رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصطفى الفقي يكتب : قراءة في المستقبل

مصطفى الفقي
مصطفى الفقي

 

لا بد من ارتياده بجسارة وقوة، إن غداً هو الأمس بعد غد، والأمم تحتاج إلى نظرة بعيدة، والشعوب تحتاج إلى استشراف المستقبل على مداه القريب والمتوسط والبعيد،

وها أنا أطرق المدى الأول وأرجو أن يكون حديثي خفيفًا على القلب مقبولاً لدى العقل، خصوصاً أنه لا يحكمه هوى ولا يدفعه غرض إلا الرغبة في التفكير “خارج الصندوق” والتقليب في أوراق ما هو قادم، ولعلي أعبر الآن عن الأسلوب الذي أراه للخروج من المحنة الحالية للوطن والمأزق الصعب الذي نعيشه، وأفصّل ما أريد أن أقوله من خلال النقاط التالية:

أولاً: أرجو أن يتذكر من قرأ لي من قبل أنني كتبت في عصر الرئيس الأسبق “مبارك” وفي هذه الصحيفة تحديدًا أن “جمال مبارك” يمكن أن يكون وزيراً فقط فذلك هو أقصى ما يتواءم مع كفاءاته كاقتصادي متميز، ولكن ما فوق ذلك يحتاج إلى ما هو أعلى من القدرات، ومع الفارق الكبير بين الشخصيتين ،فإنني أرشح الفريق أول “عبد الفتاح السيسي” بطل 3 يوليو/تموز لمنصب رئيس الوزراء في هذه المرحلة وليس ذلك انتقاصاً من قدر رئيس الوزراء الحالي الصديق الدكتور “حازم الببلاوي” وحكومته ولكنني أحسب أننا محتاجون على المدى القصير إلى “حكومة طوارئ” أو “حكومة حرب” سمها ما تشاء فنحن نواجه صدامات داخلية وحرباً في سيناء .

لذلك فإن وزارة مصغرة تضم مجموعة من الاقتصاديين والعسكريين وخبراء الأمن والقانون والسياسة الخارجية يمكن أن تمثل أولوية عاجلة للوطن المصري في هذه الظروف الصعبة حيث يقتضي الأمر التفكير بشكل جدي في مواجهة حاسمة للموقف المتردي على جبهات مختلفة لبلد مرصود داخلياً ومستهدف خارجياً، وإذا قامت تلك الحكومة الطارئة بقيادة شخصية محترمة أجمع عليها المصريون لأنها جمعت بين حزم العسكري ودهاء السياسي فإن الفريق أول “السيسي” يكون قد قدم خدمة أخرى لشعبه، إذ إن صناع 3 يوليو/تموز ليسوا هم من يحكمون، وبالتالي فإن إنجاز الشعب المصري في ذلك اليوم قابل للتبديد والهدر في ظل أوضاع غير مستقرة وقرارات غير مدروسة رغم أنني لا أنكر أن الوزراء الحاليين هم أفضل مجموعة منذ ثورة 25 يناير حتى الآن، ولا ينتقص هذا الاقتراح من ترشح الفريق أول “السيسي” لمنصب الرئاسة بل قد يؤهله أكثر لذلك خصوصاً إذا ما توصلنا إلى دستور توافقي وانتخابات برلمانية شفافة ومتوازنة .

ثانياً: إن الرئيس الحالي وهو قاضٍ متميز يملأ موقعه في هدوء واقتدار لذلك، فإن وجوده للإشراف على الانتخابات الرئاسية سوف يكون ضمانة حقيقية ومصدر طمأنينة لكل الأطراف على أن تكون معظم الصلاحيات في الشهور القادمة متمركزة في مجلس الوزراء الذي يعبّر عن السلطة أكثر من تعبيره عن الشرعية، وأدعو هنا إلى تشكيل “مجلس استشاري” من المتخصصين في فروع السياسة والحياة وكبار المفكرين غير التقليديين لخدمة رئيس الوزراء وحكومته في المرحلة القادمة وليس ما أقوله بدعة فقد سبقتنا إليه دول مرت بظروف مشابهة واجتازتها بمجموعة من القرارات الصعبة التي لا نستطيع تجاهلها .

* ثالثاً: إنني لا أستسيغ تعبير المصالحة ولكنني في الوقت ذاته دعوت منذ سنوات إلى نوع من القبول الطوعي المتبادل بين القوى السياسية المختلفة بل ومراحل تاريخ السلطة في مصر الحديثة، ولقد أنصفت “العصر الملكي”، واحترمت زعامة “عبد الناصر”، وقدرت حكمة “السادات”، ولم أرفض توازنات “مبارك”، خصوصاً في سياسته الخارجية بل وقبلت من “مرسي” بعض تصريحاته ولكنني اكتشفت أنها كانت عبارات بلا معنى، وكلمات بغير مضمون، فالرجل لم يكن يحكم فقد قالت أمامي مسؤولة أمريكية كبيرة أثناء حكم الرئيس السابق “مرسي” إن ستة أشخاص يحكمون “مصر” ليس من بينهم “مرسي” ذاته! وها أنا أدعو اليوم إلى قبول الآخر وفتح مساحة كبيرة لأرضية مشتركة لكل من يقبل بالوطنية المصرية ركيزة ومنطلقاً

وغاية شريطة ألا يكون قد تم تجريمه بقضاء مصر الشامخ الذي يثبت كل يوم أنه أقوى وأعرق مما تصورنا، إنني أطالب جماعة “الإخوان المسلمين” صراحة بالتخلي عن العناد والدخول في عملية سياسية متكافئة مبتعدين عن روح “الأخونة” ومغلبين الصالح العام على أن يكونوا أكثر حساسية لحدود مصر الجغرافية وأبعادها السياسية، إنني أريد شعباً يعيش على الاندماج في عملية سياسية مشتركة نحترم فيه اختلافاتنا بعد سنوات من الإنكار والتجاهل والإقصاء والانتقام، قد أكون “طوبائياً” فيما أقول ولكن الآمال الكبيرة تتحقق عندما تبدأ الأحلام الضخمة تغزو العقول الواعية، إنني لم أفقد الأمل في وطن يعيش فيه الجميع ليبراليين وإخواناً، يساريين وناصريين، سلفيين وصوفية، قوميين ودعاة فرعونية  . . إنها مصر التي التقت على أرضها الثقافات، فكيف لا تتحاور على أرضها السياسات .

* رابعاً: إنني أدعو المصريين إلى مزيد من الثقة بالنفس وإبعاد الشعور بالاهتزاز أو الاستسلام لرعشة وطنية نتيجة الانتقادات الخارجية، فمصر بلد عرف عبر تاريخه الطويل الضغوط الخارجية والصراعات الداخلية ولم يهتز يوماً أمام الرياح العاتية والعواصف والأنواء التي تهب عليه من كل اتجاه، إنني أرى دولاً كثيرة تدير ظهرها عند اللزوم للضغوط الخارجية المتزايدة وتشعر الأطراف الضاغطة بأن مصر بلد عريق له سيادته ومكانته وسياسته أيضاً، أقول  ذلك حتى يدرك الغرب أن “مصر” بلد يضم حشدًا هائلاً من العقول والخبرات والكفاءات ولن يستسلم لكل التهديدات .

* خامساً: إذا كانت هذه تصوراتنا على المدى القصير، فإن لنا آمالنا على المدى الوسيط وأحلامنا على المدى الطويل، إننا نريد أن نعبر النفق أولاً وأن نخرج من عنق الزجاجة قبل كل شيء بمزيد من العمل الجاد والإنتاج المتواصل والفكر الثاقب وبقليل من الاعتصامات والاحتجاجات والمظاهرات . إننا نريد صعود المجموعة الأولى وهبوط المجموعة الثانية ثم نأتي في المرحلة الوسيطة لنؤكد سيادة الدولة وهيبتها وخضوع كافة الأطراف المجتمعية والقوى السياسية لما نسعى إليه . أما على المدى الطويل فإننا نأمل حصاداً يتعلق بالارتقاء بالتعليم المصري وروافده في البحث العلمي والثقافة والإعلام على أن نمضي جميعاً لمواجهة حكيمة وعاقلة مع “ملف مياه النيل”، ونظرة جسورة للوضع في سيناء مع ضرورة تعميرها، فذلك حق الأجيال القادمة علينا بدلاً من الاستغراق في الصراعات وترديد الشعارات والابتعاد عن روح الوطنية المصرية، ولنتذكر جميعاً أن “العدالة الاجتماعية” هي الفيصل في النهاية في مشروعية الحكم والقبول به .

حمى الله “الكنانة” وشعبها وليس ذلك عليه بعزيز!
نقلا عن صحيفة الخليج