رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خليل العناني يكتب: تفكيك الخطاب الديني للمشير السيسي

خليل العناني
خليل العناني

يقوم المرشح الرئاسي المشير عبدالفتاح السيسي باستدعاء مكثف للدين في حواراته ولقاءته في شكل لافت ومكرر. ولا يكاد يخلو حديث أو تعليق للرجل من استحضار وتكرار للآيات القرآنية والأحاديث النبوية من أجل دعم موقفه السياسي، أو إبراز وجهة نظره في قضايا بعينها كالمرأة والسياحة وغيرها.

بيد أن ما يسترعي الانتباه ليس فقط استدعاء السيسي الدينَ قولاً واستشهاداً، وإنما ما يبدو وكأنه «مشروع» ديني ضامر ذو نزعة أيديولوجية تعكس رؤية معينة للحياة والكون ربما يحاول السيسي تطبيقها أو فرضها على المجتمع إذا أصبح رئيساً.
تفكيك الخطاب الديني للسيسي وفهم محتواه ودلالاته يتطلب إلقاء نظرة سريعة على نشأة الرجل ومعرفة تأثيرها في تكوينه المعرفي والفكري. وفي ضوء ما هو متاح من معلومات حول السنوات الأولى من حياة السيسي، وهي معلومات قليلة، سنكتشف أنه نشأ في منطقة الجمالية (حارة البروقية) القريبة من حي الحسين الذي يعد من أبرز المعالم الدينية في القاهرة، والذي تحيط به مجموعة كبيرة من المساجد والزوايا التي يمارس فيها الكثير من الشعائر والطقوس الدينية.
ومن الواضح أن نشأة السيسي داخل هذه الحاضنة الاجتماعية قد صاغت أفكاره ورؤيته الدينية في شكل أو في آخر. ومن الملفت أن السيسي ينتمي للعائلة نفسها التي جاء منها عباس السيسي، أحد القادة التاريخيين لجماعة «الإخوان المسلمين» والذي لعب دوراً مهماً في إعادة إحيائها في السبعينات. وقد حاول البعض الربط بين الرجلين (عبدالفتاح وعباس السيسي) بعد أن اختاره الرئيس محمد مرسي وزيراً للدفاع في آب (أغسطس) ٢٠١٢ وهو ما نفاه نجل عباس السيسي.
تخرج السيسي في الكلية الحربية عام ١٩٧٧ في وقت كانت الجماعات الإسلامية في أوج نشاطها الحركي والدعوي في الجامعات والمعاهد المصرية، وكان لها مؤيدون ومتعاطفون داخل الكليات العسكرية.
وقد بدأت أولى ملامح الخطاب والسلوك الديني للسيسي أثناء سفره إلى الولايات المتحدة عام ٢٠٠٤ للحصول على زمالة كلية الحرب العليا الأميركية في بنسلفانيا. وقد بدت ميوله الدينية بوضوح ليس فقط من خلال سلوكه المحافظ، والذي تشير إليه إحدى أساتذته في الجامعة، وإنما أيضاً من خلال مضمون أطروحته البحثية التي حملت عنوان «الديموقراطية في الشرق الأوسط»، والتي يشدّد فيها السيسي على أهمية الثقافة والدين في الحياة العامة وتأثيرهما في مسألة الديموقراطية في العالم العربي. وهو ما جعل البروفيسور روبرت سبرنغ بورغ، المختص في دراسة العلاقات المدنية - العسكرية في مصر، يتوقع أن يحاول السيسي إقامة نظام خليط ما بين الإسلاموية والعسكريتارية. في حين تشير خطابات السيسي ولقاءاته منذ أن أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية، إلى احتلال الدين مكانة رئيسية في الرسائل التي يحاول إيصالها إلى الجمهور.
وبوجه عام، فإن تحليل الخطاب الديني للسيسي وتفكيكه يكشفان أموراً عدة:
أولاً: أن تدين السيسي يتجاوز النزعة التدينية المحافظة التي تسم شريحة معتبرة من المصريين المعروفين بنزوعهم التقليدي نحو الدين إلى نوع من التدين «التنظيمي». ونقصد بذلك أن المعرفة الدينية للسيسي ليست مجرد معرفة سطحية، أو اختزالية كما هي الحال مع غالبية المصريين والتي جاءت نتيجة لموجة «السلفنة» والتدين الشعبي التي حدثت خلال العقد الماضي، وإنما هي معرفة تنظيمية تعكس مقداراً واضحاً من التنشئة الدينية داخل المحاضن الإسلاموية.
ثانياً: خطاب السيسي يكشف أن لديه رؤية دينية متماسكة تتجاوز الشعارات العامة ومغازلة الجمهور المتدين المحافظ في مصر للحصول على تأييده، إلى العمل على فرض تصور ونمط معين للحياة. وهو ما أكده السيسي في تصريح له أخيراً يشير فيه إلى ضرورة أن يكون للدولة وقائدها دور في حماية الدين والقيم والمبادئ في المجتمع.
ثالثاً: الخطاب الديني للسيسي فيه مقدار عال جداً من التسييس وهو ما يتضح على مستويين. الأول هو مستوى التوظيف السياسي للدين من خلال التشديد على دوره في الحياة العامة وصياغة سلوك الناس وأفعالهم، والثاني كأداة في الصراع مع جماعة «الإخوان المسلمين». لذا، لم يكن غريباً أن يصرح السيسي أنه قام بانقلاب ٣ تموز (يوليو) «من أجل إنقاذ الإسلام ومصر من الإخوان». ومن المفارقات أن السيسي يبدو كأنه قد وقع

في الإشكالية نفسها التي ينتقد بها جماعة «الإخوان» وهي استخدام الدين في الصراع السياسي.
رابعاً: الفهم الديني للسيسي يغلب عليه الطابع الأرثوذكسي التقليدي مع مسحة شعبوية تستبطن النزعة الصوفية (الرؤى والأحلام والبشارات) من جهة، والمحتوى السلفي من جهة أخرى. وهو ينتمي إلى مدرسة العقل الإحالي وليس التأويلي في فهم النصوص وإنزالها على الواقع.
خامساً: الخطاب الديني للسيسي هو خطاب دولتي فوقي بامتياز. فنشر الوعي الديني هو مسؤولية الدولة وأجهزتها. وهنا يشير السيسي إلى أن الدولة مسؤولة عن نشر «الوعي الديني الصحيح» بين المواطنين وذلك من أجل مواجهة الفكر المتطرف وفق قوله. وهو يكرر دائماً مقولة ضرورة تجديد الخطاب الديني، واستخدامه كأداة لنزع الشرعية عن الجماعات الإسلامية، خصوصاً «الإخوان».
من الواضح أن استخدام السيسي الخطاب الديني يتم في شكل ذكي. ويبدو أن جزءاً مهماً من الصراع بينه وبين «الإخوان» يدور حول الدين ليس فقط أنطولوجيا وأيديولوجيا (أي الفهم والتصورات والرؤى الذهنية) وإنما أيضاً لما يمثله من رأسمال اجتماعي ورمزي وروحي في الصراع السياسي والاجتماعي ومحاولات الهيمنة على المجال العام. لذا، ربما يحاول السيسي بناء كتلة اجتماعية مضادة لكتلة «الإخوان» يستثمر فيها تدينه ورؤيته المحافظة لشكل الدولة والمجتمع ومنظومة القيم الحاكمة. في حين يشير الالتزام الديني للسيسي بأن ثمة أخطاراً حقيقية ستواجه الحريات الشخصية، بخاصة فيما يتعلق بالحريات الدينية وحرية الاعتقاد. ولن يكون مفاجئاً أن يتبنى السيسي خطاباً متشدداً تجاه الأقليات الدينية الأخرى. كذلك من شأن بروز الخطاب الديني للسيسي أن يزيد الصراع مع الجماعات الإسلامية المتشددة التي ستضيف إلى أسباب خلافها معه الخلاف العقائدي وهو ما قد يزيد فرص عدم الاستقرار في البلاد.
وتظل المفارقة الأبرز في ما يخص ظاهرة تدين السيسي، هي موقف القوى الليبرالية والعلمانية، والتي يبدو أن بعضها قد أصيب بحالة من الإحباط والصدمة من الحضور الطاغي للدين في خطاب السيسي وأحاديثه. ويبدو أن صراعهم مع «الإخوان» قد منعهم من التعبير عن هذه الصدمة حتى لا يعطوا هذه الأخيرة فرصة للتشفي بهم. فكثير من أولئك الذين دعموا انقلاب 3 يوليو قد فعلوا ذلك تحت ذريعة التخوف من قيام «الإخوان» بتحويل مصر إلى دولة ثيوقراطية، ناهيك عن انتقاداتهم لما اعتبروه تضييقاً على الحريات الشخصية والدينية في عهد الرئيس محمد مرسي.
ربما لن يسعى السيسي، إذا أصبح رئيساً وهو المرجح، إلى تحويل مصر إلى دولة دينية على غرار النمط الإيراني، أو الباكستاني كما حدث في عهد الجنرال محمد ضياء الحق أواخر السبعينات وطيلة الثمانينات، لكنه قطعاً لن يبني دولة مدنية ديموقراطية حرة يتمتع فيها الأفراد بحرياتهم الشخصية من دون وصاية من الدولة ورئيسها.

نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط