رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

سليمان تقي الدين يكتب : العراق وحروب التفتيت العربية

سليمان تقي الدين
سليمان تقي الدين


الانطباع الذي يتكون عن الوضع العراقي بحصيلة المواقف الإقليمية والدولية أننا اقتربنا من نهاية الفصل الأخير من محنة هذا البلد .

الواضح أن الأمريكي لا يريد أن يكون طرفاً فاعلاً عسكرياً وأن يتورط مجدداً في حرب هذه المرة يصفها بالنزاع الأهلي الطائفي . أي أنها لا ترتقي إلى مستوى استراتيجي أمني إلاّ بحدود ما تساعد على تنمية مواقع "الإرهاب" بحسب الطبعة الأخيرة من تعريفه للإرهاب وتحديد أطرافه . ما يهم الأمريكي أن يضمن بصورة أو بأخرى خضوع الثروة النفطية لمرجعيات آمنة ولو اضطر إلى المساومة السياسية مع القوى التي تقوم على حراسة هذه المصلحة العليا . السياسة الأمريكية انعكست برودة تجاه ملفات المنطقة بعدما أذعن الآخرون للسقف الأمني أو العسكري الذي رسمته هذه السياسة وتحديداً تجاه الملف النووي الإيراني والملف الكيماوي السوري باعتبارهما خطرين على "إسرائيل" .
وعلى العكس من كل تقدير عن انحياز أمريكي في الصراع على السلطة إلى هذا أو ذاك من المكونات المحلية فهو ينحاز إلى الطرف الذي يقدم له الضمانات الواقعية التي تعكسها موازين على الأرض . ولعل الدليل الأكبر على ذلك تنامي العلاقات الأمريكية الإيرانية بعد اختبار نتائجها في أفغانستان والعراق حيث جرى صرف النفوذ الإيراني مقدمة للتفاهم مع الأمريكي على دور أمني ونفوذ في المدى الإقليمي تجلت نتائجه في العراق وفي سوريا .
هذه الصورة التي أقلقت الكثيرين من صفقة أمريكية إيرانية تمتد في العراق وبلاد الشام وربما تكون لها تداعيات على دول أخرى لاحقاً هي صورة واقعية من غير الحسم في احتمالات ثباتها وعدم تعرضها إلى متغيّرات، كانت أحداث وسط وغرب العراق إحدى مظاهرها .
الجميع يعرف العلاقات المتوترة والمتفجرة المتراكمة بين وسط وغرب العراق والسلطة المركزية في بغداد بما في ذلك الأمريكيون الذين نصحوا بالحوار السياسي والوطني والاستجابة لشكوى المعارضة . لكن سلطة بغداد أمعنت في خيارات مناقضة لوحدة العراق وخلقت هذه البيئة التي جعلت حركة مثل "داعش" تتصدر واجهة العمل العسكري وأن تحظى بنوع من غض الطرف في البيئة التي تدفع ثمن تصرفاتها المتطرفة في تكفير ومعاقبة مجتمعها هي قبل الآخرين . المهم هو أن أزمة الوحدة الوطنية العراقية عميقة وتتجذر كل يوم وإذا كان هناك من ظلال "للمؤامرة" ومن عمل خفي مدّبر خارجي فهو ليس العنصر الحاسم في الحدث العراقي الآن . تلك "المؤامرة" التي تبدو الآن إذا كان لها من دور غير مفهوم وغير قابل للتصنيف بين الاتهامات المتبادلة الإيرانية العربية . فلكل حدث بهذا الحجم قوى تستفيد منه وتوظفه لمصلحتها سواء إيران في حالة العراق في تطلعاتها لمشاركة أمريكا في "الحرب على الإرهاب" أو العرب الذين يعتقدون أن العلاقات الأمريكية الإيرانية تتم على حساب أمنهم وهويتهم ومصالحهم . كل ذلك يقودنا إلى السؤال عن مستقبل العراق بعد هذا الانتظار الكبير الذي لا نجد

فيه أي تواصل سياسي فعلي بين المكونات السياسية والشعبية وقد ارتفعت فيه الخطابات الدينية المذهبية . ما يجري في العراق بعد الاحتلال نموذج حاسم على اتجاه قوي نحو الهويات البدائية المذهبية والعشائرية والجهوية وعلى انحطاط الثقافة السياسية إلى دائرة العنف الأهلي وغياب أي مشروع سياسي وطني توحيدي خاصة مع مستوى التدخل الخارجي لاسيّما الإيراني الذي ينطوي هو الآخر على بعدين نابذين هما المذهبية والقومية .
في الواقع لم يعد العراق وحيداً في هذا المسار بحيث لا تكون ارتدادات أزمته محدودة في المنطقة . اشتعلت جبهات عدّة في المنطقة خاصة في سوريا تأخذ نفس البعد الاستقطابي ما يجعل الحديث عن أزمة العيش بين الجماعات والمكونات أكثر صعوبة من ذي قبل إن لم نقل إنها شارفت على الانفصال . ففي لبنان الذي توقفت حربه الأهلية منذ ربع قرن مازالت إمكانات صياغة وحدته البسيطة متعذرة بسبب طبيعة القوى السياسية التي نحت باتجاه طائفي جذري .
وفي كل هذه البلدان المنقسمة على ذاتها والداخلة في فوضى أمنية هناك مصالح خارجية واضحة إقليمية ودولية في إدارة هذه النزاعات لا إطفائها . فليس مهماً ما تصرح به هذه القوى عن رغبتها بالاستقرار والحلول السياسية طالما أن مصالحها مضمونة ومصانة وخاصة من الفرقاء الأقوياء في الميدان .
إلاّ أن مثل هذه الحروب لا تنتهي إذا ما جرت تفاهمات بين طرف دولي وآخر إقليمي على التعاون ولو كان ذلك يشكل كابحاً قوياً أو يرسم سقفاً لبعض القوى المعترضة . إن حجم الفوضى وضعف الدول والمؤسسات في البلدان العربية المشار إليها يجعل النزاعات الأهلية هي الأقوى والأكثر تقريراً لمصائر هذه الشعوب والدول لا "الشرطي الإقليمي أو الدولي" . لذلك هناك خشية حقيقية من أن تشتعل المزيد من المواجهات ونسير أكثر في اتجاه تفكيك هذه الدول العاجزة عن إدارة اجتماعها السياسي بالحد الأدنى من السلم والعدالة .