رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محمد السعيد ادريس يكتب : فرص التقارب التركي مع إيران والعراق

محمد السعيد ادريس
محمد السعيد ادريس

تطورات كثيرة تدفع تركيا الآن إلى مراجعة سياستها الخارجية وبالذات مع جوارها الإقليمي، وهي مراجعة ستكون لها انعكاسات حتمية على دول أخرى تقع في البيئة الإقليمية شرق الأوسطية،

ففي أقل من عشرة أيام وجه كل من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية في تركيا دعوتين لزيارة أنقرة . الدعوة الأولى كانت من نصيب نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية قبل أيام قليلة من توجهه للولايات المتحدة بهدف تفعيل “اتفاقية إطار العمل الاستراتيجي” المبرمة بين البلدين على نحو ما أوضح المالكي نفسه عقب وصوله إلى واشنطن، أما الدعوة الثانية فكانت من حظ الرئيس الإيراني حسن روحاني في تطور لافت ومثير للاهتمام يعيد إلى الأذهان مشروع أردوغان الذي تداعى مع تفجر الأزمة السورية بربط تركيا مع إيران والعراق وسوريا بروابط من الشراكات الاستراتيجية . كانت سوريا وكان الرئيس السوري بشار الأسد هو الرابط المشترك في هذه الشراكات وكان أيضاً السبب في تداعيها .

سقوط مستطيل تحالفات أردوغان الاستراتيجية بسقوط الضلع السوري وتورط تركيا في الأزمة السورية ودخولها في تحالفات بديلة أفسد علاقاتها مع إيران والعراق، لذلك يصعب تصور عودة تركيا لمغازلة البلدين بعد مرحلة توترات شديدة في العلاقات بسبب التباين الشديد في الموقف التركي من الأزمة السورية عن الموقفين العراقي والإيراني انعكست على العلاقات الثنائية بين أنقرة وكل من بغداد وطهران سلبياً، بعيداً عن مستجدات الموقف التركي من الأزمة السورية على ضوء ما شهدته الأزمة السورية من تطورات متصاعدة في الأسابيع الأخيرة منذ ظهور التوافق الأمريكي - الروسي على تفكيك ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية كبديل للخيار العسكري الأمريكي ضد النظام السوري الذي كانت تركيا تراهن على سقوطه .

هل أدرك أردوغان من مجمل الأحداث والتطورات الأخيرة أن رهان اسقاط النظام السوري يتراجع، وأن انعقاد “مؤتمر جنيف - 2” يمكن أن يرسخ هذا الإدراك، ما يعني انتصاراً للموقفين الإيراني والعراقي، ومن ثم يكون توجهه الجديد نحو بغداد وطهران انطلاقاً من هذا الإدراك؟ ربما، لكن يمكن أن تكون مسائل خلافية أخرى لها علاقة بتوازن القوى العسكري بين الجيش الحر المدعوم من تركيا وفصائل إسلامية متشددة أخرى مدعومة من أطراف عربية، وتفاقم الخلافات التركية - السعودية حول إدارة العلاقات بين الحلفاء السوريين سبب آخر إضافي، لكن حتماً هناك أسباب أخرى لا تقل أهمية .

من بين هذه الأسباب المتغير الطائفي - العرقي المتصاعد في الأزمة السورية، الذي أخذت تداعيات تمتد نحو أنقرة وبغداد وطهران، فالتقارب التركي مع مسعود البرزاني رئيس أقليم كردستان العراق على خلفية اتهامات أردوغان وحكومته لنوري المالكي في أكثر من مناسبة بدعم دمشق وأن الأراضي العراقية تحولت، بعلم حكومة بغداد، إلى ممر للدعم الإيراني لنظام الأسد، أدت إلى تهاون الحكومة التركية مع الدعم المادي والعسكري واللوجيستي الذي يقدمه مسعود البرزاني وحكومة اربيل للمقاتلين الأكراد السوريين إلى أن أفاقت أنقرة على صدمة تنامي قوة المقاتلين الأكراد السوريين في مواجهة المنظمات المتطرفة والجيش السوري الحر، وأدركت مدى خطورة مشروع البرزاني في دعم النزعة الانفصالية لدى أكراد سوريا وطموحه في التأسيس لدولة كردية كبيرة تضم إقليم كردستان العراق وإقليم كردستان سوريا على أمل إقامة الدولة الكردية الكبرى التي تمتد في عمق الأراضي التركية والإيرانية .

هذه المخاوف ربما تكون قد اقنعت أردوغان بأن يوجه رسالة انزعاج بهذا الصدد إلى البرزاني عبر الإعلان عن توجيه دعوة للمالكي لزيارة أنقرة، ليعيد اتباع السياسة ذاتها التي استخدمها مع البرزاني نفسه، عندما استخدم أردوغان أكراد العراق للضغط على المالكي وحكومته، فهو يحاول الآن استخدام بغداد للضغط على أربيل، لكن المخاطر الكردية بالنسبة لأردوغان لم تعد تقف عند حدود أكراد سوريا، بل هي الآن ممتدة إلى أكراد تركيا أنفسهم . فعلى ما يبدو أن أردوغان يواجه تهديدات حقيقية لمشروعه الإصلاحي مع أكراد تركيا .

فقد لوح قائد الجناح السياسي في “حزب العمال الكردستان” التركي المعارض جميل بايك

ب “حرب أهلية” في تركيا إذا لم تسرع أنقرة في تسوية النزاع الكردي، ووصف بايك رزمة الإصلاحات التي سبق أن أعلنها أردوغان بأنها “فارغة”، معتبراً أن “لا علاقة لها بالديمقراطية، ولا تمنح الأكراد حقوقهم، مشيراً إلى أن العقلية الحاكمة في أنقرة “لم تتغير”، مضيفاً: “اسكتنا صوت المدافع حتى نتكلم في السياسة، لكننا نرى أن السياسة في سجن” . لم يكتف بايك بذلك، لكنه هدد حكومة أنقرة بالقول: “العملية انتهت، إما أن يقبلوا بمفاوضات عميقة ذات معنى مع الحركة الكردية، وإما ستندلع حرب أهلية” .

على الجانب العراقي لم تقف بغداد مكتوفة الأيدي، لكنها استقبلت زعيم المعارضة التركية رئيس “حزب الشعب الجمهوري” كمال كلكدار بدعوة رسمية من رئيس الحكومة العراقية . وفي بغداد التقى كلكدار مع المالكي وكبار المسؤولين العراقيين وبحث معهم مختلف أوجه العلاقة بين بغداد وأنقرة، وأكد  أن “أمن العراق واستقراره من أمن تركيا واستقرارها” . وكان زعيم المعارضة التركية حريصاً على تأكيد أن حزبه عارض سياسة الحكومة التركية الحالية الجانحة للتدخل في شؤون الدول الأخرى . بغداد صاحبة مصلحة في التقارب مع أنقرة، فهي تأمل أن تتوقف تركيا عن استيراد النفط العراقي الخام بطريقة غير شرعية من إقليم كردستان العراق مباشرة من دون إشراف الحكومة المركزية في بغداد، كما تأمل ضبط الدعم التركي لفصائل عراقية معارضة .

ولذلك دعمت بغداد زيارة رئيس البرلمان العراقي أسامة المجيفي لتركيا في سبتمبر/أيلول الفائت وكذلك زيارة وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الذي التقى نظيره التركي أحمد داوود أوغلو وتوافقا على تحسين العلاقات بين البلدين من منطلق “أنه ليست هناك مشكلات لا تحل” .

هذه المبادرات وتلك المحفزات للتقارب مجدداً بين أنقرة وبغداد كانت وراء تشجيع أردوغان لتوجيه دعوته إلى المالكي لزيارة أنقرة، وكانت أيضاً وراء قبول المالكي لها من دون تردد .

وإذا كانت دعوة أردوغان للمالكي يمكن أن تفتح مجدداً فرصاً لتغيير أو لتعديل بعض معادلات التحالف والصراع الإقليمي، خاصة حول الأزمة السورية، فإن دعوة الرئيس التركي عبدالله غول لنظيره الإيراني حسن روحاني كانت مفاجأة رغم وجود بعض المؤشرات الإيجابية التركية نحو طهران التي ظهرت في الأسابيع الأخيرة، وخاصة دعم أنقرة لمشاركة إيران في “مؤتمر جنيف - 2” الخاص بسوريا .

كيف سيؤثر هذا التقارب التركي - العراقي، والتركي - الإيراني على معادلات توازن القوى الإقليمي؟، وكيف سيؤثر بالتحديد على الأزمة السورية؟ وهل المخاوف من امتدادات الصراع الطائفي في سوريا إلى الجوار الإقليمي يكفي لضمان نجاح واستمرار هذا التقارب؟ أسئلة مهمة لم تختبر بعد .
نقلا عن صحيفة الخليج