عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

د . علي محمد فخرو يكتب : وماذا عن ثقافة الربيع العربي؟

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

 

إذا كانت القضايا الاجتماعية تقبع في قلب السياسة، تتأثر بها وتؤثر فيها، فإن الثقافة تحكم الساحتين السياسية والاجتماعية، وإلى حد كبير ترسم مصيرهما . من هنا فإن مطالبة الكثيرين من شباب ثورات وحِراكات الربيع العربي بالاهتمام بالجوانب الاجتماعية، إضافة لاهتمامهم بالجوانب السياسية، تحتاج إلى أن يضاف إليها مطلب ثقيل آخر، مطلب الاهتمام أيضاً بالجوانب الثقافية .
بالتصدي لكل جوانب الضعف والتخلف في مبادئ وقيم وممارسات الساحات الثلاث، السياسية والاجتماعية والثقافية، ستكونون قد أصبحتم بالفعل شباب تفجير ثورة العرب الكبرى التي رنت إليها الأجيال تلو الأجيال، عبر القرون تلو القرون . هذا عبء كبير هائل، ولكن هذا قدر من ينشدون التغييرات التاريخية الكبرى كما بدا للعالم منذ ثلاث سنوات، عندما امتلأت الساحات بالملايين من أمة العرب . لنعد إلى الثقافة ولنحاول الحديث عن أي الجوانب وعن الكيف المطلوبين لإحداث التغيير الذي سيساند السياسة .
دعنا نتذكر أولاً أن تعاريف الثقافة كثيرة وأن أنواعها ومكوناتها عديدة، ولذا فنحن لا نطالب شباب الثورات بالتعامل الإصلاحي والتغييري الثوري مع مكون النتاج الإبداعي من أدب وموسيقى وفنون تشكيلية وغيرها من الفنون التعبيرية كما لا نطالبهم بالتعامل مع النتاج الفكري من فلسفة وعلوم مختلفة وفقه وغيره .
ما نطلبه هو إسهام ثوري تجديدي في التعامل مع وفي ممارسة المكون الثقافي المتعلق بالقيم والأخلاق والعادات والسلوكات والجوانب الرمزية المجتمعية العربية، التي تكونت عبر القرون، وآن أوان مراجعتها بروح نقدية ونبذ المتخلف منها بروح تمردية . وبالطبع فهذا موضوع كتاب أو مجلدات ولكن يمكن الإشارة إلى عناوينه الكبرى المفصلية .
*
أولاً، لقد جاء شباب الثورات والحِراكات لينشروا ويمارسوا قيم التمرد في الحياة السياسية، فماذا عن الحياة الاجتماعية؟ هناك الصراع مع قيم الطاعة والامتثال الأعمى لأشكال من السلطات، هناك قيم التلاؤم والقبول بالأمر الواقع الماسخين للشخصية والمدمرين للاستقلالية الذاتية، هناك قيمة الصبر المذل للكرامة الإنسانية، وهناك قيم الأمثال الشعبية كالقول إن من صبر ظفر ومن لج كفر أو القول إن العين لا تقاوم المخرز، وأخيراً، هناك قيم عدم الانضباط والفهلوة والدوران حول لب المواضيع والتعالي على العمل اليدوي واحتقار قيمة الوقت . القائمة طويلة لقيم تمارس في الحياة اليومية وتنتظر طليعة ثورية تقود التمرد عليها وعصيان منتجيها ورافعي ألوية تاريخيتها وتراثيتها، وبالتالي الادعاء بقدسيتها .
*
ثانياً، هناك قيم ثقافية أدى سوء فهمها إلى تشويه الحياة الاجتماعية . إن قيمة جليلة كالإحسان والتصدق يريد البعض لها أن تكون بديلاً أو على حساب مبدأ العدالة الاجتماعية، كنظام لتوزيع عادل للثروات المادية والمعنوية، وكالتزام قانوني من قبل الدولة تجاه الفقراء والمهمشين .
الأمر نفسه ينطبق على موضوع توقير كبار القوم وإعلاء شأنهم، إذ يراد له

أن يكون قيمة عمودية تلح على ممارسة الاحترام والتبجيل لمن لا يستحقها من كبار القوم، بينما يقلل من أهمية القيمة الثقافية الأفقية التي تشدد على المساواة والندية والاحترام المتبادل بين البشر بغض النظر عن سنهم أو المراكز التي يحتلونها .
إذن هناك حاجة للتصدي لكل ما يؤدي إلى الحط من الكرامة الإنسانية أو تهميشها، لا في الحياة السياسية فقط، وإنما في الحياة الاجتماعية أيضاً، وذلك من خلال ثقافة إنسانية تجديدية وغير تقليدية تراثية .
ثالثاً، ستكون هناك حاجة للتعامل الصحيح مع ما يعرف بثنائية قلب وأطراف الثقافة . الحاجة الملحة هي لتعريف حدود قلب الثقافة العربية الإسلامية المعاصرة التي يجب ألا يفرط بها، سواء من قبل هجمة الثقافة العولمية الكاسحة، أو من قبل الثقافة التقليدية الممتلئة بالسلبيات؛ ذلك أن التفريط بقلب الثقافة العربية سيعني التخلي عن هوية الأمة، وبالتالي عن وجودها الحضاري في عالم الحضارات الإنسانية .أما أطراف الثقافة فقابلة للتغيير والتبديل والتفاعل مع ثقافات الغير .
ستحتاج ثورات الربيع العربي إلى أن تحسم موضوع القلب والأطراف هذا لأنه سيكون الجواب عن الخوف من الغزو الثقافي العولمي، وعن الخوف من تعديل الثقافة التراثية السلفية الممتلئة بالثغرات .
إذا كان المفكرون والمثقفون العرب يريدون الإسهام في إنضاج ثورات وحراكات الربيع فليبادروا إلى تنقيح الثقافة العربية - الإسلامية وتطويرها وجعلها أداة تغييرات كبرى، وهذا موضوع طويل ومعقد .
أما شباب ثورات وحِراكات الربيع العربي فإنهم، كفاعلين ومناضلين وقدوة، سيحتاجون إلى أن يمارسوا في حياتهم اليومية، أمام جماهير أمتهم، قيماً ثقافية جديدة تتميز بالإبداع والذاتية العربية والخروج من تحت عباءة كل ما هو سلبي متخلف في ثقافة أمّتهم التقليدية القديمة . هذا إن أريد للربيع العربي أن يتطور ليصبح ثورة عربية تاريخية كبرى .

نقلا عن صحيفة الخليج