عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جلال عارف يكتب : محاكمة مرسي وسقوط الإخوان

جلال عارف
جلال عارف

كما توقعنا كان اليوم الأول في محاكمة المعزول محمد مرسي في القاهرة هو يوم السقوط الكبير لجماعة "الإخوان". قبل المحاكمة فعلوا المستحيل حتى لا يقف الرئيس المعزول في قفص الاتهام. مارسوا هم وحلفاؤهم كل أشكال الإرهاب، واستعانوا بالأصدقاء الإقليميين والأجانب. وتوسلوا لكي تضغط أميركا وأوروبا.

كان "الإخوان" قد هددوا بـحرق مصر إذا تم تقديم المعزول وباقي قيادات الإخوان للمحاكمة، وجاء اليوم المشهود ليكون واحداً من أهدأ الأيام التي مرت على مصر منذ ثورة يناير، وهدد "الإخوان" بخروج الملايين لمنع انعقاد المحكمة، وجاء اليوم المشهود لنجد أكبر مظاهراتهم لا تتعدي بضع مئات سرعان ما كانوا يفرون خوفاً من غضب المواطنين.
وقال "الإخوان" إنه لن يكون "الملايين" فقط، بل يوم "البلايين" التي ستخرج في كل أنحاء العالم لدعمهم، فلم نجد أثراً لهذه الأوهام إلا في قناة "الجزيرة" التي تحولت إلى أداة لشتم مصر والتنطع على ثورتها بشكل لم يعد يثير لدى شعب مصر إلا المزيد من الاحتقار.
أجهزة الأمن تستعيد كفاءتها وتحكم سيطرتها على الموقف، ولعل ما حدث يوم بدء محاكمة المعزول وإخوانه يقدم المثل على ذلك، لكن ما سبقه كان الأهم حيث تم إجهاض كل المخططات التي كانت تستهدف إشاعة الإرهاب مع بدء المحاكمة، وتم تفكيك عدد من الخلايا وضبط كميات كبيرة من الأسلحة.
السؤال الذي سيطر على المصريين وهم يتابعون أول أيام المحاكمة كان: هل هؤلاء الذين كانوا في القفص كانوا يحكمون مصر؟.. وهل كان يمكن أن يستمر وضع كهذا في دولة بحجم مصر ومكانتها؟!
.. أما الذين انخدعوا بالإخوان فقد عرفوا أنهم كانوا في قبضة عصابة مستعدة لفعل أي شيء من أجل الاستيلاء على الحكم، وأدركوا أن الجماعة تهاوت حين انقطع الحبل السري الذي يمدها بالمال من الخارج، وحين تخلى عنها الرعاة الدوليون الذين راهنوا عليها لفترة وخاب رهانهم، ولا يريدون الآن أن يفقدوا مصر إلى الأبد.
قبل بدء المحاكمة بيوم واحد كان جون كيري وزير خارجية أميركا بالقاهرة في زيارة لم تكن مجدولة ضمن جولته المقررة في دول المنطقة. تخوف البعض من ضغط أميركي لمنع المحاكمة أو تأجيلها، لكن ذلك كان أبعد شيء يمكن أن يرد في خاطر الوزير الأميركي. العكس كان صحيحاً، بمعنى أن ظهور المعزول في قفص الاتهام بعد يوم واحد من زيارة جون كيري كان في حد ذاته رسالة أميركية بإقرار الأمر الواقع.
الأهم أن كيري أكد موقفاً أميركياً أكثر اعتدالاً يؤيد المسار الذي صدرته خارطة الطريق، وأنه - لأول مرة - تحدث في لقائه مع ممثلي المجتمع المدني عن احترام إرادة شعب مصر الذي قام بـ"ثورتين" في ثلاث سنوات، وهي أول إشارة رسمية أميركية إلى 30 يونيو باعتباره "ثورة" بعد أن كانت قد اعترفت سابقاً بأنها كانت تعبيراً عن إرادة الملايين المعارضة لحكم المعزول مرسي!!
بعد المحاكمة بيومين كان هناك بيان بالغ الأهمية من رئاسة الجمهورية في مصر ذكر أن هناك مؤشرات قوية لتغيير إيجابي في الموقف الأميركي، لكن أكد أن مصر تعيد تقييم سياساتها الخارجية وأنها إذا كانت حريصة على علاقاتها بالولايات المتحدة كدولة عظمى، لكنها أكثر حرصاً على الإرادة الشعبية والكرامة الوطنية.
ومع الإشارة إلى أن القاهرة تنتظر خطوات سياسية واقتصادية أميركية في الأيام والأسابيع المقبلة تؤكد من خلالها واشنطن دعمها إرادة المصريين، إلا أن الرئاسة قالت إن مصر لن تقبل أي تدخل في شؤونها، وأن المصريين وحدهم هم من يقررون لبلادهم ويختارون رئيسهم.
أما تركيا فيبدو أن الأزمة معها

في طريقها للتصاعد بعد التصريحات الأخيرة لأردوغان، والتي قالت الرئاسة المصرية عنها إنه تصدر عن رؤية حزبية ضيقة، وإنها تدفع العلاقات المصرية التركية إلى طريق حرصت مصر كثيراً على تجنبه، وإن القاهرة تعيد تقييم علاقاتها مع تركيا.
هذه الثقة في التعامل مع الموقف الداخلي أو الخارجي لا تعني الإفراط في التفاؤل أو انتهاء المشكلات والتحديات. فمصر تعرف جيداً أن أمامها أوقاتاً صعبة، ولكنها تدرك أنها اجتازت الأصعب، ومصر تعرف أن من أضيروا بثورة 30 يونيو في الداخل والخارج لن يتوقفوا عن عدائهم لها، لكنها تعرف أن استعادة الدولة لفعاليتها قادرة على إحباط المؤامرات، وأن أهم ما أكدته الثورة هو استقلال القرار ورفض التدخل في الشؤون الداخلية لمصر من أي طرف كان.
المهم الآن هو إنجاز مهمات المرحلة الانتقالية على كل الجبهات. من الناحية السياسية سيكون إنجاز الدستور هو البداية لزخم سياسي تمهيداً لانتخاب البرلمان والرئيس الجديد، والمطلوب أن تنظيم الجبهة المدنية الديمقراطية في تحالف واسع يضمن أن يذهب الحكم للثوار الحقيقيين.
ورغم أهمية هذه المسار السياسي، فإن جهوداً كبيرة مطلوبة على الجانب الاقتصادي والاجتماعي بعد فترة من التدهور وتراجع الإنتاج ثم محاولات الإخوان لتعطيل جهود الإصلاح. لقد بدأت برامج طموحة للاستثمار وإحداث فرص العمل لمواجهة بطالة وصلت نسبتها إلى 13%.
كما بدأت جهود للعدالة الاجتماعية سواء بإقرار الحد الأدنى أو بمشروعات تحسين الخدمات ومواجهة الفقر خاصة في الريف والمناطق العشوائية. ولا شك أن البرنامج الذي تبنته دولة الإمارات في هذا الشأن يمثل إسهاماً مهماً ينتظر أن يتكرر مع الأشقاء في السعودية والكويت.
يوم الاثنين الماضي، ومع بدء محاكمة المعزول مرسي وإخوانه تأكدت سلطة الدولة وسيادة القانون. سقطت الجماعة وتأكد انتصار إرادة الشعب واستعادة الثورة لمسارها الصحيح. في بداية استيلاء الإخوان على الحكم أعلنوا "غزوة الصناديق" لاستغلال الدين الحنيف في تحقيق أهدافهم السياسية. في الأسبوع الماضي كانت غزوة المحاكمة.
وكانت غاية المنى عند الرئيس المعزول أن يلبس البدلة الكحلي بدلاً من بدلة الحبس الاحتياطي البيضاء. بعد الهذيان وإثارة الشغب في قاعة المحكمة ذهب المعزول إلى السجن. أدرك الواقع وارتدى البدلة البيضاء. انتهت مرحلة من تاريخ مصر وبدأت مرحلة أخرى. وضع المواطنون في مصر ذلك وراء ظهورهم وبدأوا في التركيز على المستقبل، تاركين الحساب على الماضي لعدالة القضاء.

نقلا عن صحيفة الحياة