رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

العلاقات المصرية الروسية إلى أين؟

عبدالله السويجي
عبدالله السويجي

العلاقات المصرية الروسية تتطور بشكل متسارع ولكن بهدوء، وأحياناً بعيداً عن الضجيج الإعلامي، ويبدو أن مصر توجهت نحو روسيا بعد توتر العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، التي هددت بقطع المساعدات المالية عن مصر، وهذا التحرك هو الذي جعل كثيرين يقارنون بين وزير الدفاع المصري الفريق السيسي وبين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذي كانت تربطه علاقات قوية مع الاتحاد السوفييتي، التي تحاول روسيا أن تقوم بدوره الآن .

وعلى الرغم من الكتمان الذي يحيط بالاتفاقات، إلا أن أخباراً عنها تسربت إلى بعض وسائل الإعلام التي نشرت معلومات نسبتها إلى مصادر مطلعة في القاهرة، عن اتفاق روسي مصري لتسليح الجيش المصري بأحدث الأسلحة الروسية، وبصفقة أولية تقدر قيمتها بأربعة مليارات دولار، قامت بتسديدها دولة خليجية عن مصر، وأن روسيا قدّمت لمصر عرضاً لصفقة تاريخية بأن تختار مصر نوع السلاح الذي ترغبه من دون أي تحفظات أو خطوط حمر على بعض الأسلحة كما كان يحصل في السابق، والأخطر والأهم من ذلك ما جاء في التسريبات من أن هناك مباحثات مصرية روسية لمنح الجيش الروسي قاعدة بحرية في السويس أو بورسعيد، وذكرت الصحيفة أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الأخيرة إلى مصر كانت مفاجئة، حيث طلب كيري من الفريق السيسي التراجع عن الصفقة المذكورة، وأن الولايات المتحدة على استعداد لإعادة العلاقات مع مصر كما كانت سابقاً قبل أزمة الأخوان المسلمين، وقالت المصادر إن الفريق "السيسي" رفض العرض الأمريكي والتراجع عن الصفقة مع روسيا . كما نقل موقع "ديبكا" الاستخباراتي "الإسرائيلي"، معلومات تشير إلى أن روسيا اقترحت مدينة الإسكندرية، إضافة إلى أربعة مواقع أخرى، مقراً لإنشاء قاعدة بحرية لها"، وأن روسيا ترغب في الحصول على موقع ارتكاز بالإسكندرية لتصبح بديلاً لها في حال اضطرارها مغادرة قاعدتها في ميناء طرطوس السوري . وقال موقع "فيلكا إسرائيل" الاستخباراتي، في تقرير له عن مسؤولين في أجهزة الأمن "الإسرائيلية" قولهم "إنه ليس مصادفة أن يتم الإعلان عن نية روسيا إرسال حاملة الطائرات الروسية "فاليري" إلى البحر المتوسط، وتحديدا إلى ميناء الإسكندرية، إضافة إلى عدد من السفن الحربية الروسية، بعد يوم واحد من زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى مصر، وأن عدد السفن الروسية في المنطقة أصبح 16 سفينة تقريباً، ويأتي هذا في الوقت الذي تنسحب فيه سفن الأسطول الأمريكي بعد التراجع عن قرار التدخل العسكري في سوريا، وهو ما يؤكد أن روسيا بدأت تتحول إلى قوة بحرية لها وجود قوي في المنطقة .
أما ما تناقلته وسائل الإعلام في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري فهو تأكيد وزير الدفاع الروسي "سيرجى شويغو" بعد محادثاته مع الفريق عبد الفتاح السيسى، قبل مغادرته القاهرة، بأن هناك اتفاقاً مع الجانب المصري على توقيع اتفاقية تعاون مشترك في المستقبل القريب بين القوات المسلحة الروسية والمصرية، يتضمن إجراء مناورات عسكرية بين البلدين .
إذا كان كل ما تقدم من تسريبات حقيقة، فهل ستشهد المنطقة تحالفات جديدة، تعيد إلى الأذهان التحالفات التي كانت قائمة في ستينات القرن الماضي، حيث كان للاتحاد السوفييتي وجود ملموس ونفوذ كبير في منطقة الشرق الأوسط، ولاسيما في مصر وسوريا والعراق وليبيا ولدى المقاومة الفلسطينية، باعتبار أن الاتحاد السوفييتي كان يرفع شعارات ضد الإمبريالية وكان يعني بها الولايات المتحدة الأمريكية، لكن كانت علاقاته مع الكيان الصهيوني ليست سيئة تماماً . إلا أن التاريخ، وإن أعاد نفسه أحياناً، إلا أنه لا يعود بحذافيره، أي أن الحرب الباردة لن تنشب مرة أخرى لأسباب كثيرة من بينها تفكك الاتحاد السوفييتي، إلا أن روسيا كما يبدو، تحاول تدارك أمر تهديد وجودها في المنطقة،

وتخشى خسارتها لقاعدتها البحرية في طرطوس السورية، وهذا إن حدث تكون قد خرجت من المنطقة بخفي حنين، خاصة بعد سقوط نظامي صدام حسين ومعمر القذافي، ولهذا السبب، انتهزت فرصة الخلاف المصري الأمريكي، ودخلت على خط التنافس، وقدمت عروضها المجزية والمغرية لمصر، وقد قابل هذا هوى الثورة المصرية إلى الاستقلال عن أمريكا، كما كان حال ثورة ،1952 وبذلك تعود مصر للعب دورها العربي، لكن هنالك فرقاً بين ظروف الصراع في عهد جمال عبد الناصر والآن، ففي الستينات كان الصراع المصري "الإسرائيلي" متوهجاً، ولجأ للاتحاد السوفييتي لتزويده بالسلاح، وبمنظومة دفاع جوي لمواجهة التفوق "الإسرائيلي"، بينما في الوقت الحالي، ترتبط مصر مع "إسرائيل" بمعاهدة سلام، وقعت عليها الولايات المتحدة، وبالتالي، فإنه من غير المؤكد أن يكون السلاح الروسي لمصر، أو القاعدة البحرية في الإسكندرية أو السويس، موجهاً ضد "إسرائيل"، إلا إذا قامت مصر بإلغاء معاهدة كامب ديفيد بينها وبين "إسرائيل"، عندها تكون احتمالات عودة الصراع قائمة، وقد تنشب حرب بين الطرفين، وعندها أيضاً، قد تطل الحرب الباردة بوجهها "البارد" أو تطل الحرب الساخنة بوجهها "القبيح" .
لقد استفادت روسيا من النتائج المرتبكة لما سُمّي بالربيع العربي، ولاسيّما تلك النتائج التي تركتها تدخلات حلف الناتو في ليبيا، حيث تُرك هذا البلد النفطي لقدره، يعيش الفوضى والتقسيم والفتن، بعد التخلص من العقيد القذافي، وتخشى روسيا أن يحدث الشيء نفسه في سوريا، ولهذا تقف موقفاً عنيداً حتى الآن وتدعم النظام السوري قدر استطاعتها، وإذا ما خرج النظام السوري منتصراً في حربه مع المعارضة المسلحة، تكون روسيا قد حققت مكاسب لم تكن تحلم بها .
أما السيناريو الآخر المحتمل فهو إعادة توزيع مناطق النفوذ بين روسيا والولايات المتحدة، فتسمح روسيا بسقوط النظام السوري ورحيل الأسد، وبذلك تخسر قاعدتها البحرية في طرطوس السورية، ولكنها في المقابل تحصل على مكافأة كبرى من خلال وجودها في مصر، وهي دولة أكبر وأهم وفيها فوائد اقتصادية وعسكرية واستراتيجية .
الاتفاقات المصرية الروسية لا تزال في مهدها، لكن الجانبين كما يبدو جادان في المضي قدماً نحو المزيد من التعاون العسكري والاقتصادي، وهذا ما تحتاجه مصر حالياً، بعد اهتزاز اقتصادها، وخلال المرحلة الانتقالية التي ستختبر فيها قدراتها على التحول الديمقراطي، ولكن، ومهما يكن من أمر المصالح لدى الطرفين، فإن التقارب الروسي المصري سيؤثر في موازين القوى في الشرق الأوسط، وستظهر آثاره في الأشهر القليلة المقبلة .
نقلا عن جريدة الخليج