عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

رشاد أبو داود يكتب : الشرخ الأوسط الجديد

رشاد أبو داود
رشاد أبو داود

التسمية ليست جديدة، لكن المخطط لم يكن مكتملا. كان يتطلب تغييرا على الأرض، كي لا يتعرض لهزة وطنية تطيحه في سلة المؤامرات على الأمة العربية، وما أكثرها، ومنها: "الشرق الأوسط الجديد" كبديل لـ"الوطن العربي الكبير".

الفكرة أصلها من أفكار تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية العالمية، الذي خطط لدولة يهودية كبيرة تسيطر على المنطقة بكاملها، وعلى مراحل تبدأ بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وتتوسع على مدى 150 عاما لتصبح الدولة الأقوى في العالم لـ"شعب الله المختار"!

مشروع "الشرق الأوسط الجديد" عنوان كتاب صدر عام 1993 لشيمون بيريز، طرح من خلاله تصوراً مستقبلياً للمنطقة، متكاملا وتفصيليا لما سماه البنى الفوقية (القوانين والتشريعات والأنظمة)، والبنى التحتية (الصناعة والزراعة والخدمات)، وفي كافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. مشروع يستند إلى أيديولوجيا عنصرية، ترتكز على ثلاثية "عقل يهودي، ورؤوس أموال عربية، وأيدٍ عاملة عربية"، ينطلق من تفوق اليهود على العرب! الفكرة الرئيسة للمشروع تتمثل في استراتيجية إعادة إنتاج العالم العربي على شكل "كيانات"، بحيث يصبح الكيان الصهيوني القائد الميداني لهذا المشروع، ولهذه المنطقة.

وقد أعلنت الإدارة الأميركية عن آليات يتم استخدامها في معركة تنفيذ المشروع، بهدف تفكيك الدول وتفتيت المجتمعات، آليات تتلاءم مع معطيات كل دولة وكل مجتمع على حدة، وتأخذ بنظر الاعتبار خصوصياته ومعطياته.

العامل المشترك بين كل هذه الأدوات، هو استراتيجية أعلنتها الإدارة الأميركية تحت عنوان "الفوضى الخلاقة"، التي قد تستخدم العنف العسكري المفرط، كما في الحالة العراقية (الصدمة والرعب)، أو كما في الحالة الليبية: القصف المتواصل من الجو لتحطيم البنى التحتية، وقتل أكبر عدد ممكن من الأبرياء، لتفادي تعرض قواتها المعتدية لأخطار، أو استخدام سياسة "صناعة القبول وثقافة القطيع" في بعض الدول.

حيث يتم تزييف الوعي الجمعي للمجتمعات، أيديولوجياً وثقافياً ومعرفياً، من خلال استخدام قصف إعلامي متواصل، بواسطة وسائل إعلامية مختلفة، تخضع أغلبيتها لقرار قاتل اقتصادي ـ اجتماعي - سياسي واحد. وهذا ما يفسر ظهور قضائيات عربية أنفقت عليها أموال طائلة، وكان لها منذ البداية أثر في كسر التابوهات الإعلامية والسياسية، بدعوى حرية الرأي كإحدى أهم مقومات الديمقراطية، وقد منحت من القوة ما لم يستطع حتى الكونغرس الأميركي مواجهته؛ أخبار تفجيرات نيويورك، وحرب أفغانستان، وأشرطة بن لادن نموذجاً.

للأسف انطلت على كثير من النخب والساسة العرب لعبة الديمقراطية، رغم تكرار اللعبة في أكثر الأحداث مأساوية التي شهدها الوطن العربي منذ أواخر التسعينيات. فقد تم احتلال العراق بدعوى إحلال الديمقراطية بالقضاء على الدكتاتور ونزع أسلحة الدمار الشامل من يديه، ومرت سنوات ولم تظهر تلك الأسلحة المزعومة، وشنق الدكتاتور وحلت محله دكتاتورية طائفية، ليتحقق أحد أهداف مشروع الشرق الأوسط الجديد، بإيجاد كانتونات طائفية وعرقية في الدولة العربية الواحدة. وهذا ما يجري في سوريا حاليا كهدف نهائي،

رغم كل ما يقال عن جنيف وأرقام مؤتمراتها المفتوحة، وبغض النظر عن "تقليم أظافر الدكتاتور الكيماوية"، كهدف مرحلي وليس نهائياً.

الوسيلة الأخرى لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد، هي إحداث شرخ في كل دولة عربية كل على حده، وذلك باستخدام سلاح الفتنة الطائفية بين المذاهب وبين الدينية والعلمانية. وقد استخدم الإخوان المسلمون كفرس رهان لتحقيق هدف الفتنة، كما حصل في مصر وتونس، برعاية تركية أردوغانية.

وقد رأينا كيف تم التخلي عن "إخوان" مصر بعدما تم استغلالهم، وعاد الجيش يمسك بزمام الحكم.. وكيف أجهضت تجربة "إخوان" تونس. أما في تركيا فقد بدأت أولى خطوات وضعهم على الرف، بإثارة فضيحة الفساد الكبرى التي تفقد رئيس الوزراء رجب أردوغان أهم شريك استراتيجي لحكمه، فتح الله غولن، بانشقاقه عنه. ورغم المثل العربي الشهير "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"، إلا أن العرب لم يتعظوا، وما زالوا ماضين فرادى إلى المقصلة.

الغرب الآن في وارد التخلي عن النظام الإسلامي في تركيا بعدما أدى دوره، علما بأن بداية الترويج للشرق الأوسط الجديد وضعت تركيا كضلع من مثلث المنطقة. وبالتخلي عن تركيا الإسلامية، تأخذ إسرائيل الكبرى حصتها ليبقى المشروع محصورا بين ضلعين: الإسرائيلي والإيراني. وهذا يفسر الانقلاب الجوهري في العلاقات الأميركية الغربية مع إيران، بالاتفاق على الملف النووي، ويفسر أيضا عزم إدارة أوباما على استخدام الفيتو في الكونغرس الذي يهدد بفرض مزيد من العقوبات على طهران.

لسنا سوداويين ولا ننطلق من فوبيا نظرية المؤامرة، لكنه التاريخ القديم الذي يقول إن الوطن العربي يقع جغرافيا وسياسيا بين إمبراطوريتين: الفارسية، والغربية.. وأطماعهما متوارثة من خلال الإمبراطورية الشاهنشاهية والإسلامية الحالية، ومن خلال سايكس بيكو ـ بريطانيا وفرنسا وأميركا وقاعدتهم في الخاصرة العربية؛ إسرائيل. ثمة مجال للنجاة لمن لا يريد أن يكون الضحية التالية.. عودوا إلى عروبتكم تسلموا.
نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية