رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عبد المنعم سعيد يكتب : منعطف تاريخي مهم

بوابة الوفد الإلكترونية

كنت أشعر دائما بتحفظ إزاء كلمة «منعطف»، خاصة حينما يضاف لها كلمة «تاريخي»، أما إذا جاءت كلمة «مهم» بعدها فقد كانت القشعريرة تلف بدني كله.

السبب في ذلك أن كل أيام العرب كانت منعطفات تاريخية ومهمة، ومن ثم فقد التعبير قيمته اللغوية، والأخطر أن من قالوا به كثيرا كانوا في الحقيقة يغطون على قدر هائل من الركود في التاريخ العربي المعاصر. هذه الأيام مختلفة، وبالتأكيد فإنها بعيدة تماما عن الركود، والحركة والتغيير سمة حركة الأيام، ولكن غير المعروف هو ما إذا كانت الحركة والتغيير يسيران في الاتجاه الصحيح والإيجابي، أم أن لدينا خطوات كثيرة متراجعة إلى الخلف. من الصعب أن نعرف الآن ونحن في قلب العاصفة ما الذي يحدث على وجه الدقة، ولكننا قلنا منذ بداية هذه العواصف في بداية عام 2011 إننا أمام عقد كامل من الأحداث التي تماثل ما جرى في الخمسينات من القرن الماضي تستقر الأمور بعدها، وتتحدد الخطوط، وتعرف التحالفات، وأحيانا تتقرر قواعد اللعبة. تعالوا نعرف ما يدور حولنا، ونشاهد عملية الفرز الحالية، ونقرر منذ البداية أنه بينما تتغير المنطقة العربية، والشرق أوسطية، فإن العالم هو الآخر يتغير، وفيما يبدو فإنه يتغير بشدة، وهنا على وجه التحديد يمكن مشاهدة «المنعطف» الذي نتحدث عنه حينما يلتقي التغير الإقليمي مع ذلك الدولي في حالة من التضاغط الذي عندما تحدث في الطبيعة فإنها تولد موجات مرعبة.
ما عندنا نعرفه، أو بعضا منه، جاء «الربيع» العربي ممتلئا بعواصف رملية، وظهر بوضوح أن الظاهرة مركبة وإفرازاتها مختلفة من بلد إلى آخر حسب ظروفه وتاريخه وثقافته. ومن تصور أن في الأمر ثورة ثبت أنها عدة ثورات، ومن تخيل أن الثورات تقود الأمم إلى الأمام فقد ثبت في حالتنا على الأقل أنها يمكن أن تكون عودة إلى الخلف. ولكن ثبت أن هناك ثلاث نتائج لا يمكن إغفالها: الحراك الشعبي السياسي، والأمور لا يمكن أن تبقى على حالها، والتكنولوجيا والعولمة تلعبان أدوارا لا نعرفها على وجه التحديد، ولكنها موجودة ومحسوسة لا ريب. النتيجة هي عملية فرز جرت بسرعة فائقة، فلم يمض عام على الاغتراب المصري عن الخليج العربي حتى عادت مصر مرة أخرى، وربما كان مشهد المناورات المصرية - السعودية، وتلك المصرية مع الإمارات العربية، والموقف المشترك من الإرهاب وجماعة الإخوان وحلفائها من الجماعات الإرهابية، شاهدا على رابطة أقوى وأكبر من أي وقت مضى. علينا رغم حالات الصعود والهبوط ملاحظة أن ذلك كان حلف أكتوبر (تشرين الأول) 1973، ومواجهة إيران في الحرب العراقية - الإيرانية، وعراق صدام حسين في حرب الخليج، والإرهاب في كل أشكاله الصريحة والخفية، والموقف من مصر بعد 30 يونيو (حزيران). حقيقة أخرى أن فرزا آخر يجري، فهناك دول في ذلك الحلف، ولكنها تؤجل الإعلان، وهناك دول استحكمت فيها الفوضى، وهناك دول تراقب وتنتظر، ولكن في كل الأحوال القلب كبير وقوي وصلد.
العالم عرف نهاية الحرب الباردة، واجتاحته موجات العولمة، ثم جاء زمن الحرب ضد الإرهاب الذي قاد إلى حربين في أفغانستان والعراق، ودفعت أميركا والغرب الثمن غاليا في أزمة اقتصادية ومالية طاحنة، وقبل أن يعود إلى التماسك مرة أخرى ظهر أن روسيا لا تريد للفرصة أن تمر. كما ذكرنا من قبل في هذا المكان كانت هناك «شواهد» روسية على محاولة العودة إلى المسرح العالمي كقوة عظمى مرة أخرى ظهرت في جورجيا وسوريا، ولكن أحدا في العالم لم يقتنع بأن دولة تدار على التوالي بين بوتينو مديفيديف ولا يوجد لديها من الصادرات إلا المواد الأولية، ولم تخرج للعالم «غوغل» واحدا، يمكنها أن تكون قوة عظمى. ولكن الاختبار الروسي جاء مفاجئا في أوكرانيا التي لا تهم ثوراتها المتعددة كثيرا، ولكن المهم هو الواقع الجغرافي السياسي والاستراتيجي الذي يجعلها بمثابة تشيكوسلوفاكيا

قبل الحرب العالمية الثانية. كان الادعاء الألماني وقتها أن الأقلية الألمانية تلاقي اضطهادا، وكان هؤلاء في تشيكوسلوفاكيا يقولون إنهم لا يحصلون على حقوقهم ويريدون الانضمام إلى الأمة الألمانية. كانت النتيجة اتفاق ميونيخ الذي أعطى ألمانيا ما لا حق لها فيه، وكان ذلك نذير حرب آتية. الآن، روسيا تعيد الكرة، فهي تعتمد على الأقلية الروسية في أوكرانيا، وذات الأغلبية في نفس الوقت في إقليم القرم، وهنا تحصل القيادة الروسية على تصريح من البرلمان، ومعه تحشد القوات على الحدود، ويخرج الموالون في مظاهرات تريد الانضمام للوطن الأم، والميليشيات الروسية مع عناصر من المخابرات القادمة من روسيا تبدأ عمليات حصار منشآت الدولة الأوكرانية. النتيجة أزمة دولية مستحكمة، لا نعرف من فيها سيتراجع أولا، والغرب لا يوجد لديه استعداد لمواجهات حرب باردة أخرى، وروسيا لا يوجد لديها استعداد للتعامل معها عن طريق التأديب بالعقوبات الاقتصادية كما لو كانت دولة من دول العالم الثالث. صحيح هناك مصالح روسية - غربية مشتركة، ولكن بوتين يلعب لعبة حافة الهاوية، وهو يريد أن يهين الغرب ويستعيد قطعة مهمة من الأرض تربط الأسطول الروسي على البحر الأسود بالوطن الأم، وفي كل الأحوال يجري تأديب أوكرانيا التي خانت الاتحاد السوفياتي وخرجت عليه عندما حانت الفرصة.
العواصف الحالية إقليميا وعالميا تلاقت في الزمن الحالي، وهناك أمور كثيرة في التاريخ لا نعرف عنها الكثير حتى تخرج من المنعطف فتظهر واضحة، ولكننا نعرف أنه في أوقات العواصف، فإن الوحدة والاتحاد هما الأصل في الأمان والأمن والخروج المنتصر من قلب الرمال الحارة والمتحركة. وبغض النظر عما هو معلوم أو غير معلوم في العلاقات بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين، فإن أربعتهم هم الجذر والوتد للخيمة العربية والإقليمية. وقد يحتاج الجميع ليس فقط إلى إدراك خطورة اللحظة وحساسية المنعطف، وإنما يحتاج إلى القدرة المشتركة على التخطيط الاستراتيجي الذي لا يحدث وحده، وإنما من خلال آليات تفكر، وتتنبأ، وتخطط، وتقيم ما يجري بصورة لحظية. إن كفاءة إدارة هذه المرحلة حتى تستقر الرمال وتهدأ العواصف سوف تنجم عن التعامل مع مواقف مفاجئة، وتغيرات وتبدلات وانفجارات هنا أو هناك، وهذه سوف تحتاج لثبات الأعصاب وحكمة القادة، وساعتها فإن من يقفون موقف المراقبة سوف يحزمون أمرهم ويتخذون قراراتهم. وساعتها أيضا سوف يكون لنا موقف وسياسة من إدارة الإقليم كله بما فيه من ثورة وما فيه من تخلف، وقضايا نخرت في مناعته التي تحتاج إلى الكثير من العناية في هذه الأيام الصعبة.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط