رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

آيلين كوجامان تكتب : مصر وتركيا.. سحابة صيف

آيلين كوجامان
آيلين كوجامان


«تركيا ومصر مثل نصفي تفاحة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط»..

جاءت هذه الكلمات على لسان الرئيس التركي عبد الله غل، في بيانه الذي أصدره في أعقاب إعلان الخارجية المصرية أن السفير التركي في مصر «شخص غير مرغوب فيه» وطرده من مصر. وأكد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو على الأمر ذاته، مشددا أن «تركيا ومصر قوتان إقليميتان تتسم علاقاتهما بالاحترام المتبادل، ولن تؤثر مثل هذه الأحداث على الأواصر القوية لصداقتنا مع مصر». وأضاف أوغلو «أواصر الأخوة بين الشعب التركي والمصري أبدية».
بيد أن طرد السفيرين كان مؤشرا واضحا على مدى الضعف الذي شاب العلاقات الثنائية بين البلدين. ولكن ماذا عن العلاقات الإنسانية؟ يعد التشابه الجزئي لتصريحات الرئيس غل أمرا حيويا في هذا الصدد: فهو يعتبر كلا الجانبين مثل شطري تفاحة. وبصرف النظر عما وقع، سيظل البلدان بمثابة وحدة واحدة كاملة.
لقد أظهرت تركيا دائما، مع تاريخها المشتمل على الانقلابات العسكرية السرية وإرهاب المنظمات الإرهابية وخضوع الحكومات للإشراف والمراقبة العسكرية، كراهيتها لوجود الدبابات في شوارعها. وربما تكون تركيا قد تصرفت باندفاع وتهور، وربما كان من الممكن أن تختلف الأمور في مصر عما آلت إليه، وربما يكون التدخل العسكري قد حقق ما كان مرغوبا. هل هذا ما حدث؟
تعتبر حالة الشعور بالقلق والانزعاج الموجودة بين الشعب المصري دليلا على الإخفاق في تحقيق مطالب الناس، في وقت ولاية مرسي، ولكن ماذا كان السبب وراء ذلك؟
إذا كنت في مصر وأردت التوصل لحل مسألة اختلاف في الرأي، فيجب عليك أن تستمع إلى الطرفين وتتفهم المشكلة ثم تبدأ الحوار بطريقة «أدبية وثقافية». وحتما ستطفو على السطح المشكلات المتأصلة مرة ثانية. وحينئذ ستدرك أنه لم تعد لديك فرص في الوقت الراهن للتوصل إلى حل. تعمل المناورات السياسية المؤقتة على بقاء الدولة على قيد الحياة لفترة قصيرة مؤقتة، مثلما هو الحال عند الاتصال بآلة الأكسجين، بيد أنه من الممكن سحب القابس الكهربائي في أي وقت لتتوقف الحياة.
جماعة الإخوان المسلمين، التي لا يمكن نبذها بالكامل في التو واللحظة، ينبغي أن تغير طريقة واتجاه تفكيرها، الذي طالما ظل يذكر بالجانب الآخر من التطرف. يعني هذا الأمر شيئا واحدا ألا وهو أن الجماعة ستظل متورطة وحبيسة في هذا الصراع المستمر، مثلما هو الحال بالنسبة لها في الوقت الراهن.
تحتاج الجماعة إلى إصلاح أصيل ومتعقل يتلاءم مع ما هو وارد في القرآن الكريم، ومن ثم يكون ذلك الإصلاح تحرريا وسلميا. وأحد الأشياء الضرورية لإجراء هذا الإصلاح غرس الثقافة والتهذيب. إذا كانت الحكومة الجديدة في مصر ترغب حقا في التوصل إلى حل، فيجب عليها أن تفسح المجال أمام إجراء إصلاح بدلا من قمع هذه الحركة الكبيرة. ويحب تزويد الجماعة بالثقافة والتهذيب اللذين تحتاجهما. وربما كان هذا الأمر أيضا هو السبب وراء رغبة تركيا في المشاركة في ذلك. وقد كانت تركيا عنصرا مهما في هذا الصدد، وربما تكون النموذج الوحيد المتعلق بالإصلاح الذي تحتاجه جماعة الإخوان المسلمين.
ولننتقل الآن إلى إجراء هذا التحليل على الحكومة التركية. تمتلك تركيا خبرة سابقة يمكن إثباتها، فهي صديق للعالم العربي وإيران وروسيا وكذلك الولايات المتحدة الأميركية وغيرها. لم تتصرف تركيا قط انطلاقا من

المنطق الكاذب «عدو صديقي هو عدوي» لأن توجهاتها استرضائية وتميل إلى تحقيق السلام. وقد حافظت تركيا على التوازن في منطقة الشرق الأوسط. وربما كان ذلك الأمر هو السبب وراء حالة الاستقطاب تجاه موقفها الجيوسياسي وديمقراطيتها وتصورها الحديث نحو الإسلام.
بيد أن الأمور تكون أكثر خطورة عندما تتعلق بمصر. فعلاقة تركيا ومصر أكثر حساسية. ولا يريد أي شخص أن يحدث تأثير سلبي للعلاقات المستمرة منذ سنوات عديدة بين البلدين، بيد أن تركيا تتحمل مسؤولية واضحة في هذا الصدد وهي أن تحظى بتأييد الشعب المصري بأكمله.
ووفقا لما ذكرته أثناء مقابلتي على قناة «العربية»، فإن مصر هي المسؤولة بالتأكيد عن شؤونها الداخلية، ولكن عندما يشتد النزاع فإنه يجب على الأصدقاء أن يشاركوا بلعب دور الأخ الأكبر. وفي ضوء تاريخها الحافل بالديمقراطية وخوض تجارب ما بين تبني مذهب السياسة المحافظة والتحرر على مدار 90 عاما، يجب أن تؤدي تركيا دور الدليل في هذا الوضع. ولن يكون ذلك الدور من خلال التحيز لأحد الأطراف، بل عن طريق الفوز بتأييد كلا الطرفين وتقديم حل رشيد يرضي الشعب المصري بأكمله. لا يمكن لتركيا أن تكسب ود الشعب المصري بأكمله من خلال تقديم تصور صادق وتحرري أيضا. حينئذ سيختفي كل الهراء الذي تسببت فيه الاتجاهات العقلية المتشددة، وستسعد الحرية حتى من لا يريدونها.
يجب أن تكون تركيا موجودة لإحداث هذا الأمر، وذلك لأن مصر، حسبما أوضح وزير الخارجية داود أوغلو بدقة شديدة «هي العمود الفقري للمجتمع العربي، واستقرار مصر يرتبط بشكل مباشر باستقرار المنطقة». وإذا كنا نريد التحرك بسهولة في منطقة الشرق الأوسط، فيجب علينا حينئذ أن نكون حريصين، على وجه الخصوص، على عدم الإضرار بالوحدة التركية - المصرية. ومن المؤكد أنه لم يكن هناك داع لاستدعاء سفيري البلدين، بيد أننا شهدنا ظروفا مشابهة لذلك من قبل، فنصفا التفاحة لم ينفصلا على الإطلاق. وهذه الأزمة هي مجرد أزمة عابرة على المدى القصير، ووفقا لما صرح به داود أوغلو فإن «هذه الأزمات مؤقتة.. والصداقة التركية - المصرية أبدية، وهذه الأيام ستمر وتنقشع الغمة».
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط