عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ثروت الخرباوي يكتب : بين القِبلة والقُبلة

بوابة الوفد الإلكترونية

هذه مقالة عن القبلة، القُبلة بوضع الضمة على القاف، وليس القِبلة بوضع الكسرة على قافها، وطبعا فارق كبير بين هذه وتلك، ليس الفارق بين القُبلة والقِبلة هنا هو الضمة والكسرة، ولكن الفارق هو العادة والعبادة، التزلف للعباد والتقرب لله، تعظيم الناس وتعظيم الله.

والقُبلة التي أعنيها حتى لا يذهب عقلك الى بعيد هي القُبلة التي يضعها أحدنا على يد آخر وهو يتقرب اليه، أما عن العادة نفسها فقد كان من المعتاد عليه عبر عقود وأجيال تقبيل اليد سواء كانت اليد التي يتم تقبيلها هي يد الأب والأم أو يد الشيخ الكبير توقيرا لسنه، أو يد من وضع نفسه في مقام دنيوي كبير.
واستمرت هذه العادة بيننا حتى أصبحت عبادة، حيث انتقلت الى تقبيل يد علماء الدين والأولياء والصالحين لعل هذا التقبيل يقربنا الى الله زلفى، كما ان الولي والصالح في ضميرنا البسيط هو ذلك الرجل الذي نضعه في مكانة أعلى من مكانة البشر العاديين، أليس الصالح والولي هما من رجال الله؟.
أما في الاسلام فقد اختلف الفقهاء فهناك من أجازها بشرط ألا تكون من باب التعظيم والمباهاة والتكبر، وهناك من حرَّمها على الاطلاق، وغالبية الفقهاء يذهبون الى ان الحكم الأصلي لتقبيل الأيدي هو المنع، لما فيه من مذلة للمقبِّل وزرع الخيلاء والكبر في نفسية المقبَّل يده، الا ان الفقهاء استثنوا من ذلك حالات لا يحصل فيها شيء مما تقدم، ومن التقبيل الذي أجازه العلماء تقبيل يدي الوالدين عرفانًا بفضلهم.
من أجاز تقبيل اليد للعلماء والأولياء فقد أجازها بشروط وكان من أعلى شروطه هو ان يمتنع من يتم تقبيل يده ولا يمد يده أبدا، اذ لا ينبغي عليه ان يَقبل ان ينحني أمامه أحد ليُقبل يده فالانحناء لا يكون الا لله، والسجود لا يكون الا لله، ومن ذاق حلاوة الانحناء لله والسجود له عافت نفسه الانحناء لغير الله مهما كان هذا الغير ولياً أو تقياً.
وحين ثارت في الآونة الأخيرة تساؤلات عن تلك الطاعة التي تكتنف الشاب الاخواني، وتلك الثقة المفرطة في قياداته حتى أنه لا يجعل مجالا لعقله للتفكير والموازنة والترجيح بين قرارات القيادة من ناحية ومدى تحقيقها لمقاصد الشريعة من حفظ للدم والنسل والمال من ناحية أخرى حتى تجب عليه الطاعة التي هي أصلا لا تكون الا لله ورسوله، ولا تكون لأولي الأمر الا اذا ارتبطت بمقاصد الاسلام، حين ثارت التساؤلات كان لي ان أبحث عن كيفية تكوين عقل الأخ وغرس مفاهيم الطاعة العسكرية في فؤاده، ساعتئذ وجدت ان أول طريق لتعبيد الأخ لقياداته هو تصغيره وتحقيره في عين نفسه ورفع

مقام القيادات الى درجات مقدسة، وكانت القُبلة هي الطريق الأول في هذا التعبيد.
واذ كنت في جماعة الاخوان رأيت الحاج مصطفى مشهور يقدم يده للاخوان كي يُقبِّلوها ويتعجب حين لا يُقبِّلها من يصافحه، ثم رأيت المستشار مأمون الهضيبي وهو يتبع منهج سلفه مشهور في تقبيل اليد، وزاد بأن كان يغضب من الأشخاص الذين لاُيقبِّلوها، ولم أر مهدي عاكف حين أصبح مرشدا اذا كنت قد فارقتهم قبل ان يسترشد ولكنني كنت أراه قبل ان يتولى هذا الموقع فقد كان من نفس منطقتي الاخوانية وكنا نصلي معا في مسجد «عمرو الشربيني» بمدينة نصر، كما كان يُحاضر في الكتائب الاخوانية التي كنت أحضرها، حينها لم يكن أحد يُقبِّل يده أبدا، وعلى حين صفوة من الزمن وبعد ان أصبح مرشدا رأيتُ رجالا كانوا يقولون عنه في غيابه مالا ينبغي ان يقوله أحد عن أخيه، رأيت صورهم في الصحف وهم ينحنون في وضع الركوع لكي يقبلوا يد الرجل الذي أصبح مرشدا فكأنما التقبيل هنا كان للمنصب الذي قدسوه لا للرجل وقيمته!.
ولأنني عرفت محمد بديع عن قرب قبل ان يسترشد فقد رأيته رجلا بسيطا لم يحدث في تاريخه ان قبل يده أحد من الاخوان، ولكن على حين غرة أصبح مرشدا فكان ان أخذ يمد يده للرائح والغادي كي يحظى بقبلة، ولمَ لا وهو المرشد؟!.
وحين تغير الزمن أصبحت القِبلة التي تتوجه اليها الجماعة غير قِبلتنا، وكأن لسان حال قادة الاخوان الجدد يقول لقواعد الاخوان بل ولكل أبناء الحركة التي تنسب نفسها للاسلام: ولنولينكم قبلة غير قِبلتنا الأولى، وما بين القِبلة والقُبلة مسافة، ليست هذه المسافة هي الضمة والفتحة، ولكنها مسافة بين تعظيم الله، وتعظيم عباد الله.
نقلا عن صحيفة الوطن الكويتي