والعرب والكرد . كذلك فقد تخوفت سوريا كما لبنان من أن يؤدي صعود "داعش" وسيطرته على بعض مناطقهما إلى قيام تعاون بينه وبين "إسرائيل" . ألم يُنسب إلى أحد قيادييه قوله إن ثمة حديثاً نبوياً يجيز تقديم الجهاد ضد العدو الأقرب على الجهاد ضد العدو الأبعد؟
إلى ذلك، تخوفت حركات المقاومة في فلسطين ولبنان وسوريا من أن يؤدي صعود "داعش" إلى ترجيح كفة القائلين في عالم العرب بأولوية خطر إيران على خطر "إسرائيل" ما يؤدي تالياً إلى تغوّلها ضد الجميع، عرباً وعجماً . كذلك فقد تخوفت مصر من أن يؤدي صعود "داعش" إلى تعزيز أوضاع الجماعات الإسلامية المتطرفة والإرهابية الناشطة في سيناء . خطر هذه الجماعات سيكون مضاعفاً إذا ما أجاز "داعش" لنفسه أن يتعاون مع "إسرائيل" ضد من يعتقد أنهم يشكّلون على مستوى العرب عموماً الخطر أو العدو الأقرب الأَوْلى بالجهاد والمكافحة .
يبدو واضحاً أن اللاعبين يرون "داعش" الخطر الأول في المنطقة، وقد ترجموا موقفهم في العراق حيث تمّ إقصاء نوري المالكي من رئاسة الحكومة بتسمية واحد من أعضاء كتلته، حيدر العبادي، رئيساً مكلفاً بتشكيل حكومة جديدة لتوحيد مكوّنات البلاد الوطنية في وجه "داعش" . وقد جرى تدبّر الأمر بقيام مجموعة وازنة من "ائتلاف دولة القانون" بتأييد العبادي ما يمكّنه، بالتعاون مع أطراف آخرين في "التحالف الوطني" وجماعة مقتدى الصدر والنواب الأكراد، من تكوين أكثرية تزيد على النصف زائداً واحداً في البرلمان . وكان المالكي يعدّ لمواجهة ما اعتبره

انقلاباً سياسياً دستورياً أمام المحكمة الاتحادية وأمنياً بقوات الجيش والشرطة الموالية له لولا أن الولايات المتحدة وإيران والسعودية وغيرها سارعت إلى تهنئة خلفه فأدرك أن ما كُتب قد كُتب ولا سبيل إلى الرد .
في فلسطين المحتلة، تمكّنت فصائل المقاومة من الصمود في قطاع غزة بوجه "إسرائيل" أكثر من ثلاثين يوماً ما أدى إلى تثبيت أولوية خطر الكيان الصهيوني في المنطقة . فشلُ "إسرائيل" في تحقيق أهداف عدوانها الهمجي ضخَّ مزيداً من الصدقية والقوة في عروق قوى المقاومة وأكره أمريكا على مطالبة "إسرائيل" بقبول وساطة مصر من خلال مفاوضات غير مباشرة مع وفد فلسطيني موحد . مع اندحار "إسرائيل" على أطراف قطاع غزة، أمكن لقوى المقاومة أن تساوي بين أولوية خطر "داعش" وأولوية خطر "إسرائيل" على نحوٍ أصبح الأول رديفاً للثاني .
الولايات المتحدة لا توافق على هذه المعادلة المستجدة، لكنها مضطرة إلى التعامل مع مفاعيلها، وخصوصاً في سياق خلافها "النووي" مع إيران . ما من شيء يشير إلى وجود صفقة متكاملة بين واشنطن وطهران تتناول القضايا العالقة بينهما في المنطقة سواء بشأن العراق أو سوريا أو لبنان أو فلسطين أو سواها . غير أن كلاً منهما يحاول توظيف أولوية خطر "داعش" لمصلحته بشكل أو بآخر .
السعودية تبدو في حال تنسيق تام مع الولايات المتحدة في شأن العراق، لكن ما من شيء ملموس يشير إلى أن إقرارها بأولوية خطر "داعش" في هذه المرحلة سينسحب بمفاعيله على موقفها من سوريا . أما في لبنان فقد أدركت الرياض بسرعة مخاطر هجمة "داعش" الأخيرة التي ألحقت ضرراً كبيراً بجهتين حليفة وصديقة: جماعة أهل السنّة كون عرسال التي اجتاحها "داعش" بلدة سنيّة موالية لحزب المستقبل (سعد الحريري)، والحكومة اللبنانية التي اختطف "داعش" اكثر من عشرين عنصراً من جيشها . كل ذلك حمل الرياض على إيفاد الحريري إلى لبنان حاملاً مبلغ مليار دولار لدعم الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وترميم أوضاع مؤيديه .
حتى قبل أن تخطو السعودية هذه الخطوة اللافتة، كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "الدولية للمعلومات" المستقلة ما بين 19 و30 يوليو/ تموز الماضي عن أن معظم اللبنانيين يعتبرون المجموعات الإسلامية المتطرفة مصدرَ التهديد الأكبر للأمن والاستقرار في البلاد .
هكذا يتضح أن لبنان الصغير، شأنه شأن سائر الصغار وقبلهم الكبار، يعتبر الإرهاب الخطر الأول الداهم عليه وعلى سائر دول المنطقة .