عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عادل درويش يكتب : أوكرانيا: دبلوماسية البوارج تواجه عصر العولمة

عادل درويش
عادل درويش

 

دخلت أزمة الربيع/ الخريف الأوكراني أسبوعها الثاني بلا حل.

بلدان الاتحاد الأوروبي - باستثناء السويد وبريطانيا، وبلدان حلف وارسو السابق - غير متحمسة للغناء من النوتة الموسيقية التي وضع الرئيس الأميركي باراك أوباما ألحانها، سواء بعقوبات اقتصادية على روسيا، أو بإرسال حاملة طائرات وسفن حربية أميركية باتجاه مضيق البوسفور.

مجموعة بريطانيا - السويد - بولندا، تخشى أن التسامح مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تحركه في القرم وتهديداته لأوكرانيا قد يشكل سابقة للسيطرة على بلدان فيها أقليات روسية مثل لاتفيا أو إستونيا.

فروسيا سيطرت تماما على شبه جزيرة القرم - رغم إصرار موسكو على أن القوات المسيطرة قوامها متطوعون محليون وليسوا جنودا روسيين نظاميين. ورغم الموقف الظاهري لبريطانيا، فقليلون يصدقون أن بقدرة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون فرض عقوبات اقتصادية مؤثرة على موسكو. كثير من نواب المحافظين وقاعدة التأييد الانتخابية لحزب المحافظين هم من رجال الأعمال والمستثمرين ويعارضون فكرة فرض العقوبات. القوى الخارجية تنظر إلى الصراع الداخلي في أوكرانيا بمنظورين مختلفين. فنظرة موسكو لها عمقان: تاريخي وجغرافي، بجانب أنها في صميم الأمن القومي الحاضر.

الغرب لا يزال ينظر بعدسات الحرب الباردة.

بوتين في تحركه التكتيكي تجاوز عقلية الحرب الباردة ليتحرك في إطار المصالح الروسية باستراتيجية فترة القياصرة - في عهد كاثرين الكبيرة أو كاثرين الثانية (1729 - 1796) Alexeevna Yekaterina ضمت روسيا شبه جزيرة القرم - ويعمل بأسلوب القرن التاسع عشر أو دبلوماسية البوارج، مباغتا الغرب في القرن الـ21 أو عصر العولمة.

الأسلحة المالية لعصر العولمة مقابل دبلوماسية بوارج القرن الـ19. الرئيس بوتين قال للصحافيين، إن العقوبات الاقتصادية والمالية ستضر أوروبا الغربية أكثر من إضرارها بروسيا في عالم يتشابك اقتصاده.

في اليوم نفسه، التقطت عدسة كاميرا صورة لوثيقة في دوسيه شفاف يحمله موظف من وزارة شؤون مجلس الوزراء البريطانية. توصيات الوثيقة تبين محدودية قدرة بريطانيا على تنفيذ تهديد الرئيس أوباما بأن روسيا ستدفع ثمن المغامرة في أوكرانيا. الخبراء يحذرون كاميرون من التورط مع أميركا في عمل عسكري وعدم حضور أي لقاء للناتو تبحث فيه الخيارات العسكرية ضد روسيا.

كما توصي بعدم التسرع بفرض عقوبات اقتصادية أو إغلاق أبواب مؤسسات مدينة لندن (حي المال والبنوك والتجارة المالية) في وجه الأثرياء الروس المعروفين بالأوليغارك.

الأوليغارك الروس يستثمرون عشرات المليارات في بنوك لندن وأسواقها المالية، ويمتلكون عقارات تقدر بعشرات المليارات في أفخم مناطق لندن وريف وجنوب شرقي إنجلترا، وأندية رياضية ونشاطات اجتماعية، وسحب هذه الاستثمارات لن يؤدي إلى خلخلة أساسيات السوقين العقارية والمالية فحسب، بل أيضا سيؤدي إلى فقدان آلاف الأعمال والوظائف في قطاعات الخدمات والصيانة والبناء المتعلقة بهذه الاستثمارات. كما أن هناك عقودا بمليارات الجنيهات لشركات بريطانية في قطاعات البترول والغاز والاتصالات، وآخرها صفقة سلاح بريطانية - روسية بأكثر من 150 مليون دولار وقعت منذ عشرة أيام فقط.

فرنسا تسد أذنيها عن مطالب حظر بيع الأسلحة لروسيا، فالفرنسيون يصنعون بضع سفن للأسطول الروسي (اقتصاديا أقل تكلفة من بناء جسم السفن نفسها في فرنسا وإضافة الأسلحة والمعدات في الأحواض الروسية - مما يشير إلى تجاوز بوتين عقلية الحرب الباردة والتفكير البراغماتي اقتصاديا).

ألمانيا ترفض العقوبات التجارية. فأكبر شريك للتجارة الخارجية الألمانية اليوم هو روسيا، كما تستورد ألمانيا ما بين 30 و40 في المائة (حسب احتياجات الموسم) من طاقة الغاز والبترول من روسيا، خاصة بعد قرار ألماني غير حكيم بإغلاق محطات الطاقة النووية اجتذابا لأصوات الخضر والبيئيين. خبراء الطاقة وتجار البورصة حذروا من أن عقوبات تشمل البترول والغاز على الطاقة ستؤدي بنتائج عكسية. مجرد تبادل الاتهامات بين موسكو والغرب أدى لزيادة سعر البرميل بأربعة دولارات، بينما ارتفعت أسعار الغاز سبعة في المائة.

حجب حصة الروس في الغاز والبترول سيؤدي إلى ارتفاع مفاجئ في

أسعار الطاقة مما يضر باقتصادات الغرب قبل روسيا في وقت بدا فيه الاقتصاد الغربي يتحرك من الركود إلى النمو البطيء. المخابرات الغربية التي مهمتها الأساسية تقديم معلومات دقيقة لتجنب وقوع الأزمة أصلا، كررت فشلها في تقدير رد فعل الروس لتحرك جورجيا ضد جنوب أوسيتيا عام 2008، وقبلها الفشل في توقع غزو العراق للكويت عام 1990، بفشلها اليوم، بتفكير الحرب الباردة، في تقدير خطوة لاعب الشطرنج الماهر بوتين.

بوتين يتحرك بالمصلحة القومية. أوكرانيا زادت قيمتها كمنطقة عازلة بين الخندق الأمامي لروسيا بعد أن أصبح الناتو يراقبه بنظارات الميدان من بلدان كانت الحديقة الأمامية لموسكو حتى سنوات قليلة.

ولمَ لا ولن تجد زعيماً روسياً يقبل التخلي عن شبه جزيرة القرم، وسابستابول كقاعدة للأسطول الروسي المهيب في البحر الأسود المتصل مباشرة بالمياه الدافئة؟

دعمت موسكو نظاما دمويا بشعا كالبعث السوري لمجرد الاحتفاظ بقاعدة طرسوس، القاعدة الوحيدة في البحر المتوسط، فمن المستحيل أن تتخلى عن سابستابول والقرم قاعدة أسطول الجنوب.

منح نيكيتا خروشوف القرم لأوكرانيا عام 1954 في إطار الاتحاد السوفياتي الكبير. معظم المؤرخين يرون دوافع خروشوف إحساسه بالذنب تجاه الأوكرانيين الذين مات سبعة ملايين ونصف المليون منهم في الهولودومور - المجاعة الكبرى أو الإعدام بالمجاعة (1932 – 1933) نتيجة سياسة ستالين.

انهار الاتحاد السوفياتي أربعة عقود بعد منحة خروشوف، ووقعت الدول الكبرى (بيل كلينتون عن أميركا، وجون ميجر عن بريطانيا) عام 1994 معاهدة حماية استقلال وتماسك وأمن أوكرانيا مقابل تخليها عن مخزون السلاح النووي، وهي المعاهدة التي يطالب النظام الجديد في كييف الغرب بالالتزام بها.

أكثر من 60 في المائة من سكان القرم روس عرقيا أو ثقافيا ويرون روسيا الوطن الأم. برلمان القرم الذاتي أعد لاستفتاء الأسبوع المقبل بشأن الانضمام للفيدرالية الروسية.

نظام ما بعد إسقاط رجل موسكو الرئيس فيكتور يانوكوفيتش لا يلقى تأييد نحو ثلث السكان ومعظمهم في شرق أوكرانيا وشمالها، خاصة المناطق المرتبطة صناعيا واقتصاديا بروسيا.

النظام الجديد خلا مجلس وزرائه من الروس الأوكرانيين. المجلس أصدر تعليمات بجعل الروسية لغة ثانية، أي أصبح الروس الأوكرانيون مواطنين من الدرجة الثانية. وعندما تراجعت الإدارة الجديدة كانت الأحداث قد سبقتها وتحرك الروس وتحركت المظاهرات المضادة من جانب العرقيات الروسية.

التدخل الروسي، وإن انتهك القانون الدولي، فإنه يمنع حربا أهلية، ولذا فمبادرة من الغرب بالاعتراف بأهمية القرم للأمن القومي الروسي وقبول اقتراح تأسيس حكومة ائتلافية شاملة في كييف وإجراء انتخابات مبكرة سيكون أسرع مخرج من الأزمة.

نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط