رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حسام عيتاني يكتب : محاولة في رواية «الفتنة» اليوم

بوابة الوفد الإلكترونية

يتغامز ولداي في ما بينهما عند محاولتي شرح الصراع السني - الشيعي الراهن، تغامز المشفقين على غفلة الغافل او المغفل. ذاك ان مهمة نقل حمولات التاريخ الملتبس الى عقلين شابين لم يصابا بلوثة الصور النمطية والأحكام الجاهزة، اصعب مما تبدو

.

تبدأ المحاولة من الحاضر، بحديث في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط. مواقع الدول ومصالحها وتاريخها الحديث. تطلعاتها وأزماتها واقتصاداتها. الحروب التي خاضتها في العقود الماضية وما خلفته من آثار في مجتمعاتها. الغزو العراقي للكويت ثم الاحتلال الأميركي للعراق بعد عقد ونيف. تبدأ المشاكل في الظهور عند الوصول الى مكونات هذه الدول وشعوبها. ما هي الطوائف؟ كيف ظهرت؟ لماذا تتدخل في السياسة؟ ما علاقة رجال الدين بالقبائل في العراق؟ لماذا زعيم «حزب الله» رجل دين معمَّم؟

تقود الشروحات «الموضوعية» الى مزيد من الأسئلة البريئة الى حدود الإزعاج. فهمنا ان ايران والعراق خاضا حرباً مدمرة وأن الأولى تحاول منع تكرار الحرب عليها من خلال الهيمنة على الثاني، ولكن ما دخل ايران في لبنان؟ فلسطين؟ الزحف الى القدس؟ وما علاقة كل هذا بميشال عون؟

تتسع ابتسامة اليافعين عند الانتقال الى الخلفيات التاريخية. علاقة القوميات في الدول الإسلامية بالدين معضلة اخرى تستوجب الشرح. لماذا تحولت ايران الى التشيع؟ فلتتشيع وما هي المشكلة؟ ثم هناك «مصيبة» المذاهب. لماذا ظهرت؟ وإذا كان الاختلاف رحمة، ما الهدف من كل هذا التقاتل؟ وما اهمية ان يكون الأتراك على المذهب السني الحنفي والإيرانيون خصوم الأتراك اختاروا التشيع؟

ولا مفر من العودة الى الأصل. الى الأيام الأولى للخلاف بين السنة والشيعة. هنا تتسع الحدقات وتنفتح الأفواه دهشة. كيف السبيل الى كشف الرابط السري بين ما جرى قبل 1400 سنة وبين صراعات الحاضر؟ الاستنكار وعدم التصديق هو ما يقابله كل من يسعى الى تفسير حالة المشرق العربي اليوم بالاستناد الى المرويات التاريخية.

الفارق بين هذه المحادثة وبين ما سجله الطاهر بن جلون في كتابه «العنصرية كما شرحتها لابنتي» يتمثل في ان العنصرية ظاهرة يمكن العثور على مسبباتها والمؤثرين والمتأثرين فيها في الحاضر والمحيط. والأمثلة عليها والشروحات اللازمة لها لا تتجاوز معطيات الواقع والتاريخ البشري التقليدي. ماضي الظاهرة وحاضرها وخلفياتها قابلٌ كله للإحاطة «العقلانية» اذا صح التعبير، ضمن مقولات اطنبت العلوم الاجتماعية والسياسية في درسها وفهمها وتعميمها. الخلفيات الاقتصادية والاستغلال السياسي واللعب على اوتار الخوف من الغرباء والأجانب والمختلفين، وسوى ذلك من مكونات العنصرية لم تعد تفاجئ احداً او تثير استغراباً ما دامت الظاهرة وضِعت في سياقاتها الثقافية والتاريخية والسياسية الصحيحة.

في وضعنا، يختلف الأمر اختلافاً بيّناً. فنحن نتحدث في شأن راهن وملموس لكن خلفياته تقع في المجال المقدس. صراعاتنا نخوضها نحن، لكن باسم اولياء وصحابة وخلفاء وأمراء وشخصيات فوق النقد والتناول التاريخي العادي. والحال ان هذه الهوة بين المقدس والسياسي اليومي، بين الديني والعادي، تحول دون عقلنة الخلافات السياسية التي يفترض انها تدور بين بشر فانين، تحركهم مصالح وطموحات ونوازع ورغبات ارضية.

وترتطم كل الجهود الهادفة الى تقديم تفسير موضوعي للصراع السني -

الشيعي الحالي بالرواية الدينية المؤسسة، ما يخرج الصراع فوراً من حيز الإدراك «العلمي» ويعيده الى السرديات الغيبية. معلوم ان مؤلفات كثيرة درست الفتنة في العهد الإسلامي المبكر، وضعها باحثون لامعون في العالم العربي وفي الغرب وقدمت رؤى تستند الى حركية الجماعات وتطورها وانتماءاتها القبلية والجهوية والحساسيات السابقة للنبوة وأثرها في تبلّر الخلافات التي افضت الى ما افضت اليه من انقسام واحتراب. ومعلومة ايضاً التفسيرات التي لا تفتقر الى الوجاهة والتي تتناول نشوء المذاهب ونجاحها في مناطق دون غيرها وملامستها مصالح المؤمنين من اهالي البلاد المفتوحة والأمصار، وجدل الملّة المعارضة والسلطة القائمة. تضاف الى ذلك، الدراسات التي تناولت تأسيس الدولة العربية - الإسلامية وما كانت تمثل بالنسبة الى النخب الدينية والعسكرية وآراء المؤرخين المسلمين وغير المسلمين في هذه الصيرورة.

بيد ان كل ذلك لا يكفي للإجابة عن سؤال يطرحه احد اليافعين: ما علاقة هذه الأحداث المغرقة في القدم بما يجري اليوم؟

لمتفذلك أن يلجأ الى لوم قوى خارجية على اشعال حروبنا الأهلية، كأن يقول ان الغزو الأميركي للعراق هو أس البلاء، أو ان يستسهل لوم ايران على اطماعها التوسعية. اما الصهيونية العالمية فجاهزة دائماً لخدمة هذه التفسيرات البتّارة. ولكن، في واقع الأمر، لا تقدم هذه الآراء أية اضافة في البحث عن سبب هذا التعلق بالماضي.

لن يشفي الغليل نسخ طروحات ماكس فيبر او علم اجتماع الأديان عموماً للفصل بين صراعات اليوم وفتنة القرن الهجري الأول. وستبدو قاصرة قصوراً شديداً محاولات التفسيرات الاقتصادوية النظر الى اوضاع بادية الشام وفتاوى الجهاد من منظور الصراع الطبقي والمستغلِين والمستغلَين.

الأرجح أن ما من تفسير سحري يقوم على معطى واحد يكفل فض هذه الشرنقة من الغوامض والتداخلات والانتقالات بين الحاضر والماضي، وأن الأقرب الى الصواب هو اخذ حزمة من التفسيرات المتضافرة لمقاربة دقيقة تفيد في بناء صورة قادرة على اقناع اجيال الشباب العرب بأن ما يدور حولهم قابل للفهم والتفسير في منأى عن التلاعن والتشاتم ونبش قبور الموتى.

نقلا عن صحيفة الحياة