رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حسن نافعة يكتب : مستقبل جماعة «الإخوان» والمؤسسة العسكرية

بوابة الوفد الإلكترونية

يخيم في مصر الآن شعور عميق بالقلق على المستقبل بسبب طبيعة الصراع السياسي الدائر فيها. ولأن مستقبل العالم العربي يتوقف على الطريقة التي سيحسم بها هذا الصراع

لم يعد الشعور بالقلق على المستقبل المصري مقتصراً على الشعب المصري فقط وإنما بدأ يجتاح الشعوب العربية كافة التي تدرك الآن أكثر من أي وقت مضى أن مصيرها بات معلقاً بالفعل على ما سيحدث في مصر.
لقد أظهرت الأحداث التي تعاقبت منذ اندلاع ثورة 25 يناير الكبرى التي نجحت في الإطاحة برأس نظام حسني مبارك في 11 شباط (فبراير) من عام 2011، أن في مصر كتلتين كبيرتين منظمتين، هما جماعة «الإخوان» والمؤسسة العسكرية، وأن شكل النظام الجديد سيتوقف على صيغة العلاقة التي يمكن أن تقوم بينهما، وأن هذه الصيغة ستتوقف بدورها على موقف القوى السياسية التي لا تنتمي إلى هذه الكتلة أو تلك وتقف على مسافات مختلفة منها. ولأن هذه القوى لا تشكل كتلة سياسية موحدة أو حتى متجانسة، فمن الطبيعي أن تتذبذب مواقفها وأن تلعب دوراً متأرجحاً ومرجحاً لحسم الصراع لصالح هذه الكتلة أو تلك في هذه المرحلة أو تلك. وهذا هو ما حدث بالفعل حتى الآن. فعندما قررت قطاعات واسعة من الشعب المصري إتاحة الفرصة أمام جماعة «الإخوان» لخوض تجربة الحكم، وهو ما عكسه تصويت الناخبين في استفتاء آذار (مارس) 2011 على التعديلات الدستورية وفي انتخابات مجلسي الشعب والشورى التي أجريت في العام نفسه وفي الانتخابات الرئاسية التي أجريت في العام الذي تلاه، بدا أن الصراع على السلطة حسم موقتاً على الأقل لمصلحة جماعة «الإخوان»، ومن ثم كان من الطبيعي أن تنتهي المرحلة الانتقالية الأولى التي أدارتها المؤسسة العسكرية بتسليم السلطة رسمياً إلى الدكتور محمد مرسي، الرئيس «الإخواني» المنتخب. غير أن الأخطاء القاتلة التي وقعت فيها الجماعة إبان الفترة القصيرة التي حكم فيها مرسي دفعت بقطاعات واسعة من الشعب المصري إلى تفجير انتفاضة على حكم «الإخوان»، وهو ما جسده خروج الملايين إلى الشوارع في 30 حزيران (يونيو) للمطالبة بانتخابات رئاسية جديدة. ولأنه لم يكن بمقدور رموز هذه الانتفاضة أن يستولوا بأنفسهم على السلطة، فقد كان من الطبيعي أن يرحب هؤلاء الرموز بتدخل المؤسسة العسكرية التي قررت عزل مرسي والانحياز إلى «خريطة الطريق الجديدة». وفي سياق كهذا يبدو واضحاً أن خوف «الكتلة المتأرجحة» من استمرار حكم جماعة «الإخوان» ونزولها إلى الشارع للمطالبة بسحب الثقة من مرسي هو ما مهد الطريق لعزل الجماعة. ومن دون تخلي هذه «الحاضنة الشعبية» عنها لاستحال على الجيش أن يتدخل لعزل مرسي ولوضع نهاية مأسوية لحكم الجماعة.
غير أن تدخل المؤسسة العسكرية لإسقاط حكم الجماعة، نزولاً عند الإرادة الشعبية شيء، وقرار المشير السيسي خوض الانتخابات الرئاسية، نزولاً عند الإرادة الشعبية أيضاً، شيء آخر. فإسقاط حكم «الإخوان»، حتى لو تم ذلك بدعم من المؤسسة العسكرية، كان يمكن أن يشكل خطوة متقدمة على طريق إقامة حكم مدني يرى كثيرون أنه الأقدر على تأسيس نظام ديموقراطي في مصر، أما دخول السيسي حلبة الانتخابات الرئاسية فيخشى معه كثيرون أن يفتح الباب أمام عودة النظام القديم بوجوه جديدة وربما يغلق الطريق نهائياً أمام احتمالات التحول الديموقراطي. إذ يلاحظ أنه ما أن أعلن السيسي قراره بالترشح حتى أحجم كثيرون على الفور عن خوض السباق الرئاسي. ولولا قرار حمدين صباحي بالنزول إلى الساحة وإصراره على خوض هذه الانتخابات لأخذ السباق الرئاسي القادم شكلاً أقرب إلى صيغة الاستفتاء منه إلى صيغة الانتخابات.
إذا كانت الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2012 قد عجزت عن حسم الصراع الدائر على السلطة سلميا والتأسيس لنظام سياسي مستقر، على رغم ما تمتعت به من درجة عالية من التنافسية والمصداقية، فكيف يمكن للانتخابات الرئاسية المقبلة حسم هذا الصراع والتأسيس لنظام سياسي قابل للاستقرار، على رغم أن هذه الانتخابات تجرى في ظل أجواء تتسم بنزعة متزايدة لاستخدام العنف من جميع الأطراف وتحظى بمستوى أقل من التنافسية والمصداقية. الأرجح أنها لن تساعد على ذلك إلا إذا توافرت لها ثلاثة شروط، ربما كان أهمها:
1- نجاح الدولة في تنظيم هذه الانتخابات في مواعيدها المقررة سلفاً على رغم إصرار القوى المناوئة على إفشالها، وأن يتم هذا التنظيم بدرجة عالية من الكفاءة لا تسمح لأحد بالتشكيك في سلامتها على الصعيدين الإجرائي والتنظيمي.
2- تمكين المجتمع المدني، المحلي والدولي، من مراقبتها مراقبة تامة وبما يمكنه من تقديم شهادة

صادقة على حسن سيرها وعدم تدخل أجهزة الدولة للتأثير على إرادة الناخبين وخلوها من أي عوار يشكك في نزاهتها ومصداقيتها. ولا جدال في أن قيام الحكومة المصرية بإبرام اتفاق في هذا الشأن مع الاتحاد الأوروبي يمثل خطوة على الطريق الصحيح، لكنها ليست كافية.
3- مشاركة نسبة عالية من المواطنين المقيدين في الجداول الانتخابية. ولأن نسبة المشاركة في انتخابات 2012 بلغت 46 في المئة، فستكون هي المرجعية التي يتم الاستناد إليها للمقارنة بمدى نجاح أو فشل الانتخابات الرئاسية المقبلة. فإذا تجاوزت نسبة المشاركة في انتخابات 2014 مثيلتها في انتخابات 2012 فسيكون هذا بمثابة تأكيد قاطع على أن نتيجتها تعبر بصدق عن إرادة المجتمع المصري، بصرف النظر عن عدد أو نوعية المرشحين فيها.
إن إقدام نسبة عالية من الناخبين على المشاركة في التصويت لاختيار رئيس مصر القادم، من ناحية، وقبول القوى الحية في الشعب المصري للنتائج التي ستسفر عنها هذه الانتخابات، ستكون بمثابة دليل قاطع على أن هذه الانتخابات تعكس إرادة الشعب المصري إجمالاً، وبالتالي سيصعب على أي قوى دولية تتحكم في النظام الدولي أن تشكك في مصداقية هذه الانتخابات وسيكون عليها الاعتراف حتماً بالرئيس الجديد رئيساً شرعياً لمصر. وأياً كان الفائز في انتخابات تتوافر فيها هذه الشروط الثلاث، فهو سيكون في موقف وفي وضع يسمحان له بالإقدام على طرح مبادرة سياسية للمّ الشمل والعمل على إخراج البلاد من أزمتها الراهنة، من دون أن يتهم بأن الدافع وراء إقدامه على هذه المبادرة هو التغطية على موقف ضعيف ناجم عن عوار أصاب العملية الانتخابية. أما إذا لم تتوجه نسبة عالية من الناخبين إلى صناديق الاقتراع، أو انتابت العملية الانتخابية شوائب تشكك في نزاهتها أو ترصد انحياز الجهاز الإداري للدولة وتدخله في مسارها لمصلحة أحد المرشحين، فلن تكون هذه الانتخابات خطوة على الطريق الصحيح بل سوف تتحول إلى عبء على المستقبل.
لذا ليس هناك أي شك في أن الصراع على السلطة لم يحسم بعد وأن الانتخابات الرئاسية المقبلة يمكن أن تكون جزءاً من الحل مثلما يمكن أن تصبح جزءاً من المشكلة. كما لا شك في أنه لن يكون بوسع أي رئيس قادم لمصر، أياً كان اسمه أو قدراته، انتشال مصر من أزمتها الراهنة ما لم تكن لديه رؤية تسمح بلم الشمل وإعادة إدماج كل المهمشين والمستبعدين حتى الآن من المشاركة في العملية السياسية، خصوصاً إذا كان الهدف من هذه العملية هو التأسيس لنظام جديد يحل محل نظام مبارك الذي ثار الشعب ضده، وتطهير «الدولة العميقة» من بؤر الفساد والاستبداد التي لا تزال تمسك بكل مفاصلها. وفي جميع الأحوال فسوف يتعين على الكتلة الثالثة المتأرجحة والتي تبدو الآن محشورة بين جماعة «الإخوان» والمؤسسة العسكرية أن تظل يقظة وأن تنظم صفوفها لكي تسهم بفاعلية في الجهود الرامية للمّ الشمل والمساعدة على تأسيس نظام ديموقراطي في أجواء تبدو بالغة الصعوبة.

نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط