رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

د . محمد الصياد يكتب : المثقفون وجدل الموقف

بوابة الوفد الإلكترونية

ما زالت علاقة النخب بالسلطة في عالمنا العربي ملتبسة منذ الاستقلالات الوطنية، بدءاً من مطلع النصف الثاني من القرن العشرين الماضي وحتى اليوم . وسبب استمرار هذا الالتباس المتجسد في التأويلات المختلفة لهذا الالتباس

ناجم عن جملة من العوامل التي يتصدرها التشكك وانعدام الثقة وانكشاف المثقف أعزل من أي نوع من أنواع الحصانة، بما فيها الحصانة الحقوقية-المدنية التي كفلتها له المواثيق الدولية، وضغط دواخل منابته الطبقية وجذور مختلف أنواع العصبيات (الجهوية والقبلية والطائفية . .الخ) الخادعة بكمونها الظاهر وتحفزها الباطن . ولعل هذا ما يجعلهم لقمة سائغة لدى كافة مراكز القوى صاحبة القرار أو النفوذ أو التأثير في مجتمعاتها التي لم تنجز بعد مهام سيطرتها على مقدراتها وعلى مصادر تراكمها الرأسمالي وتوظيفاته .
في هذا السياق ربما صبت تصريحات رئيس الوزراء الجزائري عبدالمالك سلال خلال لقائه بممثلي منظمات المجتمع المدني في ولاية تلمسان، باعتباره رئيساً لحملة إعادة انتخاب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة . فقد هاجم الوزير الأول الجزائري من سمَّاهم ب"النخبة المثقفة"، متهماً إيّاهم "بدفع المجتمع الجزائري نحو اليأس والاكتفاء بالانتقاد فقط، المضر بمصلحة الجزائر، عوضاً عن تحمل المسؤولية والانخراط في الشأن العام والحضور الميداني والعمل الجماعي، ودأبهم على التقليل من قيمة جهود التنمية التي تبذلها الحكومة" .
إنها، كما تلاحظون، اتهامات لاذعة تمس أنساق قيم ومناقبيات المثقفين الجزائريين، ومن خلالهم جميع المثقفين العرب الذين هم، افتراضاً، على شاكلتهم . .باعتبارهم مجرد "قوّالين"، لا يحسنون العمل بقدر ما يحسنون "هندمة" وتفخيم الكلام .
فهل هم كذلك حقاً؟
دعونا أولاً نقرر في ضوء التجربة الواقعية التاريخية، أن هذه الاتهامات أو التقولات بحق المثقفين العرب، ليست جديدة . إنها ذات التقولات والتهجمات التقليدية التي ما انفكت ترددها السلطات المعنية بالدفاع الأمني والإعلامي عن أداء الحكومات .
ومع ذلك فإن الموضوعية تقتضي الإقرار بأن اجترارها من قبل السلطات القائمة على تسيير شؤون الحكم في بلداننا، لا ينهض مبرراً ومسوِّغاً لرد دعواها ونقضها تعسفاً . فليس كل دفعها مرسلاً، ففيها ما هو جدير بالتصديق، والنقد أيضاً . نعم هنالك خطاب تثاقفي متعالٍ وآخر مرتبك، محض سياسي، غير مؤسس على علم الاقتصاد التنموي للمجتمعات وشروط استدامته، فضلاً عن انتسابه الى ضروب التنظير الرغائبي المقطوع عن واقعه وعن فرص نجاح تطبيقاته .
بل إن هناك "أسراباً" متناسخة من رهط المثقفين الذين قرروا بمحض إرادتهم التخلي عن وظيفتهم التنويرية والاستدارة الكاملة للانتقال الى ضفاف موالاة أصحاب الغلبة والجاه والنفوذ، وذلك تحت ضغط آلة الترغيب والترهيب التي كلما ازداد ضجيجها كان ذلك إيذاناً بتساقط مزيد من "الأوراق" .
ومع ذلك فإن الموضوعية ذاتها تقتضي منا الإقرار بحقيقة أن الأغلبية الراجحة من النخب العربية المثقفة متصالحة مع نفسها، ومع أنساق القيم المتشربة بها، في رفضها الهادئ لكل أشكال الإغراءات والمساومات والضغوط، إظهاراً لالتزامها بمناقبياتها وضمائرها قبل انحيازاتها العصبية (مرجعياتها الوضعية وغير الوضعية) .
فليس من الإنصاف والحال هذه، أن يوجه رئيس الوزراء الجزائري عبدالمالك سلال، كل تلك النعوت للمثقفين الجزائريين، فقط لأنهم يميلون لترجيح وجهة نظر المعارضة الجزائرية فيما يتعلق بإعادة تجديد وصياغة مستقبل الجزائر على أسس أكثر حداثةً ومعاصرةً ومواكبةً لاستحقاقات التغيير وتحديات الحاضر والمستقبل .
كرئيس لحملة إعادة انتخاب الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، يملك رئيس الحكومة الجزائرية عبدالمالك سلال، كل الحق في الدفاع عن استمرار الرئيس بوتفليقة في الحكم اعتباراً بمخاطر وأهوال الفراغ السياسي الذي يمكن أن يخلفه غيابه على المشهد الجزائري العام، على النحو الذي أصاب عديد المجتمعات العربية التي "غامرت" بمحاولاتها استبدال القديم بالجديد المجهول، وأن يدفع بما يشاء من مبررات انتصاراً لوجهة النظر هذه . بل ويمكنه تذكير الجزائريين بإنجازات عهد الرئيس بوتفليقة ومنها القضاء على التمرد الإرهابي المسلح توازياً مع نجاح برنامج المصالحة الوطنية، وإطفاء الديون الخارجية للجزائر، ومراكمة احتياطيات جيدة من العملة الصعبة لدى البنك المركزي، وإطلاق عدد من المشاريع التنموية الرئيسية، إضافة إلى قيادة السفينة الجزائرية إلى بر الأمان وسط عواصف "الربيع العربي" التي ضربت المنطقة على مدى السنوات الثلاث الماضية .
ولكننا نزعم بالمقابل، أنه، أي السيد عبدالمالك سلال، لم يكن مضطراً لفتح معركة غير ضرورية مع معشر المثقفين الجزائريين الذين يعدون إحدى الواجهات الحضارية التي تتزين بها الدول المعاصرة، وإحدى الديناميات الفاعلة في سيرورة العمل التنموي الكلي، على صعيده الأهم: المورد البشري .
نقلا عن صحيفة الخليج