رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

غسان العزي يكتب : إعادة هيكلة استراتيجية أمريكية في الشرق الأوسط

غسان العزي
غسان العزي

 

يرى بعض المحللين أن عزوف الولايات المتحدة عن التدخل العسكري في سوريا دليلاً جديداً يضاف إلى أدلة عديدة (العزوف عن التدخل العسكري ضد نظام القذافي ثم ضد الجهاديين الإسلاميين في مالي وعن دعم المعارضة السورية بالسلاح  . . .إلخ)

على نيتها التخلي عن الشرق الأوسط، وذلك من ضمن استراتيجية جديدة تقضي بالاستدارة شرقاً صوب آسيا-الباسيفيك حيث ثلثي التجارة العالمية والتنافس الدولي المحتدم على خلفية صعود “البريكس لكن محللين آخرين يرون أن هذا التراجع الأمريكي في الشرق الأوسط ليس إلا ظرفياً تكتيكياً تمليه ظروف مرحلية عابرة مثل الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعانيها القوة الأعظم والمعسكر الغربي عموماً، وليس جزءاً من رؤية استراتيجية أمريكية جديدة لمناطق العالم .

وقد عبر عن ذلك الرئيس أوباما نفسه، وكذلك وزير خارجيته جون كيري من خلال تصريحات عديدة مفادها أن القوة العظمى التي تريد ممارسة زعامة عالمية عليها، قبل كل شيء، أن تهتم بقاعدتها الاقتصادية وبصحة بلدها ونموه الاقتصادي وتقدمه لاسيما في القطاعات الحساسة التي يتوقف عليها مستقبل القوة الحقيقية على المدى الطويل .

لقد واجهت الولايات المتحدة تجارب مريرة في العراق وأفغانستان جعلتها مقتنعة بعدم جدوى التدخل العسكري المباشر في البلدان الإسلامية . وعدم التدخل العسكري لا يعني بالضرورة إدارة الظهر لمنطقة تبقى من أكثر المناطق أهمية في العالم والتي تضم أكثر حلفاء الولايات المتحدة وثوقاً وديمومة، رغم الأهمية الجيو-سياسية المتعاظمة لمنطقة المحيط الهندي .

ويتساءل المحللون عن القوة العظمى التي يمكن أن ترث النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط فلا يجدونها . ذلك أن روسيا تفتقر إلى السند العسكري والتاريخي والجاذبية الثقافية، والصين تفتقر إلى الرغبة والقدرة في آن معاً، وأوروبا ليست قوة يحسب لها حساب . لذلك فمن الصعب التعويض عن النفوذ الأمريكي والذي سيعود في مرحلة لاحقة بعد أن تنتهي واشنطن من ما يسميه هؤلاء المحللين “إعادة الهيكلة الاستراتيجية” . وتقتضي إعادة الهيكلة هذه السعي إلى ترتيب أمور البيت الداخلي الأمريكي (العلاقة بين الحزبين الكبيرين الديمقراطي والجمهوري، قضايا المديونية والعجز الخزيني وتصحيح مسار الاقتصاد والمالية، الأوباما كير  . . .إلخ) وعقد الصفقات الاستراتيجية الكبرى مع قوى عظمى مثل روسيا، على غرار ما فعل نيكسون في سبعينات القرن الماضي عندما قرر الانسحاب من حرب فيتنام وعقد الصفقة الكبرى مع الصين الشعبية، والتي أحدثت تحولاً في بنية النظام الدولي . سياسة نيكسون هذه، والتي ندد بها كثير من المتشددين وقتها، لم تؤد إلى تراجع قوة بلاده في العالم . على العكس فإنها سمحت بالتخلص من الحرب التي استنزفتها وأساءت إلى سمعتها وهيبتها ومكانتها في

الساحة العالمية . هذا ما حصل اليوم مع حربي العراق وأفغانستان اللتين دفعتا إدارة أوباما إلى استخراج الدروس والعبر بالعمل على الحلول السلمية والبحث عن الصفقات السياسية مع الخصوم بديلاً من المواجهات العسكرية .

إذا سلّمنا بجدوى المقارنة بين نيكسون وأوباما، في هذا المضمار، فإن استراتيجية الأول قامت على تلزيم الحلفاء الإقليميين (إيران الشاه وقتها، “إسرائيل”، جنوب إفريقيا، البرازيل . . .إلخ) بديلاً عن الانخراط المباشر في الصراعات الإقليمية . وأوباما دفع حلفاءه (أوروبا وحلف الأطلسي ودول إقليمية  . .إلخ) إلى التدخل في الأزمات (تونس، مصر، ليبيا، سوريا، اليمن، مالي . .إلخ) في حين تبنت إدارته ما سمي بالقيادة من الخلف أي من دون تدخل مباشر . وكما عقد نيكسون “الصفقة الكبرى” مع الصين الشعبية فإن أوباما يعمل على صياغة صفقة كبرى مع روسيا من خلال الأزمتين الإيرانية والسورية . وهذا لا يعني، تماماً كما في الحالة النيكسونية، التخلي عن المصالح الأمريكية لا في الشرق الأوسط ولا في غيره من المناطق التي تملك فيها الولايات المتحدة مصالح استراتيجية واقتصادية . على العكس فإن من أهداف التوصل إلى حل مع إيران هو تحقيق هذه المصالح وليس التخلي عنها .

هذا من أسباب الصعوبات التي يواجهها عقد مؤتمر “جنيف2” والذي يهدف ليس فقط إلى إيجاد حل للأزمة السورية بل أيضاً، ومن خلالها، إلى ترتيب الصفقة الكبرى في كامل المنطقة . وهذه الصفقة لا تقتضي البتة التخلي عن حلفاء أساسيين، مثل مصر والسعودية وتركيا، كما يخشى البعض بل على العكس فإن واشنطن صارت أحوج إلى هؤلاء من أي وقت مضى، من ضمن “إعادة الهيكلة الاستراتيجية” التي تقتضي إعادة ترتيب السياسات وتوزيع الأدوار .
نقلا عن صحيفة الخليج