عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أمينة أبو شهاب يكتب : عرفات والمادة المشعة التي حسمت حقيقة استشهاده

بوابة الوفد الإلكترونية

 قال إنه سيموت شهيداً وها هم لا يستطيعون انتزاع هذه الشهادة منه بعد تمويهها بالمرض الذي كان عارضاً خارجياً باسم المادة السمية المشعة التي تم دسها له بإحدى طريقتين وهما الحقن أو الطعام، كما يؤكد التقرير الصادر عن مركز لوزان الجامعي للطب القانوني . لم يكن ذلك قتلاً بشعاً وبطيئاً، كان آخر ما انهار فيه من جسد عرفات هو دماغه، وذلك إمعاناً في تعذيبه، بل لقد روجت الجهة القاتلة، وهي “إسرائيل”، عبر إعلامها أن الأعراض المرضية الغامضة التي أصابت عرفات هي لمرض جنسي، ولا يزال هذا الترويج مستمراً إلى اليوم .

حقيقة استشهاد عرفات باكتشاف المادة المشعة في عظامه ستتلألأ منتصرة لشخصه ولقضيته ونضال شعبه .

ملف مقتل القائد الفلسطيني ياسر عرفات ليس هو ذا طبيعة جنائية، بل ملف سياسي كبير يبدو الفلسطينيون والعالم العربي كله في حالة عجز عن التعامل معه على أنه كذلك، وعلى أنه يحتوي جريمة مرتبطة في نسق متصل مع جرائم قتل سياسية أخرى وتصفيات جسدية موجهة ضد قيادات عربية كانت تمارس أدواراً خارج حدود حمراء، أصبحت الآن راسخة وفاعلة بعد مفاعيل التصفيات تلك منذ عبد الناصر والملك فيصل وليس انتهاء بعرفات بالطبع .

لقد تم قتل ياسر عرفات علناً وضمن ملابسات سياسية واضحة، وفي وقت تطورات أحداث سياسية كانت تقول إن لحظة اغتياله قد اقتربت، وإنه حان موعد قتله بكيفية معينة، لا شك أنه كان مدركاً لها وواعياً بموعد حدوثها بعد أن عزل واغتيل سياسياً، ولذلك فقد كان يعلن بلسانه “شهادته” الحتمية مفنداً إياها عن موت مشبوه الأسباب يتم التنكيل المعنوي به والتشويه لصورته النضالية ورمزيته للقضية الفلسطينية، وهو ما حدث .

هكذا، ولأن الفلسطينيين والعرب غير قادرين على أن يكونوا بمستوى التعاطي مع ما يتطلبه ملف الاغتيال وحيثياته والمشاركات الداخلية والخارجية فيه، فإن الصيغة الجنائية لقتل عرفات هي التي ستفرض نفسها وأسئلتها التي ستبقى رغم أهميتها البالغة في الكشف عن الجريمة البشعة محدودة وشبه منفصلة عن الإطار الأصلي، وهو البعد السياسي .

ولذلك، ولأن القضية تأخذ الشكل الجنائي وتحصر فيه، فإنها تطرح إعلامياً في كثير من التقارير والمقالات في الإعلام العربي بصيغة “النتائج غير القاطعة” عن “البولونيوم 210” المشع وكونه السبب الأكيد في وفاة عرفات . الأخذ والرد وتناول موضوع الاغتيال في إطار نتائج تحقيق المختبر السويسري التي “تدعم بشكل معتدل نظرية أن تكون الوفاة نتيجة البولونيوم المشع 210” ونتائج التقرير الروسي بأن مستوى المادة في رفاته لا يعطي دلائل كافية عن سبب الوفاة . وهكذا إذن حتى وإن كانت النتائج مؤكدة مختبرياً وكيميائياً بوجود مادة التسميم النووية المشعة، إلا أن القاتل ينجو من الإدانة ويتملص من تحديده، والإشارة إليه بشكل مباشر من خلال لغة التقارير العلمية غير الجازمة بطبيعتها أو ما وراء عدم الجزم والتمويه من أسباب سياسية .

لقد سبق وأن أفلتت “إسرائيل” من التجريم والإدانة في الوقت المناسب والحاسم حين وفاته بعد الأعراض الغامضة وإنهيار

جسده وأجهزته الرئيسية خلال شهر واحد، وكانت الواسطة في هذا الافلات الذي استمر لسنوات هو المستشفى العسكري الفرنسي والسلطات الطبية والعلمية . كان التقرير الطبي الفرنسي قد تحدث عن سبب وفاة عرفات على أنه سكتة دماغية ونقص في الصفائح الدموية، مشيراً بذلك إلى صفة المرض والأعراض وليس إلى سببها الذي تمت التعمية عليه، وقتل الأسئلة من حوله من خلال محتوى التقرير الذي تعمد التجهيل والتسليم به بدل إعمال العقل والأسئلة ذات البعد السياسي .

غريب اليوم بعد تسع سنين من استشهاد عرفات وبعد إعلان نتائج المختبرين الروسي والسويسري أن يكون قد مضى كل هذا الزمن ورفات عرفات المسمومة بالاشعاع ترقد مواراة في التراب، كما كانت الأسئلة حول اغتياله مدفونة كذلك في كثبان من الرمال من دون أن يكون تحليل العينات خياراً بديهياً يفرض نفسه منذ الساعات الأولى لوفاته . للمواد المشعة مثل “البلونيوم 210” عمر افتراضي قصير أو نصف عمر، ولا شك أن من قتلوا عرفات قد راهنوا على عامل الزمن وأثره ليس بخصوص البولونيوم ونقصانه وتلاشيه في رفات الشهيد فحسب، وإنما أيضاً على بعد المسافة الزمنية سياسياً وتغير وقع خبر الاغتيال، خاصة أن الغموض مازال يحيط به وسيظل يفعل مادام أن سلطة العلم والطب هي سلطة خاضعة في الغالب لقوة السياسة . لقد كان يمكن ألا تنفذ “إسرائيل” بجلدها بكل هذه السهولة من الجريمة وأن تدان، وإن معنوياً، هي وشركاؤها في اللحظة المناسبة وهي اللحظة الظرفية للاستشهاد . ولكن الحقيقة أن ما يحدث بعد التخلص الإجرامي من قائد بحجم عرفات يؤكد أسباب القتل ومبرراته لدى القاتل الذي أخذ كنتيجة لذلك فسحة زمن طويلة من دون إدانة واحدة جادة تشير إليه . لقد كان ملف قتل عرفات يستحق تعاطياً سياسياً مختلفاً، لا أن يكون قضية جنائية، ولكن ألا تشير هذه الحقيقة أيضاً إلى أنه كان شهيداً جديراً بشكل موته في هذا الزمن العربي المختلف؟
نقلا عن صحيفة الخليج