عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الحسين الزاوي يكتب : المشهد العربي من الحراك إلى العراك

بوابة الوفد الإلكترونية

باتت أيام قليلة تفصلنا عن موعد انعقاد القمة العربية الدورية في الكويت، ولا يبدو حتى الآن أن هناك مؤشرات تشير إلى إمكانية انقشاع غيوم الفُرقة والتشرذم التي تلبّد سماء العلاقات العربية - العربية، فالتناحر والعراك أضحيا يمثلان السمة الغالبة على المشهد العربي الراهن، الذي ما فتئ يزداد تأزماً بعد سنوات قليلة من انطلاق ما سمي بموجات "الربيع العربي" .

كان الأمل معقوداً في البداية على حراك الشعوب من أجل تجاوز عثرات الدول الوطنية التي تأسست غداة عصر النهضة العربية، وكانت تطلعات الشعوب العربية متجهة صوب آفاق المستقبل، تحدوها رغبة عارمة في عبور مرحلة بناء الدولة البيروقراطية والمركزية والوصول إلى مرحلة بناء مؤسسات الوطن والمواطنة التي تضمن المشاركة السياسية للجميع بناءً على قاعدة التداول السلمي للسلطة . أما الآن فنحن على أبواب مرحلة خطرة يكاد يغيب فيها الوعي بالمصير المشترك ويتراجع في سياقها الاهتمام بالأمن القومي العربي، حيث أصبحت الحسابات القُطرية الضيِّقة تسيطر على اهتمامات قسم كبير من الدول الأعضاء الموقعة على ميثاق الجامعة العربية، بل إن هناك أطرافاً إقليمية باتت تتجرأ على المساس بأمن ووحدة بعض الدول العربية، وأصبح من شبه المألوف أن تدفع بعض الكيانات القطرية بخلافاتها السياسية المتعلقة بالملفات الإقليمية إلى أقصى سلم العداوة والبغضاء، وغاب الحد الأدنى من التوافق الذي لم يُزل عن القمم العربية، حتى في زمن الثنائية القطبية التي كانت تدفع بالدول العربية إلى الانتصار إلى إحدى القوتين العظميين .
الأخطر في كل ما حدث وما زال يحدث حتى الآن، هو أن النظام الرسمي العربي بات يملك استعدادات غريبة وغير مسبوقة من أجل الدخول في صراعات إقليمية داخلية، على حساب التحديات الخارجية التي تهدد الأمن القومي المشترك، ولم تعد بعض الأطراف تجد حرجاً في إعلان تحالفها مع قوى دولية من أجل حسم الخصومات الإقليمية لمصلحتها من دون التساؤل عن التكلفة والأثمان التي سوف تُدفع من أجل تحقيق انتصارات ظرفية عابرة، لأن التحدي لا يكمن فقط في تغيير المشهد بل في مستوى الإمكانات المتاحة من أجل التحكم في تحديد مسار التغيّرات المرجوة؛ وعليه فإنه من غير المعقول أن نثق في الخطابات التي تقلل من خطورة التأثيرات الناجمة عن المخططات الصهيونية التي تستهدف المنطقة العربية . ف"إسرائيل" التي كنا نظنها كياناً زائلاً استطاعت أن تضمن من خلال استراتيجيتها العدوانية استقراراً مستمراً على حساب جوارها، وهي الآن قاب قوسين أو أدنى من تحقيق هدفها الأكبر المتعلق بتفتيت الجغرافيا العربية، بعد أن تمكنت في وقت سابق، بفضل تحالف القوى الغربية معها، من جعل التاريخ "يشهد" زوراً وبهتاناً لمصلحتها .
كما أنه من الخطورة بمكان أن نروِّج للشعارات التي تدعم الصراع الطائفي ونعتبره أهم وأخطر من الصراع الوجودي مع "إسرائيل"، إذ يمكن مع القليل من الحكمة والتبصر ونكران الذات أن نعيد إحياء الثقة والسلم الأهلي والاحترام المتبادل ما بين المكوِّنات المختلفة لشعوب المنطقة .
ونزعم أن بعض الأطراف العربية تخطئ

خطأ فادحاً عندما تعتقد أنها ستحقق مكاسب عاجلة بفضل توظيفها لقوى التطرف وجماعات الإسلام السياسي، التي لا تؤمن أصلاً بمفهوم الدولة الوطنية، وتعتبر كل تحالف مهما بلغت قيمته الرمزية، مجرد تحالف مؤقت من أجل تحقيق يوتوبيا أصولية تحلّق بخيالها خارج معطيات الزمان والمكان . ولن نذيع هنا سراً إذا قلنا إن كل الدول التي حاولت توظيف هذا التيار احترقت بنيرانه لأن "من يعين ظالماً يسلطه الله عليه"، فلن تجني القوى الإقليمية والدولية التي تدعم التشدد سوى الخراب والدمار، لأن من يبقرون بطون الحوامل لا يمكن أن يقيموا دولة مواطنة ولا أن يبنوا حضارة؛ إذ إن قيم الحضارة تستند في أساسها إلى مبادئ التسامح والحرية واحترام الاختلاف . وبالتالي فإن العدالة المنصفة هي تلك التي تحترم الاختلافات الطبيعية بين البشر ولا تلجأ إلى المساواة بين أفراد غير متساوين، كما أن الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة يجب أن يظلاّ مرتبطين بمدى مشروعية القوى التي بإمكانها أن تُؤمن بهذه المبادئ النسبية المتعلقة بقيم الحرية والمواطنة والحق في الاختلاف، وإلاّ تحولت صناديق الانتخاب إلى نعوش .
من الواضح أن المشهد العربي الراهن في حاجة إلى حراك جديد، لا يكون ظاهره الإصلاح وباطنه العراك والصراع والحروب الأهلية والاتهامات المتبادلة المؤسّسة والباطلة، حراك يُعيد التصالح واللحمة بين شعوب ودول الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، من منطلق أن ما يجمع العرب هو أكثر بكثير مما يفرِّقهم . ذلك أن الدول العربية قادرة في مجملها على تحقيق مصالحها القطرية من دون أن تضطر إلى تفجير خصومات إقليمية، تترك أجواءً مسمومة من شأنها أن تؤثر سلباً في كل الأجيال المقبلة . فما أسهل أن تهرول النخب السياسية العربية من أجل استدعاء شيطان التفاصيل وتفجير نزاعات وربما عداوات قد لا تنتهي، ولكن ما أصعب في المقابل، أن تصدُق النوايا وتجتمع الإرادات الخيِّرة من أجل تجنيب الشعوب العربية ويلات الدم والدموع .
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/83e46a1f-8eea-4f24-b058-ed10bd24c3e5#sthash.aEjIew4b.dpuf