رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محمد خليفة بن حاضر يكتب : ليبيا ومتاهة الثورة

بوابة الوفد الإلكترونية

انزلقت دول "الثورات العربية" في معظمها في أتون الفوضى، وتحولت الأحلام بالديمقراطية إلى كوابيس تقض مضاجع الشعوب العربية في تلك الدول .

ففي ليبيا وهي إحدى الدول التي انتصرت فيها "الثورة"، وحقق فيها الشعب إرادته بتغيير النظام المستبد كما كان يعتقد، أصبحت حياة الناس في خطر داهم، فالأمن معدوم والميليشيات المسلحة بالأسلحة المختلفة تجوب البلاد طولاً وعرضاً، فتنهب وتسرق وتقتل وتعتدي على الحرمات، وعلى الأبرياء دون أن يرف لها جفن، أو تشعر بأدنى مسؤولية تجاه ذلك الشعب المغلوب على أمره .
وفي يوم الجمعة 15-11-،2013 وامتثالاً لأمر الوعاظ في المساجد الذين دعوا المصلين إلى التظاهر ضد الميليشيات، فقد خرجت تظاهرة في العاصمة طرابلس، واجهها المسلحون بإطلاق النار فقتلوا أكثر من ثلاثين وجرحوا أكثر من ثلاثمئة ليبيّ، ومرت الأحداث كأن شيئاً لم يقع، كما مر حادث اختطاف رئيس الوزراء نفسه من قبل ثم اختطاف نائب جهاز المخابرات العامة العقيد مصطفى نوح يوم الثلاثاء الماضي عقب عودته من الخارج، وكأن هؤلاء الذين سقطوا مجرد أرقام لا قيمة لهم .
الدولة الليبية غائبة تماماً عن المشهد، ولا يوجد سوى حكومة شكلية، لا تملك أية سلطة على أرض الواقع، وقد بلغت هذه الحكومة من الضعف إلى الحد الذي دفع رئيسها علي زيدان إلى التحذير "من تدخل محتمل لقوات احتلال أجنبي في حال استمرت الفوضى السائدة في البلاد" . وقال زيدان: "المجتمع الدولي لن يتركنا هكذا منطقة في وسط البحر المتوسط مصدراً للإرهاب والقلاقل والعنف" . وأضاف: "ما زلنا تحت القرار 1970 الذي صدر لحماية المدنيين، وأي شخص يخرج بسلاحه ويقتل المدنيين ويعتدي على المدنيين، وهذا ليس تهديداً ولكنه شرح للواقع وقد يتجه المجتمع الدولي لهذا الأمر" .
بالطبع ما قاله رئيس الوزراء الليبي لا ينطلي على أحد، لأنه يعلم تمام العلم أنه لن تأتي أية قوة في العالم، لنجدة الشعب الليبي مما هو فيه، وعلى هذا الشعب أن يبادر هو إلى اتباع طريق الخلاص، فمن السخف الزعم أن ما حدث في ليبيا كان ثورة، لأن ما حدث كان فوضى .
فبعد أكثر من عامين على إسقاط نظام القذافي، لا تزال هذه الدولة مرتعاً للتنظيمات المسلحة، وساحة لتصفية الحسابات، وموئلاً للمجرمين وقاطعي السبل، وكان من المنتظر أن تضع الميليشيات سلاحها بعد انتهاء المعركة بإسقاط النظام، وخاصة بعد مقتل رأس النظام، لكن هذه الميليشيات فعلت العكس، والسبب يعود إلى أن المنتمين إليها ليسوا ثواراً بالمعنى المتعارف عليه سياسياً، فلكل ثورة أهداف، ليس من بينها أبداً، إشاعة الفوضى، واستمرار حالة عدم الاستقرار . أما هؤلاء الذين يزعمون أنهم ثوار فلم تكن لهم استراتيجية واضحة، ولا أيديولوجية ينطلقون منها، بل تحكمت بهم غريزة القتل والانتقام، ومن ثم تحكمت بهم الأفكار المتطرفة والإرهاب وشرائع الخوف والعنف ويدفع ثمنه غالباً اليوم الشعب الليبي .
وشتان بين ما حدث في ليبيا، وما حدث في الجزائر إبان ثورتها ضد المستعمر الفرنسي، فقد كانت جبهة التحرير الوطني الجزائرية تمثل مصالح الشعب الجزائري،

وقد أصدرت بياناً بعد قيامها بالثورة في الفاتح من نوفمبر عام ،1954 شرحت فيه أفكارها ومبادئها ورؤاها المستقبلية، وقامت بالتخطيط بدقة لكل مرحلة، وأخذت بيد الشعب الجزائري إلى الاستقلال الكامل عام ،1962 وبعد الاستقلال ألقى الثوار أسلحتهم، ومنهم من انضموا إلى الجيش الوطني الجزائري، ما أشاع الأمن والاستقرار في ربوع الجزائر، أما في ليبيا، فبعد إسقاط النظام وتحطيم الدولة، انفلت "الثوار" من عقالهم، وأعجبتهم الحياة خارج سلطة القانون، فهم القانون، وهم الدولة، وأصبح لكل مجموعة منهم أمير يزعم لنفسه الشرعية الدينية، وأصبحت قراراته ماضية كالسيف تُغلف بثياب الفتوى، حتى تضخمت المؤسسة الدينية المتطرفة عبر استقطاعات تاريخية وتحليلية، ما أدى إلى تصاعد الدور السيادي للمتشددين والمتطرفين المتأسلمين، وأخذ أشكالاً عدة بسبب تأثير المقدسّ في الاستقطاعات داخل المجتمع، وبمنهجية الاتساقات الاستنباطية واللاعقلانية على مستوى القيم والتصورات والتقسيمات الاجتماعية، ما زاد من اتساع حجم الفجوة بين سلطة الدولة والأصوليين المتطرفين، حيث مهد الطريق بعد الثورة للفراغ السياسي والأمني وتدمير الدولة الليبية .
إن من يعتقد أن ليبيا ستعود دولة طبيعية مستقرة هم الحالمون لا الواقعيون، لأن المقدمات تنبئ عن فوضى سيطول أمدها، وإن كنا لا نتمنى ذلك، في هذه الدولة، وقد ينتهي الأمر بتقسيمها إلى دويلات متعددة، ما لم تُعلِ كل الأطراف المخلصة، من الشعب الليبي، من مصلحة الشعب الليبي، فتصبح مصلحة ليبيا، من أمن واستقرار وتوافق ورؤية واضحة للمستقبل، فوق مصالح كل القوى الليبية، بمختلف انتماءاتها الأيديولوجية، والعرقية، والإقليمية . وينبغي أن تكون الخطوة الأولى هي تسليم تلك الميليشيات كل أسلحتها، وأن ينضوي من يشاء منهم تحت لواء جيش قوي موحد، يحفظ أمن ليبيا، ويصون وحدة أراضيها، وأن يبتعد الجيش عن الطائفية والإقليمية، وتكون الكفاءة هي معيار انتقاء العناصر القادرة على تأسيس جيش قوي توكل إليه مهمة حفظ الأمن الداخلي، حتى تسترد الدولة عافيتها، ويتفرغ السياسيون لبناء دستور جديد، وتأسيس دولة حديثة بذل من أجلها الثوار الحقيقيون دماءهم الطاهرة .
نقلا عن صحيفة الخليج