رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سليمان جودة يكتب : أسمع كلامك!

بوابة الوفد الإلكترونية

لا يكاد جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، يرتحل عن المنطقة هذه الأيام، حتى يعود إليها، وفي كل مرة يحل فيها، أو يرتحل عنها، يؤكد للإعلام من جديد أن وراء مجيئه وذهابه، رغبة صادقة لدى إدارة بلاده في الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية بما يكفل إقامة دولة لأبناء فلسطين على أرضهم!

وحين تضع أنت، أخبار الوزير الأميركي وهو يغدو ويروح، أمام خبر صدر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو» من مقرها في باريس، مؤخرا، فسوف تستبد بك الحيرة، ولن تصدق أن الأخبار في الحالتين، رغم ما بينها في كل حالة، من تناقض صارخ، تتصل ببلد واحد هو الولايات المتحدة الأميركية.
فاليونسكو أعلنت أن 13 دولة قد خسرت حق التصويت على قراراتها، كمنظمة دولية، ابتداء من يوم السبت 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.
الغريب، بل المثير حقا، أنك سوف تكتشف أن 11 دولة من الـ13، إنما هي كوم، لتبقى دولتان فقط منها، في كوم آخر تماما! والمشكلة ليست أبدا، كما سوف نرى، في الـ11 دولة إياها، فمنها دول لا نكاد نعرف موقعها على الخريطة، وربما نسمع عن أسمائها للمرة الأولى في حياتنا.. وإلا.. فهل سمعت من قبل عن دولة - مثلا - اسمها «ميكرونيزيا» أو عن دولة أخرى اسمها «نيوي» أو عن دولة ثالثة اسمها «بابوازيا».. أو.. أو.. إلى آخر أسماء من هذا النوع لدول هي بطبيعتها صغيرة، ولا تكاد تكون مذكورة؟!
وعندما نعرف أن سبب إسقاط حق التصويت عنها، في داخل «اليونسكو» راجع إلى عدم سداد كل منها، لحصتها السنوية في ميزانية المنظمة، فسوف نلتمس العذر قطعا لدول كهذه، خصوصا أن المنظمة الدولية ذكرت في الخبر إياه، أن أغلب الدول الثلاث عشرة تخلفت عن سداد حصتها في الميزانية بسبب صعوبات اقتصادية تواجهها.. إذ من الطبيعي أن تعجز دولة مثل ميكرونيزيا عن الوفاء بحصة سنوية كانت قد تعهدت بالالتزام بسدادها عند بدء التحاقها عضوا في اليونسكو.. طبيعي!
ولكن، عندما نعرف في الوقت ذاته، أن الولايات المتحدة وإسرائيل، هما الدولتان اللتان كنت أعنيهما، حين قلت إنهما تمثلان «كوما» وحدهما، فإن السؤال الذي سوف لا يفارق الذهن هو: لماذا امتنعت واشنطن وتل أبيب عن سداد ما هو مقرر عليهما في ميزانية اليونسكو؟!
هل امتنعتا لأنهما تعانيان ضائقة مالية؟!.. غير صحيح بطبيعة الحال، لأن خزانة كل منهما قادرة حتما على دفع عدة ملايين من الدولارات إلى خزانة اليونسكو في باريس بسهولة!
فما السبب، إذن؟!.. السبب مع الأسف هو أنهما أعلنتا التوقف عن السداد، عن قصد، وعن عمد، وليس عجزا، أو سهوا، وكان ذلك منذ قررت المنظمة الدولية قبول فلسطين عضوا بها يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2011،

لتكون هي الدولة رقم 195 في قائمة العضوية هناك.
ولم تتوقف العاصمتان طويلا أمام خبر سقوط حقهما في التصويت، وإنما صدر عنهما ما معناه، أن ما حدث مسألة عادية لأن لائحة اليونسكو تنص على السقوط التلقائي لحق أي دولة في التصويت، إذا ما امتنعت لفترة محددة عن سداد حصتها في الميزانية التي لا تستطيع منظمة دولية بحجم اليونسكو، مواصلة عملها، ثم دورها حول العالم، في مجالات التربية، والثقافة، والعلوم، ما لم يتوافر لها ما يكفي من ميزانيتها.
فهل يمكن التخمين بأن وراء الامتناع من جانب الدولتين، سببا آخر غير ظاهر، وغير معلن، وهو أن العمل على هذه المستويات الثلاثة في أنحاء العالم لا يعنيهما كثيرا، وأنهما لا ترحبان بأن تكون في أي دولة، سواهما، تربية، أو ثقافة، أو علوم؟!
يجوز.. ولكن سواء كان السبب، هو المعلن، أي الاحتجاج على قبول فلسطين، عضوا، أو كان من نوعية هذا السبب التخميني غير الظاهر، فإننا في الحالتين نظل أمام مصداقية لهما، وخصوصا الولايات المتحدة، دون المستوى بكثير!
فالعقل السليم يستحيل أن يستوعب، أن تكون واشنطن التي تمتنع عمدا، عن سداد نصيبها في اليونسكو، لأنها لا تريد لفلسطين اكتساب حق العضوية، هي نفسها واشنطن التي تصدع رؤوسنا في كل صباح بأنها تسعى إلى أن يكون للفلسطينيين حق إقامة دولة على أرضهم المغتصبة من إسرائيل.
ويستحيل أن يستوعب العقل، أن يكون مندوب الولايات المتحدة في «اليونسكو» الذي لن يستطيع بعد اليوم، ممارسة حقه في التصويت، إلى أن يسدد حصة بلاده، منتميا مع «جون كيري» إلى بلد واحد، ومتمتعين، معا، بجنسية دولة واحدة!
غير أن هذه هي الحقيقة المحزنة، ولا يلخصها في إيجاز له معنى، إلا المثل الشعبي المصري الذي يقول «أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب»!
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط