رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

محمد عاكف جمال يكتب : المثقف» بين سهام العتب والنقد والإدانة

بوابة الوفد الإلكترونية

نقرأ بين الحين والحين آراء متباينة حول دور «المثقف» في الأحداث السياسية في بلده وفي المنطقة، خاصة في مرحلة الأجواء العاصفة التي صنعها الربيع العربي والمرحلة التي أعقبت ذلك.

بعض هذه الآراء فيه الكثير من المرارة حول ما يوصف بأنه تقصير وغياب «المثقف» عن المشهد، وترك هذه الفرصة التاريخية لوضع الأحداث في مسارها الصحيح لغيره ليحصد فوائدها، وفق أجندة لا تلبي ما طمحت له الشعوب المنتفضة على أنظمتها القمعية.
لسنا في هذه السطور بصدد مناقشة ملابسات الربيع العربي وما طرح في مشاهده، السلمية منها والدامية، من قيم وممارسات، وما ترتب عليها من تداعيات تستوجب أن يزج المثقف نفسه في أتونها، كما أننا لسنا في مجال الخوض عميقاً في وعورة مصطلح «الثقافة» لنتطرق من خلاله إلى ما للمثقف وما عليه، بل سنركز فحسب على التمييز بين ما هو «فعل ثقافي» وما هو «فعل سياسي»، تاركين للقارئ الحكم على ما ينسب للمثقف من اتهامات.
ما نقرأه في بعض الأحيان يتجاوز سهام العتب إلى النقد، ويصل حد الإدانة لموقف المثقف الذي شكت الساحات والميادين الجماهيرية العربية في ربيعها خلوها منه، حسب ما ذهب إليه بعض الكتابات. والحقيقة أن في ذلك مجافاة للموضوعية من جهة، وفيه الكثير من الإجحاف بحق المثقف من جهة أخرى.
لا يسعنا التشكيك في سلامة النوايا التي دفعت البعض لتبني هذه المواقف المتشنجة والمبتسرة من «المثقف»، فربما يعود ذلك إلى الالتباس في فهم العلاقة بين المثقف ومجتمعه، وهي قضية طالما عانى منها المثقف وتحمل وحده تبعات هذه المعاناة.
الثقافة من غير شك أبرز المقومات الرئيسية لوجود الأمة التي تستمد قوتها وديمومة وجودها من قوة ونفوذ ثقافتها، توحيداً على مستوى الداخل وتأثيراً على مستوى الخارج. وطالما نتابع الحديث عن العالم العربي وعن ربيعه، فنحن لا نكشف سراً حين نقول:
إن هذا العالم يمر بحالة ضعف لم يشهدها منذ عقود. فهناك غياب لمشروع عربي للنهوض، في حين أن هناك مشاريع لدول أخرى غير عربية قيد التنفيذ في دول العالم العربي. ومن الطبيعي أن يكون لذلك تأثير في حالة الضعف التي تعتري الثقافة، والتي تدفعها نحو المزيد من الضعف، فالوهن الذي يعتري العالم العربي يكمن بالدرجة الرئيسية في ضعف وتراجع ثقافته.
والحقيقة أن مقاربة نقدية لدور المثقف من الأحداث السياسية، تتطلب التوقف بعض الشيء، فالافتراض أن على المثقف أن يلعب دوراً سياسياً، بل دوراً سياسياً طليعياً يعمل على تحريض وتعبئة وقيادة الجماهير، فيه بعض الخلل، فالانتماء لمجتمع الثقافة، إن جاز التعبير، غير الانتماء إلى مجتمع السياسة. فبالقدر الذي يعكسه عالم الثقافة من شفافية ونقاء، نرى أن عالم السياسة مغلف بالغموض والإبهام، وبالقدر الذي يتسم به المثقف من صراحة وتلقائية، نرى السياسي غير ذلك.
إن الطلب من المثقف أن يدخل إلى حلبة السياسة وتوظيف قدراته لخدمة أجندة معينة، لا يخدم قضية الثقافة بل يخدم أهداف السياسة التي قد لا تتفق بالضرورة مع أغراض الثقافة، وقد تسبب بعض الضرر بسبب إشكالية العلاقة بين «السياسي» وبين «المثقف». وإذا كان بعض من أضفوا على «المثقف» القدرة في التأثير في توجه الرأي العام، وهو صحيح إلى حد ما، فهذا في الحقيقة خلط بين دور السياسي ودور المثقف.
«الثقافة» ليست مهنة يتخصص فيها البعض، فبإمكان أي شخص أن يحظى بهذه الميزة المرموقة وبوسامها ليحلي صدره، متى ما امتلك من القدرات الذهنية والإرادة الأخلاقية ما يمكنه من الإسهام بإيجابية في الحياة، وتمكن من إغناء وإثراء كمالياتها،

وأضاف ما هو غير مادي إلى وسطه الاجتماعي. فالمثقف يستمد شرعية مكانته في المجتمع، من خلال قوة الأفكار التي يطرحها، والتي تضفي على الحياة قدراً من الرفعة والسمو.
إذا افترضنا أن من واجبات المثقف نحو مجتمعه أن يكون له دور إيجابي في الحياة، فذلك ما لا نختلف عليه في المجال الذي يريده المثقف نفسه، وليس في ما يريده الغير، وهو مجال رفعة الإنسان وقيمه وتوسيع فضاءاته ليلعب دوراً أكبر في رسم مستقبله. ا
لمثقف ليس شخصاً مثالياً، فهو كأي إنسان له طموحاته وأهواؤه، وله حياته الخاصة التي تتأثر بالواقع السياسي في بلده، والتي تعكرها بين الحين والحين السلطات العديدة التي تحاصره أكثر مما تحاصر غيره؛ سلطة الدولة، وسلطة الدين، وسلطة المال، وربما سلطة الانتماء في بعض الأحيان..
وذلك لأنه شخص ليس كالآخرين، فهو من الشخصيات العامة. الولاء للثقافة هو ولاء للإنسان ولفضاءاته، والانتماء السياسي مسألة يتفادى المثقف الحقيقي الانزلاق إليها والوقوع تحت تأثير تجاذباتها، لأنها في النهاية تنال من استقلاليته وتجعله هدفاً تنال منه قوى لم تستطع أن تفعل ذلك حين كان بعيداً عن هذا المجال.
وفق ذلك يبدو أن «المثقف العضوي» الذي صاغ مفهومه أنطونيو غرامشي مطلع القرن المنصرم، في ظروف سياسية عالمية فرضت اصطفافات طبقية، ليس مثقفاً مستقلاً حيادياً وإنما مثقف حزبي أقرب إلى عالم السياسة منه إلى عالم الثقافة.
وهذا المثقف إذ يُعرض المثقفين الذين يقفون في صف السلطة لسهام النقد والتنديد، يصبح واحداً منهم حين يصبح حزبه في السلطة. والحقيقة أن غياب «المثقف» عن ساحات الربيع العربي ليس بالأمر الذي يدعو للغرابة، فقد غيبته ظروف معقدة صنعتها سنوات طويلة خلقت أجواء التغريب له ولأفكاره عن مجتمعه.
فالثقافة عموماً لها وضع مأساوي خاص في بعض دول العالم العربي، فقد اضطر المثقف فيها، عالماً أو مفكراً أو شاعراً أو أديباً أو فناناً أو ناشطاً في قضايا البيئة أو قضايا حقوق الإنسان، في أحوال كثيرة أن يشد رحاله على الرغم من إرادته، نحو الغربة ليحصد مع عائلته مراراتها بعيداً عن وطنه، لأنه عجز عن أداء رسالته التي تتمحور حول الإنسان وحقوقه في التفكير وفي التعبير، بل تضرر من جراء ذلك.. فهذه هي فضاءات المثقف الحقيقي وجوهر رسالة الثقافة؛ إغناء وإثراء حياة الإنسان.
نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية