رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصطفى الفقى يكتب : قرنٌ بعد الحرب الكونية الأولى

مصطفى الفقى
مصطفى الفقى


مضت مئة عام على بدء اندلاع "الحرب العالمية الأولى" التي مثلت صدمةً كبرى للبشرية وأحدثت دوياً هائلاً في تاريخ القرن العشرين،

ودفعت بمجموعة من المبادئ الجديدة على الساحة الدولية وكانت بداية ميلاد التنظيم الدولي العالمي والذي تمثل في قيام "عصبة الأمم" وإعلان المبادئ التاريخية للرئيس الأمريكي "ويلسون"، وقد بدأت الحرب كما هو معلوم باغتيال ولي عهد "النمسا" وقد كانت "النمسا" وقتها هي و"المجر" امبراطورية ذات ثقل أوروبي كبير والذي يهمنا بعد قرنٍ كامل من الزمان هو أن نتأمل الشريط الطويل للأحداث الكبرى التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، ولنا هنا بعض الملاحظات نوردها في ما يلي:
أولاً: الأصل في العلاقات الدولية ماضيها وحاضرها ومستقبلها أنها حالة صراعٍ دائم بين الأمم والشعوب، تتضارب فيها المصالح، وتصطدم الايديولوجيات وتظهر الأجندات، واستقراء التاريخ يؤكد لنا أن الصدامات الحالية وحروب الجيران تمثل شريحة كبيرة من أسباب الصراع ودوافعه، فهناك نزاعات الحدود بين الدول بل و"الغيرة القومية" المتأصلة بعداء عميق بين بعض الأمم فضلاً عن تضارب المصالح الاقتصادية تؤدي في مجملها إلى الصدام الذي يصل إلى حد الحرب الشاملة .
ثانياً : لقد انتقل العالم في العقود الأخيرة بعد أن شهد حربين عالميتين خلال النصف الأول من القرن العشرين من مرحلة الحرب الكونية الشاملة إلى "الحروب" الموضعية بسبب النزاعات الإقليمية، وكأنما فطن الكبار أن خسائرهم في الحرب العظمى أكبر من أن يتحملها أي طرف في ظل التطور التقني في الأسلحة ودخول العالم عصر "الترسانة النووية" بمخاطرها المعروفة واحتمالاتها غير المتوقعة، فالكل يعرف كيف تبدأ الحرب ولكن لا أحد يستطيع أن يتنبأ متى تنتهي وكيف؟ وقد تكون الحرب المحدودة بين دولتين تفصل بينهما آلاف الأميال مثلما حدث في حرب "الفوكلاند" بين "الأرجنتين" و"بريطانيا" في ظل زعامة "مارجريت تاتشر"، فالصراعات لا تعرف الحدود أو المسافات إذ إنها يمكن أن تكون أيضاً عابرة للقارات .
ثالثاً : إن دخول "العصر النووي" بعد مأساة "هيروشيما ونجازاكي" التي أسدلت الستار على الحرب العالمية الثانية تحول في ذات الوقت إلى مانعٍ قوي يؤدي إلى اختفاء الحروب الكونية، إذ إن التوازن النووي وامتلاك القوى الكبرى لترسانة من الأسلحة الفتاكة قد أدى بالضرورة إلى المخاوف المتبادلة التي تصنع الرغبة المشتركة في رفض الحروب والابتعاد عن المواجهات الكونية لأن "الحرب النووية" في ظل "أسلحة الدمار الشامل" ليس فيها غالبٌ أو مغلوب ولكن فيها فناءٌ حقيقي للبشرية! من هنا فإن الاستعداد المتبادل للحروب هو أكبر مبرر لانتفائها .
رابعاً : إن قاعدة القانون الدولي المعاصر لاتزال منقوصة، وبها عوارٌ معروف إذ لا تساندها قوة إلزامية إلا من خلال دول تفرض سيطرتها على الغير وتستعرض قوتها وهي مغطاة أحياناً بقرارٍ من مجلس الأمن وأحياناً أخرى بمنطق التدخل وفقاً للقانون الدولي الإنساني، لذلك فإن محنة "التنظيم الدولي المعاصر" قد أضعفت من هيبة المنظمة الدولية الأولى، فقد خنقت قاعدة الإجماع "عصبة الأمم" كما أجهض حق "الفيتو" "الأمم المتحدة"، وبذلك تنامت الصراعات وأصبح دور "التنظيم الدولي" مجرد التسكين دون المضي في الحلول الجذرية للمشكلات واجتثاث جذورها . دعونا نتذكر بعض القضايا المزمنة مثل "مشكلة فلسطين" وقضية "كشمير" وغيرهما مما يتسبب في الحروب الموضعية من وقتٍ لآخر وينال من قيمة ومكانة وهيبة "التنظيم الدولي المعاصر" . وإذا كانت "عصبة الأمم" هي نتاجٌ للحرب العالمية الأولى كما أن "الأمم المتحدة" هي نتاج للحرب العالمية الثانية إلا أننا

مازلنا نتطلع إلى محاولات دولية ناجحة لتعظيم دور "الأمم المتحدة" وإعطائها قوة دفع تعيد للمجتمع الدولي هيبته التي تنتفي معها الحروب وتتنامى سياسات الحد من التسلح على المستوى الدولي كله .
خامساً : إن الصراعات الدولية لا تختفي، كما أن استعدادات الحروب لن تتوقف، بل إن كل المؤشرات توحي بتزايد حجم الإنفاق العسكري بصورةٍ غير مسبوقة، وإذا كانت قوة الردع المتبادل قد أبعدت شبح الحرب الكونية، إلا أن البشرية استعاضت عنها بالصراعات المذهبية والمواجهات السياسية والحروب الإقليمية، ولقد وقف العالم على حافة الحرب في مناسباتٍ عديدة نذكر منها المواجهة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية حول دور "كوبا" في ما سمي بأزمة "خليج الخنازير"، كذلك أدى السباق المحموم في إنتاج أسلحة الدمار الشامل نووية أو كيماوية فضلاً عن التنافس الشديد في أبحاث الفضاء وصناعة الصواريخ التي يمكن أن تحمل رؤوساً نووية إلى صورةٍ معقدة وأوضاع متشابكة، وإن كان هناك من يقول إن التهديد بالحرب هو أكثر الضمانات لمنعها، وقديماً قالوا إن تزايد الاستعداد للحرب يبعد شبحها!
. .هذا طوافٌ سريع بملاحظاتٍ خمس ترتبط بقضايا السلم والأمن الدوليين وتوضح بجلاء أن احتمالات الحرب الكونية قد لا تتحقق ولكن البديل عنها هو صراعٌ عالمي بين التطرف الديني في الشرق أمام الحضارة الغربية بأمراضها ومشكلاتها وهو ما تعارف المجتمع الدولي على تسميته بالحرب على الإرهاب وشيوع حالات التمرد ورفض الواقع في أنحاء متفرقة من المعمورة . إن ذكرى اندلاع الحرب العالمية الأولى واستقراء قرنٍ كامل من عمر الزمان توضح في مجملها أنه لا أمان دائم ولا أمن مستمر ولا استقرار قائم ما دام الصراع جزءاً من فلسفة الوجود وقوانين الحياة، فالملايين التي سقطت في "الحرب العالمية الأولى" والملايين الأخرى التي سقطت في "الحرب العالمية الثانية" تقف جنباً إلى جنب مع مئات الألوف من الضحايا في الحروب الإقليمية أو النزاعات التي تحصد الأرواح من دون تفرقة، فالحروب "دمٌ ودموعٌ وعرق" على حد التعبير الشهير للداهية "ونستون تشرشل" الذي قاد "بريطانيا" للانتصار في "الحرب العالمية الثانية" وفاز عليه زعيم حزب العمال "كليمنت أتلي" بعد الحرب مباشرةً عندما قال البريطانيون إن "تشرشل" قد كسب الحرب ولكننا نبحث عمن يكسب السلام .

نقلا عن صحيفة الخليج