عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عبد المنعم سعيد يكتب : قراءة التاريخ مجددا؟!

بوابة الوفد الإلكترونية

منذ سنوات قليلة أذاع التلفزيون المصري وعدد من المحطات العربية مسلسلا عن الملك فاروق، ولم تكن المفاجأة في جودة المسلسل، بقدر رد الفعل الذي جاء معه من الرأي العام المصري وخاصة الشباب. كان العمل الفني قراءة جديدة للتاريخ، فلم يكن الملك بتلك الصورة من السوء التي تراكمت حوله طوال العقود الماضية، بل كانت فيه نقاط مضيئة كثيرة. كان ذلك إشهارا بعودة «الأسرة العلوية» إلى الضوء مرة أخرى في أحاديث صحافية، ومنتديات تلفزيونية، وببساطة كان هناك نوع من إعادة الاعتبار، ربما جاء متأخرا، ولكنه جاء على أي الأحوال، ومن ساعتها أصبح حكم أسرة محمد علي (1805-1953) جزءا من الأدب السياسي المصري.

وعندما كنت رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة «الأهرام» جاءتني رغبة الملك أحمد فؤاد الثاني - الذي حكم مصر بضعة شهور بعد ثورة يوليو (تموز) وهو طفل رضيع - في زيارة المؤسسة. استقبلته بالترحاب، وبعد جولة تجمع مجموعة من كبار كتاب «الأهرام» في قاعة «البانوراما» للحديث معه، وكانت واحدة من المفاجآت هي أن الأستاذ أنيس منصور - رحمه الله - كان دائم الاتصال بالرجل على مدى العقود السابقة، أما المفاجأة الثانية فقد كانت أن جميع الحاضرين كانوا يستخدمون تعبير «جلالة الملك». لم تكن الملكية تعود إلى مصر، وإنما يعاد لها الاعتبار، وتصبح حقا جزءا من التاريخ الذي ينظر له المصريون بفخر وتقدير. هذا الدرس ربما يكون مفيدا هذه الأيام، فما تجري عليه اللعنة في التاريخ، كثيرا ما يجري تنقيحه، وإعادة فهمه، ومعرفة الظروف التي تحرك فيها.
بعض من هذا يجري في الولايات المتحدة الآن، ليس في أمر يتعلق بتاريخ بعيد، ولكن بالتاريخ القريب للغاية. التركيز كان على عائلة بوش التي جاء منها جورج بوش الأب رئيسا للجمهورية، بعد تاريخ حافل من الخدمة العامة، وجورج بوش الابن؛ وفيما يبدو هناك رئيس ثالث من الأسرة نفسها – جيب بوش حاكم فلوريدا السابق - في طريقه إلى دائرة المنافسة الكبرى.
في العادة فإن إعادة قراءة تاريخ رؤساء أميركا تبدأ بالمذكرات التي لا تنتظر طويلا بعد خروجهم من الرئاسة، بداية من مستشار الأمن القومي، ثم وزير الخارجية، وبعدها وزير الدفاع، ثم تأتي المذكرات العظمى للرئيس نفسه. مثل ذلك يمثل جولة أولى، وفائدتها عادة في المعلومات التي تقدمها، ولكن الصورة – إيجابية أو سلبية - تبقى على حالها وتحتاج وقتا أكبر من الدراسات والرسائل العلمية والكتب التاريخية حتى يمكن فهم العصر وحكامه. الصورة الذائعة عن أسرة بوش سلبية، فالأب لم يمض في الحكم إلا فترة واحدة، أما الابن فرغم أنه أكمل الفترتين، فإنه خرج وهو أقل رؤساء أميركا شعبية، والدولة متورطة في حربين، وتعيش أزمة اقتصادية طاحنة. ولكن دخول بوش ثالث إلى معركة الرئاسة يحتاج إلى مراجعة التاريخ مرة أخرى، الأب جعل من مرور ربع قرن على دخوله البيت الأبيض مناسبة يجتمع فيها كل من عمل معه، ومع الاجتماع يجري التذكير بأمجاد وتاريخ الرجل منذ أن كان سفيرا في الصين ورئيسا لوفد أميركا في الأمم المتحدة ورئيسا لوكالة المخابرات المركزية ودوره في تدمير الاتحاد السوفياتي والانتصار في حرب الخليج وإدارة العالم بعدها. الابن دخل إلى الساحة عن طريق آخر: فن الرسم. لقد تعلم الرجل الفن حتى أقام معرضا كان أهم ما فيه لوحات عن قادة الدول الذين تركوا فيه أثرا يكفي لكي يخلق انطباعا على لوحة. حصلت عائلة بوش على عدة أيام من التغطية الإعلامية، وتسرب ترشيح جيب بوش، وظهرت العائلة مجددا في التاريخ الأميركي بشكل آخر.
ولم تكن عائلة بوش وحدها هي التي تجدد نفسها وتعيد الاعتبار لما فقد، فقد ظهر أيضا جيمي كارتر، الذي رغم فوزه بجائزة نوبل، فإنه ظل الرئيس الأميركي الأكثر فشلا في التاريخ المعاصر، عندما ترك الرئاسة بعد فترة رئاسية

واحدة مع مهانة في إيران وأزمة اقتصادية كبيرة. ولكن الرجل كانت له نقطة بيضاء وهي معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية في 26 مارس (آذار) 1979. الذكرى كانت كافية لكي يعود الرجل مرة أخرى إلى الساحة في وقت تتعثر فيه المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، وفي المناسبة تعاد قراءة التاريخ مرة أخرى؛ فربما لم يكن الرجل بهذه الدرجة من الضعف التي شاعت عنه. عائلة كلينتون ربما لم تكن تحتاج الكثير لكي تلمع، فرغم فضائح أخلاقية كبيرة، فإن بيل كلينتون ترك الرئاسة بعد فترتين، كان فيها من أكثر رؤساء الجمهورية شعبية في التاريخ، مع فائض اقتصادي تعدى أربعة تريليونات من الدولارات. وزوجة بيل كلينتون السيدة هيلاري كلينتون حفرت لنفسها طريقها الخاص، ليس فقط لأنها تجاوزت فضائح زوجها، وإنما لأنها أصبحت عضوا في مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك، وبعدها وزيرة للخارجية في فترة أوباما الأولى. ولكن ذلك لا يكفي، فالسيدة لم تنس حلم الرئاسة بعد، وتاريخ زوجها، وهي معه في منصب السيدة الأولى، رصيد هام لا يمكن إغفاله، وهناك دلالات كثيرة أن الديمقراطيين ربما سوف يواجهون مأزقا في الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد أن خسروا الانتخابات النيابية، وتراجعت شعبية باراك أوباما حتى رغم تحسن حالة الاقتصاد الأميركي. المسألة في هذه الحالة لا تصبح إعادة الاعتبار في التاريخ، وإنما التأكيد على استمرارية نجاح كان موجودا، ودلالاته ظاهرة، وهناك مؤسسة كلينتون التي تعمل بمثابة القلب الذي لا يكف عن الخفقان.
إعادة الاعتبار وقراءة التاريخ مجددا لا تنجح دائما، وكثيرا ما تبقى القراءة على ما هي عليه، أو تأخذ وقتا أطول، وفي التاريخ المصري، فإن أحمد عرابي كان في دائرة اللعن لبضعة عقود، ولم يعد له الاعتبار حقا إلا مع ثورة يوليو، وفي أميركا، فإن محاولات إعادة الاعتبار لريتشارد نيكسون لم تنجح كثيرا، فقد كانت ووترغيت وأكاذيب أخرى تخص الحرب الفيتنامية مما لا يمكن غفرانه. ولكن ذلك لا يعني نهاية الأمر فربما تكون هناك محاولات أخرى.
في الأيام الأخيرة عاد الرئيس مبارك إلى الظهور مرة أخرى في أحاديث صحافية، وشاع أن زوجته سوف تدلي بحديث تلفزيوني، والمرجح أن كل ذلك ليس موعد المراجعة بعد، فما زالت المشاعر هائجة، والأحوال كلها ملتهبة، ولا يوجد على مدى البصر من الاستقرار ما يكفي لإعادة النظر. التاريخ لعبة معقدة، وحين قيل إننا لن نعرف التاريخ مطلقا، لأن كل ما نعرفه هو كتابة حاضرنا في صورة زمن ولى وراح، لم يكن ذلك بعيدا عن الصواب!
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط